اضاءات على الوساطة العراقية لتفكيك الازمة بين المملكة العربية السعودية وايران والمصداقية والكفاءة في ادارة التوترات، تشكل معا اهم عناصر الوساطة الناجحة، وهي حيثيات مفقودة من خزانة السياسة العراقية منذ مجلس الحكم، حيث شهدت علاقات العراق حالات من المد والجزر مع مختلف الدول العربية، وادارة الظهر بالكامل للعربية السعودية في العلن والطلب من المجتمع الدولي التحدث اليها لفتح سفارة في العراق وقد فعلت المملكة ذلك.
ان اعلان وزير الخارجية السيد ابراهيم الجعفري عن قرب اطلاق العراق مبادرة لتفكيك الازمة بين السعودية وايران، حيث طار الى سلطنة عمان وطهران والكويت والقاهرة دون المرور بالرياض، هو مفارقة مضحكة، حيث ان السيد وزير الخارجية يبدو كمن يحلق في الهواء دون ان تلامس قدماه ارض الواقع، رغم العواطف النبيلة التي افاض بها والتي لاتكفي لحل ازمة متشابكة الجذور والتفرعات ومتقاطعة في اكثر من موقع وقضية اضافة الى تعدد لاعبيها الاساسيين والثانويين.
النزاعات بين الدول لاتحل بوساطات الافراد ولابنواياهم الحسنة، وان صح ذلك استثناء في مرات نادرة فمن الارجح ان لايتكرر في المثال السعودي – الايراني شديد التعقيد، والحل يحتاج الى وساطة دول كبرى بحجمها الجيوسياسي وتأثيرها كروسيا والصين، وبعلاقاتها مع طرفي النزاع ونفوذها الاقليمي كتركيا، وبدرجة اقل سلطنة عمان بحياديتها ودبلوماسيتها البارعة وبما تمتلك من علاقات متوازنة مع كلا الدولتين، وهي شروط موضوعية غائبة عن مبادرة السيد الجعفري ان بصفته الشخصية والسياسية على رأس التحالف الوطني الذي يجاهر بعدائه للسعودية، او بصفته وزيرا لدولة غير محايدة ومعدومة التأثير وغير ضامنة لتنفيذ التسويات عدا انها عاجزة عن حل مشاكلها الداخلية وامتلاك قرارها السيادي، وتطبيع علاقاتها الاقليمية مع جوارها القريب والبعيد.
الدور الاقليمي الغائب للعراق ليس ضروريا وحسب بل وحيوي كذلك، ومن هذا التقدير يحرص رئيس ائتلاف الوطنية من خلال منظومة علاقاته العربية والاسلامية على الدفع به الى الامام وتدعيمه، ورغم وقوفه بالضد من عمليات الاعدام كمبدأ، وخصوصا لرجال الدين في الوقت الحاضر الا ان السيد اياد علاوي يرى فيها موضوعا منفصلا عن التصعيد بين الدول العربية وايران، وعلى الحكومة العراقية تأهيل الدور الاقليمي للعراق قبل انخراطها في تحريك الوساطات المحكومة بالفشل طبقا لما ذكر آنفا.
ان نجاح الدور الإقليمي للعراق مرتبط بنجاحه اولا ، كدولة ذات مؤسسات ناجزة وسيادة مكتملة وجبهة داخلية متماسكة، عبر تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية المعززة بتحرير كامل التراب الوطني وطرد الارهاب واعادة النازحين والمهجرين وحل الميليشيات وبسط سلطة القانون وامتلاك القرار السيادي، وفي اعادة دمج العراق بمحيطه العربي بما يفتح ذلك من فرص ومصالح واعدة، ومن خلال تفعيل المواقف من جميع القضايا العربية والعمل في اطار المنظومة العربية لمواجهة التحديات والتهديدات التي يفرضها الارهاب والتطرف والطائفية السياسية والتدخل الاقليمي في الشؤون العربية وتهديد سيادة بعض الدول العربية واثارة الفتن والقلاقل فيها.