18 نوفمبر، 2024 12:26 ص
Search
Close this search box.

الزمان والمكان في رواية “الظلال الطويلة” لـ (أمجد توفيق)

الزمان والمكان في رواية “الظلال الطويلة” لـ (أمجد توفيق)

صدرت مؤخراً الرواية الجديدة للكاتب والروائي العراقي (أمجد توفيق) بعنوان (الظلال الطويلة) بـ (310) صفحة من القطع المتوسطة تصدرتها “مقدمة” على شكل دراسة نقدية كتبها الاستاذ الدكتور الشاعر “خالد علي مصطفى”، وللكاتب ثلاث روايات سابقة هي (برج المطر) ، و (طفولة جبل)، و (الطيور الحرة)، و تجيء (الظلال الطويلة) لتحتل المرتبة الرابعة في اعماله الروائية، علما سبق له ايضا اصدار عدد من المجاميع القصصية منذ بداية السبعينات ولحد الآن وهي على التوالي: الثلج.. الثلج، الجبل الابيض، قلعة تارة، موسيقى الحواس والغرائز، الخطأ الذهبي.من عادتي في قراءة الاعمال الابداعية تجاوز المقدمات والذهاب الى النص الابداعي نفسه، حتى لا أقرأه بتأثير ملاحظات، ايجابية او سلبية، تشير اليها المقدمة وبالتالي تكون ملاحظاتي او قراءتي للنص متأثرة بها ، وقد طبقت هذه القاعدة عند قراءتي لرواية (الظلال الطويلة)، وتمعنت بما كتبه الدكتور (خالد علي مصطفى) بعد انتهائي من قراءة النص الروائي نفسه لاحقا.تسعى (الظلال الطويلة) الى رصد المتغيرات التي حدثت في المجتمع العراقي بعد الاحتلال الامريكي للعراق في 2003 مع تأشير اوضاع وحالات وممارسات كانت موجودة قبل الاحتلال، عبر شخصيات الرواية الاساسية منها او الثانوية .عنوان الرواية (الظلال الطويلة) ذكرني بكتاب لكاتبة كندية متخصصة في الشؤون السياسية والتأريخية اسمها (إيرنا باريس) يحمل نفس العنوان عالجت فيه من منظور فلسفي / اجتماعي/ سياسي، مفهوم الزمن والعلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، كنتُ قد قرأتُ عرضا له في جريدة الدستور الاردنية بتأريخ (14/12/2002). مااريد التأكيد عليه هنا ، ان امجد توفيق لم يستعرْ العنوان من هذا الكتاب الكندي ولا اظن انه قد قرأه او اطلع عليه، لكن المهم عندي هو علاقة السرد بالزمن اذ ان (الرواية) هي ( فن الزمن بامتياز). يقول الروائي الانكليزي الشهير (جورج ارول) صاحب رواية 1984 والتي كتبها في العام 1948: “ان اولئك الذي يسيطرون على الحاضر يسيطرون على الماضي، واولئك الذي يسيطرون على الماضي يسيطرون على المستقبل” ، لذا كان عنصر الزمن عنصرا واضح المكانة والاهمية والتأثير في احداث (الظلال الطويلة) وستتوضح هذه الحقيقة عندما نتحدث عن مستويات السرد/ الحكي في الرواية نفسها لاحقا.لقد اعتمد البناء السردي للرواية على مستويين رئيسين من السرد مثَّلَ الاول شخصية (انتصار) والثاني شخصية (بشار) اضافة الى مستويات ثانوية اخرى مساندة تظهر بين ثنايا النص الروائي بصيغة او اخرى مثل : افراد العصابة وايزابيل الفرنسية في باريس وابو صهيب السياسي والفاسد البخيل بعد 2003 وغيرهم.(الخاتون انتصار) المومس الرخيصة التي كانت تسكن غرفة رثة بائسة في منطقة الميدان في رصافة بغداد قبل 2003 تستثمر الفوضى العارمة في بغداد بعد الاحتلال وتقوم بالسطو على احد المصارف في شارع الرشيد وتحصل على كميات كبيرة من المبالغ المالية (دولارات) لتشتري لاحقا قصرا فخماً في منطقة المنصور وتعتمد على عصابة تتألف من مجرمين سابقين محكومين بالاعدام وتم الافراج عنهم في العفو العام قبل 2003، وكان بعضهم من روادها سابقا لممارسة الجنس معها، ولتصبح سيدة مجتمع وفاعلة خير مع استمرار علاقته بهذه العصابة ورعايتها.