1 نوفمبر، 2024 5:26 ص
Search
Close this search box.

بماذا كنا نحمي مسكن الرئيس “عبدالسلام عارف” وعائلته؟؟؟

بماذا كنا نحمي مسكن الرئيس “عبدالسلام عارف” وعائلته؟؟؟

لما أرى في شوارع “بغداد” الحبيبة منذ عام (2003) ولـ(13) سنة متتالية عدداً أو موكباً من السيارات المصفحة الفخمة ذات الدفع الرباعي والزجاج المظلل القاتم والهوائيات الغريبة التي تعلو سقوفها مستخدمة -بإستهتار ملحوظ بقوانين المرور- منبهات تطلق أصواتاً عالية غير مألوفة ومزعجة، وهي تقتحم الشوارع في قلب “بغداد” ومدن العراق الكبرى والصغرى بسرعة، تتبعها سيارات ثبّتت على أسطحها رشاشات متنوعة وقد ظهرت من بعض الفتحات فوهات بنادق وغدارات تطل على جموع المواطنين السائرين إلى أعمالهم، ناهيك عن عشرات المسلحين الذين لا يعدو واجبهم سوى حماية منزل فخم لا يتوسط حياً سكنياً بل يقع في قلب منطقة محصنة تحيطها الحواجز الكونكريتية ونقاط سيطرة وتفتيش وأبراج مراقبة يمنع الأهلون من التقرب إليها أو المرور بقربها على مدار الساعة… ولا تعدو مهمة تلك المواكب المحتشمة والحراسات الـمُبهرة سوى حماية ((شخص ما)) يتبوّأ ((منصباً ما)) لدى إحدى السلطات الأربع للدولة العراقية يستحيل رؤيته أو تشخيصه من وراء الزجاج المظلل، ولربما لا يتعرف عليه أحد في الشارع لو سار بين الجموع حتى لو كان نائباً في البرلمان يمثل من صوّتوا لصالحه كي يصعدوه إلى هذا المنصب التشريعي.
لكل ذلك تعيدني ذاكرتي ((الـمُتعبة)) إلى ما كانت عليه أمور الحمايات قبل ما يربو من نصف قرن مضى وسط نظام سياسي ينعته البعض في يومنا هذا بـ(الدكتاتوري والشمولي والإنفرادي)… فلذلك -وأُمور أخريات لا أود الخوض فيها- أستشعر وجوباً على ذاتي أن أقذف بشهادة عيان أخرى أسردها أمام ناظري القراء الكرام -وأخص منهم شبان العراق وفتيانه- فارشاً إياها على طاولة التأريخ المعاصر في عراق أواسط الستينيات، ليتكرم موقع “كـتـابـات” الأغر بنشرها على صفحاته كي لا يطويها النسيان ومشيئة الأقدار.
فبعد أن أُنتـُخِبتُ -من حيث لا أدري- ضابطاً في فوج الحرس الجمهوري الأول، ليس لسبب أو لآخر، بل لتوفر البعض من المواصفات السلوكية والدراسية لدى تخرجي في الكلية العسكرية… ولم أكن قد قضيتُ سوى (3) أسابيع فيه حتى أمرني مساعد آمر الفوج “الملازم أول حامد جاسم الدليمي” عصر يوم (الجمعة-21/8/1964) بالتوجه لمهمة حماية مسكن الرئيس “عبدالسلام محمد عارف” للمرة
الأولى خلال خدمتي في هذا الفوج الذي كان المسؤول الأول عن الحفاظ على نظام الحكم وتحقيق أمنه ودرء الأخطار عنه.
لم نكن لا في هذا الفوج ولا في سواه نمتلك سيارات فخمة أو مركبات مصفحة ذات دفع رباعي من دون لوحات تسجيل، بل كنا نتنقل بعجلات نقل عسكرية إعتيادية أسوة بكل وحدات الجيش العراقي، لذلك فقد أقَــلّتني سيارة جيب عتيقة إلى مسكن ((فخامة رئيس الجمهورية العراقية))، والذي كان -وفقاً لـما كان يدور في مخيلتي- قصراً فارهاً على مقربة من القصر الجمهوري، أو داراً تقع على أحد كورنيشات “بغداد” الجميلة تمتاز بشرفتها الواسعة والمطلّة على “نهر دجلة” الخالد وسط أحد أرقى أحياء عاصمة الرشيد وبلاد الرافدين العريقة… ويقيناً فإن بضع دبابات وعدداً من المدرعات لا بد أن تحيط بسياجها وتقاطعات الشوارع المتفرعة منها، ورشاشات ثقيلة تحميها من أخطار محتملة في ظل الأوضاع السياسية المشوبة بالقلق في عراق (1964).
لم أشأ إستصغار نفسي -بعد أن غدوت ضابطاً- لأسأل جندياً سائقاً لا أعرفه، عن الموقع الذي نحن في طريقنا نحوه عصر ذلك اليوم… ولكن لـمّا إجتزنا كل شوارع “كرادة مريم” فـ”الصالحية” و”الكرخ” فـ”العطيفية” ووجدت ذاتي في “الكاظمية” مقتربين من “جسر الأئمة” فقد إضطررت إلى محادثته:- – إلى أين نحن ذاهبون… يا أخي؟
– بيت السيد رئيس الجمهورية، سيدي.
