خصخصة المؤسسات والصناعات والوحدات الانتاجية وتحويل ملكيتها من القطاع العام الى القطاع الخاص دون فرض نظام ضريبي متطور وصارم يضمن حقوق الدولة ، بمثابة بيع البلد بالتفصيخ . والبيع بالتفصيخ يعني ان توزَعَ اجزاؤك لإصلاح مكائن وكيانات اخرى فيما ينتهي وجودك في نهاية المطاف . ولك ان تتخيل قساوة هذا المصير.
فالدولة من واجباتها سن قوانين ، واستحصال ضرائب وتقديم خدمات وكل مافي تفكيرنا لن يخرج عن نطاق هذا الاقنوم الاداري. اذا قلنا الصحة والامن والدفاع فهي الخدمات واذا قلنا الرقابة والحقوق وضوابط الاستثمار وترشيد العملة فهي القوانين واذا قلنا حماية المستهلك من جشع القطاع الخاص تحدثنا عن الضرائب ودعم الدخل … وهكذا . ومع الخصخصة يكون القطاع الخاص المورّدَ الرئيس للبلاد ومصدرَ ثراء الكثير من دول العالم التي تطبق قوانين الضريبة بصرامة شديدة .
لماذا اليونان مفلسة دون غيرها من دول اوربا صغيرها وكبيرها. اليونان بلد سياحي من الطراز الاول روح الشرق وطراز الغرب وعمق حضاري هائل متصل منذ نظراته الاولى حتى ساعتنا هذه ، كلها تجتمع في ارضٍ خلابة تعاون الله والبشر على بنائها . وبعيدا عن تاثير دخول البلاد منطقة اليورو وتشعباتها، حدث ان صعد رجال الاعمال والمقاولون الى الحكومة فيه ، فاصبحوا هم اصحاب الاعمال والشركات وهم المسؤولون في الوقت نفسه ، امتنعوا عن دفع الضرائب بحكم نفوذهم .. افلست البلاد ،اغرقت بالديون التي لاقدرة لها على سدادها. ذهب هؤلاء ، جاء الاشتراكيون ، وقعوا بين خيار الرضوخ للشروط الاوربية في مساعدتهم ، وجرح كرامة اليونان الاغريقية التي تعد نفسها اصل الدنيا قاطبة ، وبين الذهاب الى المجهول . انحاز الاغلبية للخيار الاول . فترى اليوم الشوارع واجمة والمطاعم فارغة والمحلات مغلقة والشباب عاطلا يهاجر ، والناس لاتتجرا على صرف مدخراتها خوفا من الغد ، شحت عطاءات البنوك ، والناس تترقب معجزة الانقاذ كانها تنتظر تنفيذ ضربة جزاء .
في بريطانيا او دول اوربا الاخرى الموضوع مختلف تماما ، فالتهرب الضريبي يعادل جريمة الاغتصاب او القتل واحكامه شديدة تصل المؤبد . كل المؤسسات الخدمية قطاع خاص ، من انظمة البنوك الى نظام غرامات وقوف السيارات ، لكنه قطاع مراقب من دوائر الضريبة ، فتجد كبريات الامبراطوريات الخاصة التي تمتص الثروة امتصاصا تقف الدولة عند بلاعيمها لتاخذ حصة الحياة العامة منها ، نعم حصة الحياة لان الدولة الثرية من استحصال الضرائب تقوم ببناء البلد واعمار مرافقه العامة من شبكات طرق وجسور وشرطة وطاقة الى رعاية الناس صحيا وانسانيا ومعيشيا وانقاذ العاطلين و ذوي الدخل المحدود من التشرد و الفقر .
بالنسبة للعراق . فهو ابعد من ذلك بكثير ، بل بكثير جدا ، حكومتنه تبيع نفط وحياتنا مربوطة بسعر السوق ! وهو اكثر مستويات الاداء الحكومي سطحية ، ثروة بلاش وقوانين رقابة غائبة ومسؤولون غير اكفاء ، ولا اثر للضرائب في موازنة الدولة ولا اثر لتطوير الصناعات وتعدد مصادر الدخل الوطني، والاستثمار بالمال والرجال كما يحدث في دول كانت حتى الامس القريب اقل منا كفاءة ومالا ومساحة وثروات وسمعه . ولذلك يمكن تصنيفنا في منظومة “اقتصاد اليانصيب” حيث لايحتاج الى محلل سياسي يتحدث عن شروط البنك الدولي ولا خبير اقتصادي يشرح لنا الفرق بين الخصخصة والتخصيص والإستخصاص ، تصعد اسعار النفط – دولة ثرية ، تنزل اسعار النفط – دولة فقيرة .
في هذا المناخ الذي لارقابة فيه تصبح اي دعوة لخصخصة مشروع او صناعة او مرفق خدمي او وحدة انتاجية ، بمثابة تهديم لركائز اقتصاد الدولة وتسليمها بيد الراشين والمرتشين والمتواطئين من المسؤولين الفاسدين ليبتلعوا الغنيمة معا .الحل : قبل الشروع بهذا الاجراء السيادي الخطير الكبير لابد من وضع شروط صعبه واتخاذ اجراءات جريئة ، اول هذه الاجراءات ان لانقوم بتعيين الحرامي امينا للصندوق .