19 ديسمبر، 2024 6:26 ص

جبهة الإنتظار؛ التمهيد بإصلاح النفس

جبهة الإنتظار؛ التمهيد بإصلاح النفس

التمهيد لقيام الحكومة الإلهية العادلة، هو أمنية وحلم كل منتظِر، فهي ثمرة جُهد ما زرعه الأنبياء والأوصياء الذين أرسلوا من إجل الإصلاح، وهداية الناس للصراط المستقيم، وهم ينتظرون إنضاجها وبفارغ الصبر، لتَسُرّ أنفسهم بقطف هذه الثمرة حينما يحقق حلمهم بإقامة الحكومة الإلهية، فالإنتظار، هو الإصلاح في الأرض التي شاع الظلم والجور في كل أرجائها، لتملأ عدلاً وقسطاً، تحتاج هذه الحكومة لممهدٍ حقيقي، يعتبر إن قيامها هو واجب شرعي، لابد من تأديته مهما كلّف الثمن .
يُعد الإنتظار جبهة من جبهات الحق ضد الباطل، فالحق والباطل في صراع دائم، منذ أن بدأت مسيرة الإصلاح في الأرض، التي بعث من أجلها الأنبياء، ولا تزال قائمة إلى أن يغلب الحق في الجولة الأخيرة، حينما تشرق شمس الملكوت بظهور الإمام المهدي المنتظَر ( عجل الله فرجه الشريف )، وعلى يديه المباركتين؛ سيجعل من الحق عزيزاً وشامخاً، ومن الباطل ذليلاً ومنكسراً، فالغاية من حقيقة الإنتظار، هي أن المنتظِر ينتظِر ويُمهد بكل وسيلة لظهور وقيام المنتظَر، كما وهو _ أي الإمام المنتظَر ( عجل الله فرجه الشريف ) ينتظِر من المنتظرين، القيام بواجباتهم الشرعية بآداء الواجبات المناطة بهم، في زمن الغيبة .
وأول الواجبات التي لابد ولا مفر إلا بتأديتها؛ هو إصلاح النفس بجهادها، وفُضِّل جهاد النفس على الجهاد القتالي وعد أكبر وأرفع منزلة منه، يعيش الإنسان في حالة صراع محتدم ودائم، لإجتياز هذه المرحلة والنجاة، لابد من أفعال مدروسة بشكل جيد، حتى تأخذ بيدك لطريق الأمان وتنجو بنفسك، فالإنسان المنتظِر، وفي كل حين؛  يطور من قدراته الهجومية والدفاعية، مع تغيير الخطط والتكتيكات بشكل متجدد، فالحرب يوماً بعد يوم، تزداد ضراوة وتصعيد كبير، فضلاً عن التغيير في السيتراتيجيات بين فترة وأخرى، كي يأمن من أي هجوم غادر، وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم .
ليجتاز الإنسان المنتظِر هذا الإختبار اليومي، لابد من القيام بعملية الإصلاح، ولماذا الإصلاح ؟، لأن المنتظِر في الأساس، يَنتظِر مُصلِحاً، فالقسط والعدل، لن يقام في الأرض، مالم يتم إصلاحها، والمُصلِح يحتاج في ثورته، إلى قادة وجنود مصلحين تمكنوا وبعد جهد كبير من إصلاح حالهم، فيا ترى؛ إن أي ثورة إصلاحية بأناس مفسدين، هل سيكتب لها النجاح ؟،  الثورة التي ستنجح في إصلاح الأرض والمجتمع، لابد ومن الطبيعي؛ أن تنطلق وبقوة، في نفس الإنسان المنتظِر، فمن صَلُح حاله، تمكن وبسهولة من إصلاح مجتمعه .
فالإصلاح إِذاً : هو تلك الخطوة الصحيحة التي يخطوها المنتظِر في مسيرة الإنتظار، ليحقق فيها ثورته الكبرى، تجتث فيها كل ماهو مخالف، وتنطلق وعلى الفور بتشريع نظام للحياة،  قائم على أساس رضا الله ( عز وجل )، فهي  مسيرة لا تعرف إلا العشق والتيتم شغفاً، بمن تنتظره في طريقها، الذي رغم وعورته وقساوته إنطلقوا فيه، بعدما عرفوا إن تحمل هذا العناء والشقاء والتعب، سينتهي برضا المحبوب ورؤيته والتشرف بخدمته ونصرته والشهادة بين يديه .
 في داخل الإنسان؛ هناك حرب ضارية ومفتوحة، بين جيشين ولابد أن ينتصر أحدهما، مهما طال أمد الحرب، حيث إن الأمر مصيري لديهما، لا جدوى للحوار أو الصُلح، والتفاوض بشأن تقسيم الأراضي، فلا تسوية يمكن أن تطرح بينهما، إمّا أن تتحرر جميع الأراضي، وتطهر من دنس العدو الغاشم، أو تحتل جميعها لتنتهك وتُسلب ممتلكاتها، بين جبهة تسعى وبكل جهد؛ إلى إشاعة العدل والحب والسماحة والخير، وهم جنود الله ورجاله، الذين أبوا إلا أن تستمر الحياة، فرفعوا شعار هيهات منا الذلة، فلا خيار للركوع أو الخنوع، ومن جهة أخرى جبهة الشيطان وجنوده، التي تريد أن تنشر الظلام والدمار والفوضى والشر، لتحتل كافي أراضي الله وتدمر النفس لتنشر الفساد في الأرض .
إنّ الإنتظار والإصلاح؛ مترابطين مرتبطين  في نفس الإنسان المنتظِر، ولا يمكن فصلهما بأي وسيلة كانت، مهما حدث وجرى، ولا يمكن وصف الإنسان بالمنتظِر، مالم يكن مصلحا، معادلة لا تقبل التمهيد إلا بترتيبها كما يجب، فالإنطلاق نحو إصلاح المجتمع لابد أن يبدأ الإنسان بنفسه، والتمهيد لظهور الإمام يحتاج إلى أناس أخلصوا في إنتظارهم، وعملوا على تهيئة أنفسهم وبجد لتنال مرتبة التسليم المطلق، فالإنتظار شرف وشرفه التمهيد .

أحدث المقالات

أحدث المقالات