– وأين يقع هذا البيت؟
– بالأعظمية، سيدي.
– هل تقصد أنه في “شارع الضباط”؟
– كلاّ سيدي… بل هو قريب من “المقبرة الملكية”.
عبرنا “جسر الائمة” وإجتزنا ساحة جامع “الإمام أبا حنيفة النعمان” نحو “سينما الأعظمية” حتى تقاطع الشوارع المتاخمة لمتنزه النعمان حتى إنحرفنا يميناً لأشاهد على بعد بضع مئات من الأمتار مبنى “المقبرة الملكية” ذات القبة الزرقاء، والتي تضم بين جَنَباتها رفات ملوك العراق العظماء “فيصل الأول المشكوك في وفاته مسموماً، وغازي الأول المظنون في مصرعه بحادث سيارة كان يقودها بشخصه، وفيصل الثاني المغدور به” وعدداً من أُمراء وأميرات العائلة المالكة
الشريفة التي حكمت العراق المعاصر منذ عام (1921) وحتى صبيحة (14تموز1958) المشؤوم.
وقبل بلوغنا ساحة المقبرة بحوالي “150” متراً، إنحرفنا يساراً لندخل شارعاً فرعياً لأشاهد ضابطاً برتبة “ملازم” واقفاً بتواضع أمام سياج مبنى أشبه بمدرسة صغيرة وقد إنتصب قرب باب دخوله جندي حارس واحد يحمل بندقية “كالاشنكوف”.
توجهتُ نحوه، وأدّيت التحية العسكرية له، فهذه المرة الأولى التي أتقابل مع “الملازم فاهم مالك مهدي الغانمي” رغم كونه آمر فصيل في ذات السرية الثالثة التي إنتسبت إليها قبل (3) أسابيع، حين بدأ يُوجِز المهمة التي سأتسلّمها للمرة الأولى.. وقد تلمست “الملازم فاهم” في تلك اللحظات وما تلتها خفيف الظل، دائم الإبتسامة، لَبِـقاً، متواضعاً، صريحاً، مُحِبّـاً لجنوده المنسجمين معه، ولكنه غير مُبالٍ بالضبط العسكري الصارم -كما هو حال معظم الضباط الإحتياط- وقد علمتُ بعدئذ أنه خريج كلية الحقوق/جامعة بغداد ومن عائلة مرموقة تنتسب لعشيرة ذات مركز عالٍ ومُهاب في منطقة “الديوانية”.
بعد جولة سريعة داخل سياج المبنى، لاحظت قاعة لمنام الجنود تحتوي (25) سريراً وإلى جانبها خزانات معدنية لحفظ الملابس، وهي متلاصقة مع مبنى لإستحمام المراتب تطلّ على ساحة مبلَّطة بالأسفلت لأغراض التدريب… وهناك على مبعدة منها غرفتان لضابط الحماية، الأولى للمكتب والثانية للمنام.. وعلى مقربة منهما سياج مشترك إرتفاعه (1,8) متراً يفصل الثكنة عن مسكن عائلة الرئيس “عبدالسلام عارف”… وللثكنة بابان، أحدهما للدخول والآخر للخروج، إذْ يقف أمام كل منهما جندي حارس واحد.
ودارت جولتنا الثانية في محيط الدار… بَيتٌ على ركن من أركان تقاطع أربعة شوارع فرعية وسط منطقة سكنية إعتيادية متواضعة تحتوي مئات المساكن… مساحته حوالي (15×25) متراً، مبني من الطابوق الإعتيادي، ولربما مضى على بنائه ما يقارب (20) سنة، حديقته المتواضعة تحتل مساحة تتراوح بين (15) متراً عرضاً و(10) أمتار طولاً، بناؤه من طابق واحد إلاّ غرفتين أُضيفتا كطابق ثانٍ… نوافذه إعتيادية، وسياجه الخارجي منخفض على شكل مُشبَّك معدني يفصل حديقة المنزل عن الشارع الفرعي المطل عليه، ولا يبلغ إرتفاعة أكثر من (1.5) متراً… وبالقرب من باب الدار أُضيف بناء يبدو حديثاً أو أُعيد طلاؤه، يشتمل في أسفله
((كراج)) يكفي بالكاد لسيارة واحدة، وتعلوه غرفة صغيرة بمساحة الكراج نفسه لمنام سائق السيارة.
شعرتُ بالذهول مما شاهدته… فدار رئيس الجمهورية العراقية التي تخيلتها قصراً فارهاً في منطقة راقية محاطاً بحدائق غنّاء ومياه جارية، تحميها دبابات ومدرعات ورشاشات ومدافع لمقاومة الطائرات وجنود مدجّجون بالسلاح فوق سطوح وأبراج أُنشئت على نفقة الدولة العراقية ومن أموال الشعب العراقي المستباحة لأصحاب المناصب العليا والسلطات… فقد رأيتها داراً متواضعة تتوسط منطقة سكنية إعتيادية تحيطها العشرات من المساكن، بعضها أفخم منها بكثير في مساحتها وطرز بنائها وجمال حدائقها، ولا يحميها سوى (24) جندياً لا يحملون غير بنادق” كلاشنكوف” ورشاشتين خفيفتين ليس إلاّ، ينزل نصفهم إلى المدينة، وثُلُثَي الباقين يرتاحون في قاعة المنام!!.
بادر “الملازم فاهم مالك” إلى القول:-
* إسمعني جيداً يا”ملازم صبحي”، فهذا الواجب -رغم سهولته وبساطته- يمتاز بحساسية قصوى تتعلّق بشخص رئيس الجمهورية وأمنه حين يتواجد في بيته، وخصوصاً وأنها المرة الأولى التي تكلَّف به، إضافة لكونكَ ضابطاً قد تخرجت حديثاً، وناهيك عن الظروف التي تمرّ بها البلاد منذ (6) سنوات.
* من حيث المبدأ، عليك أن تعرف أننا هنا مسؤولون عن حماية رئيس الجمهورية لوحدنا، وضمن منطقة سكنية مكتظّة بالبشر، أهلها من مختلف الأجناس والطوائف والإتجاهات… وأن سيادته لا يوافق بشكل مطلق على إزعاج أي منهم لإعتباره إياهم “جيران العمر”، وتربطه بهم علاقات إنسانية وشخصية وعائلية منذ أكثر من (10) سنوات.
* ليس ضمن واجبنا الأساس حماية أفراد العائلة إلاّ في حالة وقوع إعتداء مباشر على بيته… فعندما لا يتواجد في منزله فإننا نكتفي بإفراز جندي حارس واحد للوقوف في كل من بابي الثكنة ليس إلاّ، وكما تراهما الآن، ولا يحق لنا التدخل أو منع أو إعاقة أي شخص يزورهم، سواء من أقاربهم أو أصدقائهم أو من الجيران.
* وبالمناسبة، فإن “الرئيس” لم يأت إلى البيت هذا اليوم، وبما أن الوقت قد جاوز الساعة الرابعة عصراً فإنه من المستبعد أن يحضر من بعد الآن، ولذلك فإنك ترى الأمور والاجراءات إعتيادية تماماً.
* من عادات الرئيس أن يزور بيته بين يوم وآخر، ولكن ذلك ليس نهجاً ثابتاً… وأنه قلّما يقضي الليل فيه، وتنحصر فترة حضوره -عادة- بين إنتهاء الدوام الرسمي ببعض الوقت وحتى بُعَيدَ صلاة المغرب، أو لربما لحين أذان العشاء والتي يؤدي صلاتها في البيت قبل العودة إلى القصر الجمهوري… وفي يوم مجيئه إلى البيت فإن شخصاً ذا منصب مهم يُهاتفك من القصر، وعادة ما يكون إما “الرائد عبد الله مجيد” سكرتير عام ديوان رئاسة الجمهورية، أو”العميد زاهد محمد صالح” المرافق العسكري الأقدم، أو” الملازم رشيد علوان المهداوي” المرافق الشخصي لرئيس الجمهورية… ويقول لك:- “أن الرئيس قد غادر أو سيغادر القصر الجمهوري”… عندئذٍ عليك أن تحسب حوالي (20-25) دقيقة ليصل “الموكب” إلى هذه المنطقة.
* وخلال هذه الفترة القصيرة عليك أن تتخذ الإجراءات الآتية:-
أولاً:- تخصص جنديين لكل من بابَي الدخول والخروج بدلاً من جندي واحد.
ثانياً:- تُصعد جنديين مزوَّدَين برشاشتَين خفيفتين، كل منهما في زاوية من زاويتَي سطح قاعة الجنود… الأول، في الزاوية المطلّة على شارع المقبرة الملكية، والثاني في الزاوية الأخرى المشرفة على تقاطع تلك الشوارع الفرعية الكائن قرب دار رئيس الجمهورية.
ثالثاً:- توقف جندياً واحداً في تقاطع الشوارع المذكور، وجندياً آخر في مدخل الشارع الفرعي من إتجاه الشارع الرئيس للمقبرة الملكية، فيقطعان سابلة مرور السيارات فقط -من دون المشاة- إلى الشارع الفرعي المؤدي إلى دار رئيس الجمهورية قبل وصول الموكب، وحالما يدخل إلى داره يتم السماح لمرور السيارات الأهلية بشكل عادي… وبُعيدَ ذلك-وحالما يستقر “الرئيس” في بيته- عليك مهاتفة أحد أولئك الذين ذكرتُهُم لتُخبره بوصول السيد الرئيس بسلام إلى داره.
رابعاً:- وفيما يبقى وضع الجنود كما أوضحتُه آنفاً طالما مكث “الرئيس” في البيت، في حين يظل الآخرون في القاعة بكامل ملابسهم وأسلحتهم متأهبين لأي طارئ… ولكن عليك ملاحظة إراحة الجنود الحُرّاس في بابَي الدخول والخروج وفي الشارع الفرعي والسطح، إذْ ينبغي تبديلهم بجنود آخرين من داخل القاعة، لأن بقاء “الرئيس” في البيت قد يطول أمده لعدة ساعات.
خامساً:- طالما تواجد “الرئيس” في بيته، فإن أي شخص يروم زيارته، فعليك أن تحصل على إسمه، وتخبر سائقه الخاص “رأس العرفاء المتقاعد الحاج أحمد الكرخي” بذلك، والذي بدوره يقوم بإخبار السيد الرئيس… وإذا لم يكن ذلك السائق موجوداً لسبب أو لآخر، فإنك أنت الذي ستدقّ جرس البيت لتُخبر أحد أبناء سيادته “أحمد أو محمد أو محمود”، أو إحدى بناته، ليسمح للزائر بالدخول إلى البيت من عدمه… أما إذا كان الزائر حاملاً عريضة أو رسالة معنونة إلى سيادته، فإستلمها بشخصك وسلّمها للرئيس عند خروجه من البيت مساءً، أو أودعها بين يدي مُرافقه.
سادساً:- الزائرون الوحيدون الذين لا يخضعون لمثل تلك الإجراءات هم أُخوة السيد الرئيس “الملازم المتقاعد الحاج عبد السميع” وهو صاحب “مكوى النعمان” في منطقة الأعظمية، و”اللواء عبد الرحمن” رئيس أركان الجيش وكالة -كما تعلم-، و”صباح” الكاتب العدل في الأعظمية.. فإن لهم، ومن معهم، حق الدخول إلى الدار مباشرة دون سؤال أو جواب.
سابعاً:- عليك أن تلاحظ ضرورة عدم السماح لأي تجمع لأشخاص في المنطقة المحيطة بالدار والثكنة على السواء، وذلك قُبَيل وأثناء تواجد رئيس الجمهورية في البيت، وحين مغادرته إياه مساءً… فتلك من المظاهر التي قد تكون دلالة على تخطيط أو وجود نيّة سوء للقيام بعمل معاد ضد شخصه أو تجاه بيته.
ثامناً:- بعد صلاة المغرب عادة، ولربما بُعَيدَ صلاة العشاء، يبعث إليك السيد الرئيس إيعازاً للإتصال بالقصر الجمهوري لحضور سيارته لغرض العودة… أوانئذٍ، عليك أن تهاتف أحد أرقام الهواتف المباشرة المثبتة في مكتبك، وفي مقدمتها (هاتف السكرتير العام، أو المرافق الأقدم، أو المرافق الشخصي) لتخبره بذلك، إذْ تتأهب لحضور “الموكب”، وتتخذ الإجراءات الأمنية التي آنفنا ذكرها، وحتى مغادرته هذا الموقع… عندئذ، يعود الجنود الحراس إلى القاعة.
تاسعاً:- عليك أن تعلم، بأنه بعد إنتهاء الدوام الرسمي في الأيام الإعتيادية، وفي كل ساعات أيام الجُمَع والعُطل، فإنه لا وجود لأحد من أولئك الشخوص الثلاثة المذكورين… لذلك، فإنك تتهاتف مع غرفة تشريفات القصر الجمهوري، والتي يتواجد فيها عادة أحد زملائنا الضباط من السرية المخصصة لحماية القصر، فهو بدوره سيقوم بالإجراءات الواجبة.
وهنا لم أشأ السكوت أكثر مما سكتّ، فقد نَفدَ صبري، وسألت “الملازم فاهم”:-
* أرجو أن توضح لي، لماذا نقوم نحن بكل هذه الإجراءات المعقدة؟ ولماذا لا يهاتف أحد من عائلة السيد الرئيس، أو سائقه الخاص، القصر الجمهوري بشكل مباشر؟ أليس ذلك أفضل لهم ولنا؟
* لا يوجد هاتف في بيت “الرئيس”!!
* ماذا؟ هل صحيح ما تتفوه به يا “ملازم فاهم”؟
* نعم… ويُقال أنه عندما أُنشِئَت ثكنة الحماية هذه، فإن ديوان رئاسة الجمهورية قد فاتح رسمياً “بدّالة الأعظمية” لمدّ خط هاتفي لضابط الحماية، ولكن “البدالة” إعتذرت عن تنفيذ الطلب لعدم وجود خط هاتف شاغر لديها، فما كان من رئيس الجمهورية إلاّ إصدار أمر بتحويل هاتف مسكنه ليُنصَب في مكتب ضابط الحماية، وأن عائلته -حسب رأيه- ليست بحاجة ملحة الى الهاتف!!
* عجيب!!
