لم تكن المصالح الروسية في منطقة الشرق الاوسط وفي سوريا هي السبب الوحيد للتدخل الروسي فيها ، رغم ان ذلك كان السبب المعلن من التدخل . . حيث ان الازمةالاوكرانية كانت دافعا مهما واضافيا للرئيس بوتين لفتح جبهة جديدة لتخفيف الضغط على روسيا نتيجة العقوبات الامريكية والاوروبية عليها ، وبذلك فان روسيا حاولت ضرب عصفورين بحجر واحد . ضمان المصالح الروسية في المنطقة وتخفيف العقوبات عليها .وقد قلنا في مقال سابق بان التدخل الروسي في المنطقة سوف يعجل من المفاوضات السياسية ، وان هذا ماحصل فعلا . ولكن سقف التوقعات للرئيس بوتين من هذه المفاوضات كان مرتفعا سواء على الصعيد السوري ام على صعيد الازمة الاوكرانية ، حيث ان الولايات المتحدة الامريكية ومن ورائها اوروبا لم توافق على تقديم اية تنازلات بشأن الازمة الاوكرانية ، لكونها تمثل من الاولويات التي لايمكن المساومة عليها مقابل الحل السلمي للازمة السورية ، فتعثرت المفاوضات . مما تسبب في تعاظم الدور الروسي في سوريا وازدياد الضربات الجوية على مدن عديدة فيها والتي ادت الى هجرة اعداد جديدة من السوريين باتجاه تركيا واوروبا ، ولازال هاجس التطرف الديني والعنف الملازم له يسود اوروبا بلا استثناء . وبذلك اصبح الوضع في سوريا مركز تهديد للعالم اجمع ، مما يتطلب تحجيمه والحد منه . ان اعادة التجربة الافغانية في مواجهة الروس في سوريا لها مخاطر عديدة ، وبذلك فان امريكا وحلفائها عارضوا كثيرا تزويد المعارضة السورية بالاسلحة ، لكونها تضم ايضا مجاميع اسلامية راديكالية . وان تسليح هذه المجاميع سيسبب الضرر للجميع . ولم يبق امام التحالف الدولي سوى استئناف المفاوضات او التدخل العسكري البري .
والان وبعد ان تعثرت المفاوضات مرة اخرى نتيجة عدم تقديم التنازلات المطلوبة من قبل الاطراف المعنية ، فانها اوشكت بالوصول الى طريق مسدود . ولم يبق الا الحل العسكري ، اي التدخل البري . وقد تم التصريح مرارا من قبل جهات عديدة ان المشكلة السورية اذا لم تحل عن طريق المفاوضات فانها ستحل عن طريق التدخل العسكري المباشر . ورغم ان هذا التدخل محفوف بالمخاطر لانه قد يؤدي الى صدام مسلح مع روسيا ومع ايران ايضا . فان الامور قد اصبحت في اعتقادي قاب قوسين او ادنى من التدخل العسكري البري لدول المنطقة في سوريا . ولا أدل على ذلك من ماجريات الامور الحالية والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية :
اولا_ تصريح وزير الخارجية الامريكي من ان وقف اطلاق النار المتفق عليه في سوريا يشمل سحب الميليشيات الايرانية والعراقية من سوريا . وبعكسه ستكون هذه الميليشيات هدفا للجميع . وهذا تهديد واضح .
ثانيا_ التدخل التركي من خلال قصف مدينة أعزاز وادخال عربات مدرعة الى داخل الاراضي السورية . حسب الناطق الرسمي لوزارة الخارجية السورية . ومقتل جندي تركي في اشتباكات على الحدود .
ثالثا_ المناورات السعودية مع بعض الدول العربية والاسلامية في حفر الباطن قرب الحدود العراقية وبمباركة الولايات المتحدة .
رابعا _ سيطرة الكورد على القرى القريبة من الحدود التركية يرافقه قصف شديد من الطائرات الروسية لقطع الامدادات عن مدينة حلب . الامر الذي يعرض المصالح الامنية التركية للخطر على حسب قول رئيس الوزراء التركي .
وبذلك سنشهد في الايام القادمة توترات عسكرية على نقاط التماس القريبة من الحدود التركية ، مما قد يؤدي الى بوادر تدخل عسكري بري داخل الاراضي السورية . رغم تهديدات موسكو في عدم السماح لتوسيع رقعة المجابهة . ويبدو ان السعودية راغبة بشكل كبير ايضا في المشاركة بهذا التدخل بالرغم من تلكؤها في حرب اليمن .
ان من يقف امام توسيع التدخلات العسكرية لدول المنطقة هو تردد الرئيس اوباما في الدخول بأية مجابهة محتملة مع روسيا وما يتبع ذلك من اشراك حلف شمال الاطلسي مما قد ينذر بعواقب وخيمة لا يمكن تقديرها . ولذلك فأن الامريكان سيقومون بمحاولة يائسة لانعاش المفاوضات بين الاطراف المتنازعة في سوريا لنزع فتيل الحرب المحتملة .
وفي جميع الاحوال فأن الاوضاع في سوريا ستؤثر تأثيرا مباشرا على الواقع السياسي في العراق . حيث ان الولايات المتحدة الامريكية ستضغط اكثر على حكومة العبادي لاصلاح العملية السياسية من جهة وسحب او تصفية الميليشيات والحشد الشعبي من الشارع وبعكسه فأن واشنطن ستتخذ الاجراءات االلازمة لاستبدال العبادي بشخصية تكون اكثر موالاة لها ، خصوصا وان العراق يعتبر الممر الحيوي لايران باتجاه سوريا . وان بقائه على هذه الشاكلة يمثل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة .