العراق في المنظور السياسي هو دولة هشة وفاشلة بإمتياز حيث احتل المرتبة رقم ١٢ في قائمة الدول الأكثر فشلاً في العالم للعام ٢٠١٥ طبقاً لتصنيف اف اف بي
( FFP / FRAGILE STATES INDEX 2015 )وعلى العموم وبمعايير مبسطة فان الدولة تصنف بانها فاشلة حينما تمتاز باربع صفات عامة وهي اولاً حكومة مركزية ضعيفة فاقدة للسيطرة على جزء او كل ارضها وثانياً فقدان شرعية اتخاذ القرارات وتنفيذها وثالثاً عدم قدرتها على توفير الحد الأدنى من الخدمات لشعبها ورابعاً عدم القدرة على التفاعل مع الدول والاسرة الدولية وبالرغم من ذلك فإن الطبقة السياسية الفاسدة التي تتصدر السلطة التنفيذية الحاكمة والسلطة التشريعية كممثلين عن الشعب لا تعترف بذلك بل تتمشدق بأوهام الديمقراطية والحكومة التوافقية وحكومة الشراكة الوطنية والكثير من المصطلحات البراقة وتنتقل عدوى هذا الزيف الى الشعب المغلوب على أمره الذي يزحف نحو صناديق الأنتخابات لينتخب ممثليه وسراق ماله في نفس الوقت معللاً نفسه بوجود دستور وقانون انتخابات ومفوضية مستقلة عنواناً ومنحازة فعلاً وناخبين، وبذلك تكتمل شروط الديمقراطية ولكن الحقيقة هو اننا دولة اونوقراطية ولثلاث دورات انتخابية والاونوقراطية باختصار هو حكم طبقة أو فئة او طائفة او عرق او حزب واحتكاره للسلطة تحت خيمة ديمقراطية زائفة .
الطبقة السياسية الحاكمة هي نفسها والحزب الحاكم هو نفسه فحزب الدعوة هو نفسه ومنذ عقد من الزمن فبعد ان حكم امينه العام لمدة ثمان سنوات تسلم الحكم عضو اللجنة السياسية وبذلك سيستمر النهج وسيستمر خداع الشعب وتخديره بجرعات تدريجية تحت عناوين شتى كالاصلاح والتغيير والخوف من الجوار العربي والتهديد المستمر خارجياً وداخلياً والحاسدين والرجعيين وكارهي الديمقراطية وفلول النظام السابق وبقايا البعث كل هؤلاء يريدون وأد التجربة الديمقراطية ويتقبل الشعب كل تلك الاكاذيب والأباطيل تحت تأثيرات عدة لعل ابرزها المنابر الدينية التي تصور له انه يعيش اليوم في واحة من الحرية في ممارسة مايشاء من طقوس حرم منها لعقود وبذلك فهذا لوحده كاف بل ان مستشار الأمن القومي الرسمي للدولة العراقية وعبر قنوات فضائية يعتبر ان مجرد ان يكون ( الشيعي يمشي بطوله ) هو قمة الانجاز للدولة .
هذه المقدمة البسيطة تقودنا الى الاستمرار بالبحث والتحليل لنجيب عن تساؤل يشغل تفكيرنا ويتعلق بمستقبل اجيالنا القادمة وهو هل سيستمر الحكم بهذا النهج ؟ وهل سيتم تطوير هذا النهج لمصلحة طائفة معينة ولمصلحة ايران ؟ ام ان القادم من الدورات الأنتخابية سيبشر بطليعة سياسية نخبوية وطنية ، وهل سيتحقق ذلك في ظل دستور صمم ليكون عقداً إجتماعياً مفرقاً وليس جامعاً مليء بحقول الالغام وهل سيتحقق ذلك في ظل قانون انتخابات يفتقر الى الوضوح والعدالة وهل سنؤمن انتخابات نزيهة برعاية مفوضية منحازة ومحكمة دستورية تنسب تنسيباً من قبل الاغلبية الحاكمة ! ماذا لو حدث ربيع عراقي يعصف بكل تلك المخرجات الشاذه ويعيد العراق الى مساره الطبيعي خصوصاً الى ان بدء التظاهرات الشعبية المطالبة بالخدمات ومن بعدها بالاصلاح وتطور ذلك الى التغيير قد قرعت جرس الأنذار للسياسيين بأن المكاسب قد تزول وشمس امتيازاتهم قد تأفل .