* نعم… ويُقال أيضاً، أن السيد الرئيس ربما إستشعر أن الناس قد يزعجون زوجته وأولاده بطلباتهم وتوسّطاتهم، ولذلك إتخذ هذا الإجراء… كما يُقال أيضاً، أن الهاتف، حسب إعتقاده الشخصي، قد يُعتبر خطراً على تصرفات أولاده وقد باتوا في دور المراهقة، ولذلك فإن عدم وجود هاتف في البيت أفضل من توفّره.
* طيب.. ولكن، كيف تـُهاتف قرينة السيد رئيس الجمهورية – سيدة العراق الأولى حسب مصطلحات الدول المتحضرة- وأولادها أقرباءهم وأصدقاءهم؟
* سؤال وجيه يشكل نقطة مهمة فاتني التطرق إليها… فبنات السيد الرئيس قد يحضرن إلى مكتبنا لهذا الغرض برفقة أخيهن “أحمد” الطالب بالمرحلة الإبتدائية، وعليك تركهن لوحدهن لتفادي الإحراج، فلربما لديهن أحاديث عائلية.. وقد يزورك السائق “الحاج أحمد الكرخي” للغرض نفسه… وقد يطلب أحد الأقرباء أو الأصدقاء أحد أفراد العائلة، فعليك إخباره عن طريق “الجندي المراسل” أو “عريف الفصيل”… ولكني لم أصادف أحداً يطلب الأخت “أم أحمد”.
وبعد أن أنهى “الملازم فاهم” شرح أسلوب الحماية، جلسنا في مكتب ضابط الحماية، ليتطرق إلى أمور القيادة والإدارة:-
أولاً: لا بد وأنك لاحظت، أن هذا الذي يُسمّى بـ”فصيل الحماية”، ليس فصيلاً كاملاً، إنما هو “نصف فصيل” يقوده ضابط برتبة “ملازم”، يتكون من (24) جندياً يرأسهم ضابط صف… وأن (7-8) جنود يغادرون إلى بيوتهم في “بغداد” أو لغرض الراحة
والتنزّه، وأن مَنْ أهله في “بغداد” سيعود إلى الثكنة قبل الساعة السابعة من صباح اليوم التالي.. أما سكنة المناطق البعيدة الذين يتمتعون بإجازاتهم الدورية المعتادة، فعند نزولهم إلى “بغداد” فإن عليهم العودة قبل س11 ليلاً… لذلك فإن “القوة القتالية الفعلية” لهذا الفصيل قد لا تتعدى (14-15) جندياً بعد ظهر كل يوم.
ثانياً: أنا أرى، أنه في حالة وقوع أي إعتداء على شخص السيد الرئيس أو على بيته، فإنك ستنشغل تماماً بالحدث، ولا يسنح لك المجال في طلب عَون أو إستنجاد بقوة إضافية تحضر إليك بسرعة من الفوج أو من القصر الجمهوري… لذلك، فإنه من الأنسب أن تثبت أحد ضباط الصف أو الجنود وتعلمه كيفية الإتصال فوراً بأحد أرقام الهواتف المهمة المثبتة أمامك على هذه المنضدة.. ويُفضَّل إخبار “مساعد آمر الفوج” أو “الضابط الخافر” لفوجنا أوَّل الأمر، ليكون الأشخاص المسؤولون على علم بالأمر الطارئ.. فمثل هذه الحوادث تتطلب إجراءات سريعة لاحقة على مستوى الدولة، وبالأخص إنْ كان الإعتداء على شخص رئيس الجمهورية.
ثالثاً: لا تدع الجنود يتراخَون… فالعرض الصباحي يبدأ بالساعة السابعة والنصف، ومن بعد ذلك فليُمارسوا الرياضة الصباحية والهرولة لنصف ساعة قبل أن يتدربوا على السلاح لساعتين مقرّرتين.. وبعد الفطور الثاني وفي حدود الساعة 11، حاول أن تلقي عليهم محاضرة عسكرية أو ضبطية أو دبنية أو أخلاقية أو ما تراه مناسباً، وذلك قبل أن يحل موعد تناول طعام الغداء بعد الظهر… ولا تنسى أن يتمتعوا بالرياضة المسائية عصراً إذا لم يكن السيد الرئيس في بيته.
رابعاً: أن سيارة شحن عسكرية تحضر فجراً إلى هذه الثكنة وقد جَلبَتْ على ظهرها “الشوربة والشاي والصمّون”… وفي حدود الساعة التاسعة وحتى العاشرة صباحاً تجلب “الفطور الثاني”… وفي الواحدة ظهراً يكون طعام الغداء “التمن والمرق” قد أحضرته.. أما توقيت “العشاء” المكوّن من “المَرَق” فقط، فإنه يكون مع مغيب شمس كل يوم… ولكن، إذا ما تأخرت سيارة الطعام عن الحضور لساعة كاملة عن التوقيت المتعارف عليه، فإن عليك مهاتفة “الضابط الخافر” لذلك اليوم أو ربما بـ”مساعد الفوج”… أما طعامك أنت، فإن “مطعم ضباط الفوج” لا يتكفَّل بإرساله مع تلك السيارة، لذلك إعتمد على جيبك بإرسال جندي إلى أحد المطاعم القريبة في الأعظمية -وما أكثرها- ليجلب لك الطعام الذي تشتهيه، وعلى نفقتك الخاصة، إذْ لا يكلِّفك أكثر من حساب مطعم الفوج من الناحية المادية>
خامساً: ولغرض التَوَقّي من أي حادث إطلاق نار غير متعمد، يفضل أن يودع الجنود (عدا الحرس في البابَين) أسلحتهم مع أعتدتها إلى “المشجب” بعد إنتهاء
التدريب الصباحي… ولا تُسَلَّم إليهم إلاّ في حالة حضور السيد الرئيس إلى البيت، إذْ يجب أن يبقوا يقظين ومتهيّئين لأي طارئ ولحين مغادرته.
