23 ديسمبر، 2024 8:17 م

ضياع رأس خيط الإصلاحات

ضياع رأس خيط الإصلاحات

لم يحصل رئيس حكومة في العالم؛ كما كان مع العبادي قبل عام، الذي لاقى دعم شعبي وسياسي ومرجعي وعالمي، وخرجت الجماهير بعفوية تأييداً لحزمة أصلاحات اطلقها، وصوت النواب وأكتسب الشرعية والقانونية والشعبية.
وَعَد العبادي بضرب الفساد بيد من حديد، وإنتهى الأمر الى الإنكماش والتعكز على هجمة شرسة يشنها؛ أعداءه في مواقع التواصل الإجتماعي.
إنحصرت مطالب الجماهير بعدة نقاط لا تتجاوز أبسط الحقوق، وإنهاء المحاصصة والفساد وتقديم الفاسدين للقضاء، وفي ذروة التظاهرات وبداية إعلان العبادي؛ أيّدَ مجلس النواب بالإجماع، وبعضهم نشر صوره وهو يصوت، ولم يستطع أحداً من الوقوف ضد قرارات تجنب العراق إنهياره الأمني والإقتصادي والإداري.
طلب العبادي أخيراً تفويضاً لإجراء تغيرات جوهرية، وذهب للبرلمان مُطالباً؛ بعد سحب تفويضه في الصيف الماضي، وكأنه يُريد البناء من الهرم ويترك القاعدة، ويُلمع النهايات، ويترك الأسس والبدايات، وفي عصر سابقه يتهم البرلمان بالتقصير، واليوم التغيير يُراد للوزراء، وكأن العراق ليس دولة ديموقراطية؛ فيها سلطات ثلاث مفصولة الصلاحيات، ورقابية بين بعضها متكاملة الأدوار.
هل أن مشكلة العراق بالوزراء فقط، وهل كلهم فاسدون؟! وإذا كانوا متهمين بالفساد فعلى رئيس الوزراء محاسبتهم وإحالتهم للقضاء، وإذا غير ذلك؛ لا يمكن تبديل من لم يثبت فسادة بنزيه محتمل، وكان الأولى الإلتفات لطبيعة النظام الإداري، الذي ما يزال بقوانين دكتاتورية وتراكم معها محاصصة حزبية، وروتين ومركزية وتضارب الصلاحيات بين المركز والمحافظات، ومنع مجالس المحافظات من إقالة مدير عام دون علم وزيره وبالعكس؛ حسب النفوذ الحزبي وطبيعة التحالفات، أو يُعطي الوزير صلاحيات ما يخص وزارته لمحافظ حزبه؛ ويعطل طلب مشروع لمدينة آخرى، وبعضهم يتقاسم المقاولات ويقايض الملفات.
إن الوزراء إختارهم رئيسهم بنفسه، ولم يلتفت الى إلحاح بعض القوى؛ الى النظر الى الهيئات المستقلة والوكلاء والمستشارين والمدراء العامين ورؤوساء المؤسسات، اللذين يعملون بالوكالة، ولهم إرتباط مباشر بالأموال والتعينات والتنقلات التي تُخفى على الوزير أحياناً، وكثيراً ما تحدث العبادي عن معرقلات وقوى تمنع الإصلاحات، ولم يتحدث عن وزير فاسد، وأما الإصلاحات ذاتها؛ فقد أنطلقت بداية حكومته وكانت تهدف الى ردم مكامن الفساد وضرب رؤوسها الكبيرة، ولكن كما قالت المرجعية الى أن بُح صوتها وقالت: ” لا إصلاحات دون ضرب الرؤوس الكبيرة”، والحكومة لا تشكل دون موافقة البرلمان.
دعوات الإصلاحات؛ كانت تهدف لمحاسبة المقصرين والفاسدين من الحكومة السابقة والحالية، وليس إدخال البلاد بدوامة التوافقات والمزايدة الوطنية، ولا فَتل عضلات لإغتنام المناصب.
مثلما يُريد العبادي تفويضاً من البرلمان؛ كان الأولى به منح وزارءه تفويضاً لمحاسبة الفاسدين، وتفعيل قانون المحافظات، الذي يضمن له حل سبعة وزارات، ودمج بعض الوزارات وتقليل الترهل الحكومي، وصحيح أن الإصلاح الوزاري مهم ولكنه جزء من جملة خطوات يفترض على رئيس الوزراء إتخاذها، ومنها تقديم مرشحي الهيئات المستقلة والوكلاء والمدراء العامين، وإعتماد الكفاءة والنزاهة، والإبتعاد عن المحاصصة والحزبية، ولكن السؤال الأهم؛ هل أن القوى التي تدعي دعم الإصلاحات بالفعل تعني ما تقول؟! أم أنها منقسمة؛ أحدهما نجح في توريط العبادي، والآخر يريد التقارب معه للحصول على مناصب أكثر، وثالث ناصح لا يسمع الرئيس كلامه؟! وضاع رأس خيط الإصلاحات.