التباهي بشخص الرسول محمد.. (ص) ليس حكرا عليّ لوحدي.. أنا العلوي.. سيد صحيح النسب، بإعتباري شجيريا موسويا، إنما هو.. صلى الله عليه وآله، فخر الكائنات، إستنادا الى أن الجماد والنبات والطير ووحوش البر والبحر، يسجدن لله، وأن “الدين عند الله الإسلام”والإسلام هو الدين الذي بلّغه محمد الى مطلع الزمان وآخره.
انتقال مفاهيم السماء، من مغاليق الكون العلوية، الى الأرض، بمعناها الدنيوي، إستلزم قوة إنسانية.. إلهية التدفق، تحلى بها محمد.. لينشرها، إسلاما، بين المؤمنين؛ إذ علّم الوجود كيفية التداول الإنساني لفكرة الإلوهية، فبات رضا الرب.. جل وعلا، حاضرا في المعاملات اليومية، والبيع والشراء، والزواج والطلاق، وصلة الرحم.
بكل ما إختاره الله لأدائه من رسالة الإسلام الحنيف، حق للنبي محمد بن عبد الله، أن نبتهج بذكرى عيد مولده الكريم، مستحضرين سيرته، التي يدخل الإسلام.. ذو الحضور العظيم، وحدة كبرى، تتكامل بها الدنيا، مع الآخرة.
وَضَعَنا على أعتاب حضارة الروح، التي لا تغفل المادة، فقد حرص.. صلى الله عليه وآله، على تجذير معانٍ سامية، لأخلاقيات تسيّر الحياة، بإتساق بريء، لا ظلم ولا إثم فيه.. تلك الحضارة، التي تمتع أسلافنا بها.. منذ البعثة وحتى سقوط بغداد، بنهاية الدولة العباسية.
أطر الإسلام أبعاد الشخصية العربية، وإمتداداتها الإنسانية، متمما لمكارم الأخلاق، أي أنه يتكامل مع ما سبقه وتزامن معه وما يليه؛ لذا فهو منظومة دستورية وإجرائية، صالحة لبناء مجتمع كوني “أصله ثابت وفرعه في السماء”.
ولأن تلك الحضارة التي أرسى دعائم جذورها الإسلام المحمدي، تشظت فتات مذاهب متناحرة، إمحت وتلاشى قوامها و… ذهبت ريحها.
جهات مغرضة تنتفع من تشتيت الرؤية الإسلامية، علينا الا نكتفي بعدم الإستجابة لها، إنما نتصدى لها، ونحبط أعمالها، بدءا بوقاية الذات من التأثر بها، مرورا بتحصين المجتمع ضدها، وإنتهاءً بإدامة تفعيل الطرح الإيماني السديد، وسط الناس.
التطبيق الملتوي للإسلام، أسفر عن إنهيار المجتمع الإسلامي، الذي تحول جراء سوء الفهم وإشتطاطات الإداء، الى إنقطاع صلة الفرد بذاته ومحيطه الإنساني، على حد سواء؛ وبالتالي إنقطع الحوار، بينه والآخر، بالغا حد المصادرة.. بل والعداء، في حين الإسلام يؤكد وجود الآخر، في كثير من نصوص آياته البينات وسيرة الرسول والخلفاء الراشدين والأئمة المعصومين.. عليهم السلام.
أوجدت الرسالة المحمدية، صفات الخير والكرم والصدق والإخلاص وما إليها من سمات راقية، تحقق لياقة وطمأنينة، في التعامل الرفيع، وعلو الجناب (أتكيت) وهي مميزات لا تكتسب الا بتغيير عميق لبنية الشخصية، مثلما أيقظ الحسنات الداثرة ونحى السيئات المعلنة، في الشخصية الإسلامية.
وهو ما منهجه الإسلام، في منظومة عمل، معقدة التفاصيل.. سهلة التطبيق، من قبل المؤمنين؛ لذا حق لفخر الكائنات، ان نستذكره كل لحظة وآن، إبتهاجا بوحي النجاة، الذي تلقاه فإنتشل الإنسانية، من الظلمات الى النور.. “ريح وريحان وطيب مقام” شريطة ان نوجد مشرط إيمان حاد الحافة، لإجتثاث العوالق الإرهابية المتطفلة على جوهر الحضارة الإسلامية التي يواصل المؤمنون الحقيقيون إستعادة عافيتها، بإلتزام المنطق المحمدي المشجع على مواكبة مستجدات الحياة.
ميارك عيد الميلاد النبوي الشريف، وليحتفل به المؤمنون جميعا.. مسلمين وغير مسلمين بإعتباره نبراس هدى لراهن رصين يسير بأقدام متينة واعية آمنة المواطئ، نحو مستقبل أكيد؛ لأن “من يتقي الله يحعل له الله مخرجا”.