سادساً: عليك بتفتيش الجنود يومياً من حيث نظافة أجسادهم وحلاقة ذقونهم وكوي ملابسهم، فإن البعض منهم قد يهمل ذلك… فحماماتهم جاهزة وتتوفر فيها السخانات الكهربائية التي تجهّزهم بالماء الساخن.. فإنتظام قيافة الجنود ضروري جداً، خصوصاً وأننا نؤدي واجباً ضمن منطقة سكنية مدنية، وأن علينا الحفاظ على سمعتنا كحرس جمهوري وجيش عراقي محترف.
سابعاً: من المتوقع أن تبقى هنا بواجب آمر فصيل الحماية ليومين أو ثلاثة أيام متتالية، ولربما أكثر من ذلك. وإذا حضر إليك أحد زملائك من الضباط الأحداث ليتسلّم منك المهمة، فعليك إيجازه مثلما أوجَزتُكَ… أما إذا كان ضابطاً سبق وأن قام بهذا الواجب، فإنه على علم مسبق بجميع هذه الأمور.
لم يُطِلْ “الملازم فاهم مالك” حديثه معي أكثر من ذلك، فقد أشارت الساعة إلى الخامسة عصراً، حين أقلّته السيارة العسكرية ذاتها، وكان آخر نصائحه بأن لا أحمل همّـاً كبيراً في أداء هذه المهمة… مُذَكِّـراً إياي بأن أي شخص وقتما يستشعر بعظم المسؤولية في أي ظرف وموقف، فأنه قد يُبدِع وتتفتَّق لديه أفكار عديدة وحلول ناجعة… فأدّيت له التحية العسكرية، شاكراً فضله، ومتمنياً له السلامة.
فكرتُ، بادئ ذي بدء، أن أستطلع المنطقة التي تحيط بدار رئيس الجمهورية جيداً، وبشكل أفضل، وبصحبتي عريف الفصيل “كامل عبد الحسن” مُلقياً نظرة فاحصة على مبنى “القسم الداخلي” لطلبة “دار المعلمين الإبتدائية” الذي يكتظّ بعشرات من الطلاب الشباب… وسرتُ في الشوارع الفرعية المحيطة بالدار، وركزت بناظري على السطوح العالية للدور ذات الطابقين بشكل خاص، لأعود إلى سطح قاعة منام الجنود ومكتب ضابط الحماية… وثَبَتُّ في بالي المواقع المحددة التي يمكن توجيه الجنود إليها في حالة فتح نيران أسلحة نحونا… كل ذلك قبل أن أطلب من عريف الفصيل جمع ضباط الصف والجنود كي أتعرّف على شخوصهم، وليتعرّفوا على ضابط جديد لم يَمضِ على إلتحاقه بالفوج سوى ثلاثة أسابيع وقد كُلِّفَ بهذا الواجب للمرة الأولى… وبعد ذلك، دخلت “المشجب” لأتـأكد من كميات الأعتدة المكدسة لجميع أنواع الأسلحة الخفيفة المتوفرة لدى فصيل الحماية.
مضى الوقت سريعاً حتى حلّ الليل لأستشعر معه برهبة تسري في صميم قلبي، فإنها وإن لم تكن شديدة فحسب، فقد كانت كبيرة ومؤثرة… فها أنا وحدي في بقعة تنأى عن ثكنة الفوج وعن القصر الجمهوري مسافة قد تربو على (10) كيلومترات، ولا إتصال لي معهما سوى ذلك الهاتف اليتيم الذي يمكن أن يعطل أو ينقطع بكل سهولة ويسر، فهو لا يعدو مرتبطاً إلاّ بسلك قُطرُه بضعة مليمترات معلّق بين أعمدة واضحة لكل عين.. ولا سيارة تحت إمرتي أستطيع التحرك بها أو
توجيهها في مواقف طارئة… حينها، أحسستُ تماماً أنني و”ربّ موسى” العظيم هنا، في هذا المكان.
