توقفت لحظات طويلة قبل البدء بهذا المقال عند صورة اياد السامرائي ( 69 عاماً ) مع سليم الجبوري ( 44 عاماً ) عقب اعلان فوز الأول بالأمانة العامة للحزب الإسلامي العراقي قبل أيام قليلة .
تُفهم الصورة من اكثر من زاوية ، فكما اعتبرها المؤيدون دليل ارتباط وتكاتف وتلاحم ، نظر لها آخرون على إنها صورة للصراع بين الجيل القديم والجديد ، القيادة التاريخية والحديثة ، فكر التأسيس والمشروع الناضج .
الحزب الإسلامي المثير للجدل على الدوام ، يعود من جديد للواجهة بنقاش وحوار طويل حول وضعه الراهن ، والاختلاف في التقييم بين ( المأزق) و( الامتحان ) ، أو ( الصراع ) و( التناغم ) .
ولكن الصورة ذاتها لن تفهم إلا إذا وضعت في اطارها الصحيح ، فالحزب الإسلامي العراقي ( تأسس 1960 ) يتمتع بتاريخ حافل وطويل ، وتحولات متباينة ، ومثيرة للانتباه … وتحتاج إلى مزيد من التأمل .
بالمحصلة النهائية ، لم يكن هناك على الساحة السنّية حزب استطاع الصمود والاستمرار وتلقي الصدمات مثله ، وهذا ليس مدحا ، وانما استقراء مطروح للنقاش .
نعم ، كانت هناك كبوات ، وإخفاقات لا تنكر في مسيرة الحزب ، وأولها عملية التنصل السهل من الانتماء له ، وعلى مستوى القيادات ، كما فعل حاجم الحسني ، وعلي بابان ، وطارق الهاشمي الذي مثل خروجه اكبر انشقاق في تاريخ الحزب ، فكيف يتمثل القدوة للجمهور والقيادات تتنكر له ببرود ؟!
مثلما وصمت مسيرته بالكثير من النعوت عبر الاعلام الموجه ، حتى اضطربت عنه الصورة بشكل تام .
يسجل على الحزب الإسلامي كذلك ، التردد ، وعدم الوضوح في الكثير من المواقف ، هو ظل متكتماً مثلاً على موقفه من الارهاب خشية الاستهداف ، ولما وجد أن ذلك لم ينفعه بدليل قتل العشرات من قياداته على يد تنظيم القاعدة ، بدأ بالالماح على استحياء ، وصولاً إلى التحديد التام وإن كان متأخراً بعض الشيء .
كما إن عدم حسمه موقفه من التحالفات الدولية والعربية جعلته يخسر الكثير ، وحتى تركيا لا تزال مرتبة العلاقة لم ترتقي من ( الصداقة ) إلى ( التحالف ) ، مما يستلزم اعادة النظر في الأقدام أين توضع بين واشنطن والرياض واسطنبول وطهران .
ولكن بالمقابل ، لا تنكر قدرة الحزب على التكيف مع الأحداث والظروف ، فبعد العزلة القسرية التي فرضت عليها بتأثير خليجي دولي ، ومنعه من دخول القائمة العراقية التي جمعت بقيادة علاوي معظم الكتل السنّية ، تمكن من تأسيس تحالف الوسط البرلماني ، ومن ثم استطاع كسر الحاجز للدخول إلى العراقية ، وأسس تجمع عمل ، وحصد مناصب عدة ببراعة سياسية أكثر منها مكاسب انتخابية .
واليوم ومع النجاحات التي بدأ شخوص الحزب يحققونها ( سليم الجبوري ، صهيب الراوي ، محمد إقبال ) كانت الأعين تترقب ماذا سيحصل في الانتخابات الداخلية للحزب ، ولا ينكر أن هناك توجهاً بدا واضحا نحو التغيير ، فنحن لو قارنا خطاب السامرائي ( الذي يوصف بالتوافق والحكمة ) مع خطاب الجبوري ( الجيل الجديد ) لوجدنا ثمة انفتاحاً اكبر ، ومرونة أوسع .. ولو قيم الخطابين لوجدنا فيهما اختلافا واضحا .
ولا يفهم من ذلك التقاطع بالضرورة ، فالسامرائي هو ذاته ، كتب في 22 من تشرين الأول من العام الماضي ، مقالاً صريحاً عنونه ( بعد عام من الانجاز … يحق لنا ان نفخر ) وفيه سرد مدحاً واضحاً بالشخصيات الثلاثة ، مما فهم ربما على إنه تمهيد للتغيير .
كيف نستجمع إذن كل تلك النقاط ، الحقيقة يبدو أن ما حصل في الانتخابات الاخيرة للحزب الإسلامي أكد على قابليته لتطويع هيكليته وعمله بحسب الظروف المتاحة .
هو عبر عن التدرج في التغيير ، دون رفضه بالمجمل ، فقيادة الحزب ومن تدرك جلياً أن الساحة العراقية تقتص بتأثيرات خارجية من كل شخصية بارزة ، فالتصفيات والملاحقات تنهي حلم أو مستقبل كل زعيم سنّي عامة ، وإسلامي خاصة ، حتى وجدنا أن المطلك والنجيفي وهما من أصحاب العلاقات والتنازلات والصفقات تم اقصاءهم مؤخراً !.
مثلما أن التشكيلة الجديدة للحزب امتزجت فيها الخبرات ، والأجيال ، بين التأسيس والتاريخ ، وبين الانبعاث والخط الثاني ، وبين المهني التقليدي والميداني الجريء ، مما يمنح الفرصة لو أحسن استخدامه في احداث اداء يلقى القبول .
حين شد اياد السامرائي يده على يد سليم الجبوري في الصورة ذاتها ومنحه حضنا أبويا ، كان يتواصى به ويعاهده في ذات الوقت ..
الحزب الإسلامي إذن أمام امتحان وليس مأزق كما يكتب البعض ، ولا مجال أمامه الا النجاح في ظل ما يموج به العالم من متغيرات ..
والعبرة ليست في اجراء المؤتمر العام أو عدمه ، أو صعود الجبوري أو لا للمنصب الأول ، وإنما العبرة بالمضي في مشروعه السياسي ، والاستفادة من الفرص التي تلوح اليوم واولها التحالف الإسلامي ، والتوجه الأمريكي لدعم سنة العراق .
وحتى تحقيق ذلك ، وربما بعده ، سيبقى هذا العنوان الاسلامي مثيراً للجدل بما لم يحظى به أي تشكيل سياسي عراقي خاض هذا المعترك الصعب ..بأداء صعب المراس للبعض والفهم للبعض الآخر.