جاء الرد سريعاً دون انتظار ليتراجع الجيش العراقي الملياري تمويلاً والفاقد للاسس العسكرية في بناء الجيوش وتتمكن مجاميع ارهابية من هزيمته وتحتل ثلث الارض العراقية وتنطق الحوزة الصامته حسبما يصنفها زعيم التيار الصدري سابقاً وتفجر اعلاناً للجهاد الكفائي لتحرير الارض المحتله وكانها لم تحتل سابقاً في العام ٢٠٠٣ ولتشكل فرق من المسلحين تضم خليط مرتبك من الفقراء والبسطاء والعاطلين تحت قيادة المليشيات المرتبطة بايران وباشراف قيادات ايرانية وبعد اقل من اسبوع خرجت هذه المجاميع ترتدي البدلات العسكرية المرقطة واصبح الزي الرسمي لأغلب السياسيين الشيعة معممين وغير معممين بعد ان كانوا يعيبون عسكرة الشعب وتجاربه القاسية كالجيش الشعبي والحرس القومي وزودت هذه المليشيات بالأسلحة والأعتدة والتجهيزات والموارد والمعسكرات والعجلات ولتفرج ايران عن جزء من طائرات القوة الجوية العراقية وتدرب طيارين بسرعة وتشكل القيادات وهيئات الأركان ويتم تشكيل الأفواج والألوية والكتائب والفرق التي تحمل مسميات تشكيلات فيلق بدر وقوات قدس الايرانية ، وكل ذلك تم والشعب المسكين يغوص في تناحره وتتفاقم الفجوة بين اطيافه ويتصور السذج ان هذا التشكيل الطارئ والهجين هو العامل الحاسم والمنقذ الذي صد الهجمات وارهب العدو ليبدأ الأعداد الى مرحلة جديدة ، انتصارات زائفة ،قتل وتهجير مشرعن ، تغيير ديموغرافي ممنهج ، تشكيل هيئة مستقلة تسمى هيئة الحشد الشعبي بصلاحيات رئيس الوزراء المعلوم الجذور والانتماء ، تخصص للهيئة الميزانية وتفرز لها حصة الأسد من اصول الأموال العراقية في خزينة الدولة المفلسة ، اجراءات مربكة ومريبة فكيف بدولة مفلسة بجيش متهالك مهزوم تستعرض بالاف المقاتلين بعد ثلاثة ايام فقط من اطلاق المرجعية لفتواها والكل يرتدي زياً واحداً وهي بدلات القتال للجيش الأيراني ويحمل اسلحة مشاة واسلحة ساندة في الوقت الذي عزى احد قادة الجيش المنهزم في الموصل وهو الفريق مهدي الغراوي الى ان نقص الاسلحة والأعتدة كانت من اسباب سقوط الموصل ،فمن اين اتت كل تلك الموارد ! فهل كل هذا محض صدفة ام انه امر مخطط له ومعد اعداداً مسبقاً ؟
ثم تتوالى الأحداث لندخل في الصفحة الثانية من استعراض القوة والاصطدام مع السلطة المركزية فيندلع نزاعاً مفتعلاً بين قوتان ترتبطان بايران ارتباطاً مباشراً وهما قوة البيشمركة لحزب الطالباني ومليشيا العصائب والمسرح طوز خورماتو وتفشل سلطة الدولة في حل النزاع ويودع الحل لدى مبعوث ايران ، مليشيا تنتمي للحشد تختطف ضيوف من دولة قطر وتفشل الدولة في ان تعيدهم ،المملكة العربية السعودية تعدم مناهضاً فتتولى ميليشيات ترتبط بالحشد هدم مساجد وتهجير في بابل ،تفجير في مقهى في المقدادية ينتج عنه انفلات امني لمليشيات ترتبط بالحشد وفي قاطع قيادة الحشد لهادي العامري وتفجر المساجد ويهجر اهل السنة من المقدادية ويذهب رئيس البرلمان فيمنع من دخول المدينة ثم يتبعه رئيس الحكومة ويمنع ايضاً لتصل الرسالة واضحة جلية ان الحشد الشعبي خارج سيطرة الدولة .
من يراقب هذا المشهد ويحلل مجريات احداثه سيصل الى استنتاج مفاده ان العراق ماض في تأسيس الدولة العميقة وهو المفهوم المبسط لدولة داخل الدولة وكما فسرها الرئيس التركي سليمان ديميريل في انها
( الدولة العميقة هي مرادف للقوات المسلحة وقادرة على اخضاع الدولة الشرعية في اوقات الاضطراب ) فهل العراق ماض ليكون الحشد الدولة العميقة وبذلك ينتهي امل العراقيين في التغيير ويصبح هو العامل المتحكم الأول بعد ان اثبت انه لا يخضع لسيطرة الدولة ولا يرتبط الا بايران وقياداتها الدينية .فإذا ترك الحال على ماهو عليه سنفيق يوماً لنرى ان قيادات الحشد الشعبي هي الدولة الحقيقية المسيطرة برئاسة هادي العامري وأبو مهدي المهندس وباقي مندوبي الولاية في العراق وما الحكومة الا عبارة عن مجموعة تنفيذية لأوامر ومصالح دولة العمق العراقية الايرانية .