راودتني تساؤلات وإستفسارات عديدة… لم أجد لها جواباً يشفي غليلي:-
* فما الذي أعمله لو فَتَحَتْ جماعة معارضة للنظام القائم النار على مسكن عائلة السيد رئيس الجمهورية العراقية، أو على ثكنة حمايته؟؟.. ومن الذي يمكن أن يمنع ذلك ما دامت الشوارع المحيطة بهما مفتوحة للجميع طيلة (24) ساعة؟
* وما العمل الذي يمكن أن أقدم عليه، لو تسلقت جماعة مسلحة فوق سطح “القسم الداخلي” لإسكان طلبة دار المعلمين الإبتدائية؟؟ ومن الذي يمكنه أن يجزم عدم وجود طلاب شباب حاقدين أو مناهضين للحكم بينهم؟؟ وكيف السبيل إلى إكتشاف أمرهم؟؟
* وماذا أعمل، لو إحتلّت جماعة مسلّحة سطح أحد منازل المنطقة من تلك التي تشرف مباشرة على بيت السيد الرئيس أو الثكنة؟؟
* وما هو الإجراء الذي يمكن أن أتخذه، لو خطفت جماعة مسلحة أحد أنجال أو إحدى كريمات رئيس الجمهورية، وهم متمتعون بكامل حريتهم في التجوال وعلاقاتهم الإجتماعية التي هم سائرون عليها مع الجيران دون تحسّس بأي خطر؟؟
* وماذا لو دخل زوار إلى بيت الرئيس، وليس لنا صلاحية منعهم، وسيطروا على الدار بَغتـةً، وأخذوا أفراد العائلة رهائن بين أيديهم؟؟
* وكيف أتصرف لو حدثت حركة مفاجئة لقلب نظام الحكم، لا سيما وأن دار رئيس الجمهورية ستكون أحد المواقع المستهدفة؟
وهكذا أمسيت على الفراش متقلِّباً ذات اليمين وذات الشمال، وبملابسي العسكرية، وسلاحي قرب رأسي حتى مطلع الفجر، إذْ كنت في معدل كل ساعة أنتقل إلى خارج الثكنة لأتأكد من يقظة الجنديين الحارسَين وضابط الصف الخافر بينهما، وأتأكد من عدم وجود أي تجمّع لأشخاص هنا أو هناك… فقضيتُ ذلك الليل الثقيل كلّه في تفكير دؤوب عن القَدَر الذي حلّ بي وأتاني إلى الحرس الجمهوري. فنظام الحكم القائم “لا ناقة لي فيه ولا جَمَل”.
ولكن، حين إستعرضت شخوص الضباط الذين تعرّفتُ عليهم وعرفت مكامن معظمهم عن كثب وبشكل فضولي لا أنكره، توصّلت إلى أن جُـلَّهم ((لا ناقة لهم ولا جمل)) في هذا النظام… فالذي كان يُقال في المجالس الخاصة والعامة وفي الشارع العراقي عن “عبدالسلام محمد عارف” كونَه يعتمد على “عشائر الدليم” للحفاظ على سلطته، وإسناده مناصب متنفّذة لأشخاص ينتمون إلى تلك المنطقة وقبائلها، أو هم من سكان مدن “لواء الرمادي”ó ، فإني لم أجد له صدىً يُذكر في فوج الحرس الجمهوري الأول.. فآمر الفوج “الرائد الركن عبد الرزاق صالح العُبَيدي” و”الملازم سعد عبد الهادي العسّاف” من حي “الأعظمية”… و”الرئيس/النقيب كاظم عزيز” من حي “الكرادة”… و”الملازم أول حامد جاسم”-على الرغم من كونه يحمل لقب “الدليمي” فإنه من عشيرة “ألبو علوان” الساكنة في بقاع “لواء الحِلّـة”óó… و”الملازم أول سلمان شجاع النَدّواي” من “الكرَيعات”، و”الملازم أول يوسف خليل أحمد” و”الملازمان عبد محمود البنّا وقاسم علي” من “لواء المَوصِل”.. و”الملازمون وليد جسّام وعبد الجبار جسّام وقاسم فرحان” من حي “الكرخ”.. و”الملازم عبد الأمير عُبَيد” من “قضاء النعمانية/لواء الكوت”… و”الملازم فاهم مالك” من “لواء الديوانية”… و”الملازم أول قاسم محمد صكر” من “لواء الناصرية”.. و”الملازمان سعد شمس الدين وعدنان العزاوي” من “لواء ديالى”.. و”الملازم عبد مطلك الجبوري” من “قضاء الحويجة”/لواء كركوك”، وأنا من مدينة “كركوك”.. فلا يبقى هناك سوى (6) ضباط ما بين “دليمي وعاني وحديثي”ó من مجموع (24) ضابطاً، إذْ لا يشكلون سوى نسبة 25% من ضباط الفوج.
ولذلك توصّلت إلى أن هذا الفوج الذي يتحمل مسؤولية حماية القصر الجمهوري ودار رئيس الجمهورية ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ولا يفصل ثكنته عن القصر الجمهوري سوى سياج مشترك واحد يستطيع أي انسان إعتيادي القفز من فوقه بسهولة، لا يمكن إعتباره أكثر من “فوج مشاة إعتيادي” ولكنه “مكلَّف بواجب خاص”… لذلك، فمن الأخلاقيات العسكرية التي تربّيتُ عليها في الكلية العسكرية، أن أُؤدي واجباتي ضمنه كأي ضابط في أية وحدة من وحدات الجيش العراقي… وأنه ليس بمُستطاعي فرض رأيي على قيادة الدولة بأن لا تكلّف وحدة من جيشها بواجب خاص… فهل من دولة في العالم كلّه دون حرس ملكي، أو تخلو من حرس جمهوري أو رئاسي؟؟؟
وتذكرت كذلك، أنني قد أقسمت اليمين بالله العظيم وبالشرف العسكري أن أُؤدي واجباتي على خير ما يُرام خدمة للوطن والجيش.. ولذلك، حصلت لدي القناعة التامة بأنه يتحتّم عليّ أن أقوم بهذه المهمة وسواها على خير ما يُرام.. وعليَّ أن أتوكل على الله، سبحانه وتعالى، وأستند إلى قدرته الحق في هذا الأمر، مثلما في غيره.
وحتى إذا ما إفترضتُ أنني على غير قناعة في أداء هذا الواجب الخطير.. فأين المفر، ولمن المشتكى؟؟؟.. فهذا هو الجيش، وهذه هي العسكرية التي تولّعتُ بها منذ نعومة أظفاري، فلا داع
لم يغمض لي جفن خلال الساعات تلك الليلة التي مرّت ثقيلة وطويلة وكأنها دهر بحاله، حتى حلّ الصباح بعد طول سهر وتفكير وقلق.. وكانت الساعة السابعة والنصف عندما تجمّع أفراد فصيل الحماية في ساحة عرض الثكنة.. وبينما كان عريف الفصيل يقدّم لي الحضور في العرض الصباحي-حسب التعبير العسكري السائد في جيشنا- شاهدتُ سيارة عسكرية من طراز “كاز قيادة” وقد إجتازت باب الثكنة، وترجّل منها آمر فوجنا “الرئيس أول الركن عبد الرزاق صالح العبيدي”.
أوعزتُ إلى عريف الفصيل بالمباشرة بالتدريب قبل أن أتوجّه إلى آمر الفوج لأُقدِّم نفسي والفصيل إليه.
كان أوّل تجواله في قاعة الجنود، حيث تأكد من نظافتها وحسن ترتيبها، ثم في مكتب آمر الفصيل، قبل أن يخرج وأنا بصحبته، إلى الشارع الفرعي المحاذي للثكنة ودار رئيس الجمهورية، ليعود إلى ساحة التدريب حيث كان ضابطا صفّ يشرحان لرَهطَين من الجنود تفاصيل البندقية “كالاشنكوف”، وقبل أن ينهال عليّ بوابل من الأسئلة، وكأنّه يعلّمني ويدرّبني على واجباتي ويذكّرني بمسؤولياتي، ويختبرني في أداء مهماتي:-
ì كيف حال جنودك يا ملازم صبحي؟ وكيف وجدتَ مستوى تدريبهم وحرصهم؟
– لم أتعرّف بعد على مستوى تدريبهم، ولم أُجرّب حرصهم على الواجب، إذْ لم يَمضِ على إلتحاقي إلى هذا الموقع سوى يوم واحد، وأنهم ليسوا من أفراد فصيلي، سيدي.
ì وما حال الأسلحة والأعتدة؟
– أعتقد أنها بحال جيد، سيدي.
ì هل تأكدتَ من نظافة الأعتدة الإحتياطية المخزونة في المشجب وتهيئتها؟
– نعم سيدي، ومنذ مساء يوم أمس.
ì إشرح لي أسلوب الحماية ومواقع الجنود الحراس أثناء وجود السيد رئيس الجمهورية في منزله.
وبعد شرح مفصل ومسهب عن أسلوب الحماية، وجدتُ الفرصة مناسبة لطرح بعض الأفكار على السيد آمر الفوج:-
– هناك سيدي مواقع مُشرِفة ومتحكِّمة ربما تشكّل خطراً كبيراً على دار السيد الرئيس وعلى ثكنتنا هذه، وأهمّها سطح الطابق الثاني للقسم الداخلي لطلبة دار المعلمين، وعدد من سطوح البيوت العالية ذات الإطلالة المباشرة.
ì السيد رئيس الجمهورية لا يسمح بشكل مطلق طرح موضوع البيوت السكنية وسطوحها، فأصحابها من أصدقائه ومعارفه.. أما القسم الداخلي الذي ذكرتَه، فسأطرح موضوعه على ديوان الرئاسة وأُخبرك بالنتيجة.
ولكن، وفي ظهر اليوم نفسه، أخبرني مساعد آمر الفوج بأن ديوان الرئاسة لم يقتنع بصعود أي جندي إلى سطح البناية المذكورة، إذْ أن السيد رئيس الجمهورية لا يوافق -من حيث المبدأ- على زيادة أو تكثيف المَظاهر المسلحة حول داره… وطلب مني أن لا أطرح أية أفكار أو مقترحات مشابهة أمام أي مسؤول قد يحضر لزيارة الثكنة!!!.

أحدث المقالات