اما (بشار) فهو كادر حزبي ودبلوماسي عراقي يعمل في السفارة العراقية في باريس قبل 2003، تعرض الى ضغوط شخصية وحزبية واستخبارية ، داخلية وخارجية، جعلته يعلن انشقاقه عن النظام السابق والتخلي عن وظيفته والعمل مع (المعارضة العراقية في الخارج) والتعاون الاستخباري مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية مقابل ثمن تم دفعه له يتمثل في توفير (عيش كريم) و (حياة امنه) قبل 2003.نجح المؤلف في تشكيل بناء سردي متوازن بين هذه المستويات عن طريق استخدام عناصر السرد والياته عبر كلاسكية  البناء الروائي المعتمد على (العرض، العقدة، النهاية) مع استخدامات ذكية لتقنية (الفلاش باك) خاصة عندما يتأمل كل من (بشار) و (انتصار) ماضيهما ومقارنته مع حاضرهما. كانت هذه الاستدعاءات الذهنية، داخل فصول الرواية، وسيلة ممتازة لكسر الرتابة وتحقيق التنوع والثراء في الحدث الروائي بالاستثمار الامثل لعنصر الزمن.لقد كان هناك تداخلا استطاع المؤلف ان يديره ويستثمره بنجاح بين هذه المستويات من الحكي، ربما كان من ابرز ما يمثل هذا الاشتراك لقاء (انتصار) مع (بشار) في حادثة خطف ابنته (امل) وسجنه في سجون الاحتلال الامريكي بعد زيارته الى بغداد قادما من باريس ، ثم مساهمة (انتصار) بالتوسط لدى الامريكان لاطلاق سراحه. ان هذا التبادل بالمواقع يؤشر نجاح الكاتب في رسم مصائر شخصياته في ضوء تطورات الاحداث وتاثير عنصر الزمن فيها.اما عنصر المكان، فقط كان هو الاخر واضحا اذ ان رواية (الظلال الطويلة) رواية مكانية بامتياز بالرغم من قلة الوصف المكاني فيها، الا ان تأشير المؤلف لأسماء محلات وشوارع ومقاهي بغدادية او فرنسية كان كافيا للاشارة الى هذا الامتياز، مع قناعتي ان الوصفة بشكل عام، (يبطئ من حركة المسار السردي) ، حسب تعبير الدكتور (عبد الملك مرتاض) في كتابه (في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد).اما (اليات السرد) التي استخدمها المؤلف في (الظلال الطويلة) فقد تنوعت، الا انها اعتمدت بشكل رئيس على الية (الراوي العليم) ، علما ان الراوي في مفهوم الدراسات السردية (هو واحد من شخوص القصة غير انه ينتمي الى عالم آخر مغاير للعالم الذي تتحرك فيه شخصياته، وليس هو المؤلف في الرواية او القصة – او صورته، بل هو موقع خيالي ومقالي يصنعه المؤلف داخل النص، وقد يتفق مع موقف المؤلف نفسه وقد يختلف) _ جيرار جنت: خطاب الحكاية، ص:61_اما (اشكال السرد ) فقد ارتبطت حتما بالالية المستخدمة في السرد (الراوي العليم) ، لذا هيمن (ضمير الغائب: هو) على معظم مستويات السرد بتفصيلات كثيرة ، لكن المؤلف نجح مرة اخرى في تنويع هذه الاشكال عبر استخدام (ضمير المتكلم: انا) في الحالات التي كان فيها (بشار) او )انتصار) في لحظات التأمل الذاتي واسترجاع احداث حياتهما، كل على انفراد، فيبرز، ضمير المتكلم كشكل مناسب لاستخدام تقنية الـ (فلاش باك) وتذكر احداث الماضي الخاصة بهما.لغة رواية (الظلال الطويلة) لـ امجد توفيق اتسمت بالبساطة والوضوح الى حد كبير وفي مواقع اخرى تكون لغة اخبارية تقترب من لغة التحقيق الصحفي العميق ، وهذه ميزة تحسب للمؤلف، خاصة عندما نجد الكثير من كتاب القصة او الرواية  يلجئون الى استخدام التهويمات اللغوية العائمة والغامضة بحجة اعطاء الرواية صفات شعرية او اضفاء سمات (صوفية) على لغتها، ومع ذلك لم تخلُ (الظلال الطويلة) من عبارات عائمة خاصة عندما يضطر الراوي/ المؤلف الى اطلاق حِكَم وتعميمات مطلقة ذات بعد فلسفي تنظيري.دراسة استاذي الدكتور (خالد علي مصطفى) عن الرواية كانت وافية، موضوعية، صادقة، ملاحظاته نابعة من اصل النص الروائي وفكرته دون احكام مسبقة ، فيها من الرأي النقدي الصائب الكثير والمفيد. اما اذا تطابقت بعض ملاحظاتي مع ما جاء في تلك الدراسة فهذا سببه ان كلينا عاد الى أصل النص الروائي وقراءته قراءة متأملة بعيدة عن الرأي المسبق سواء عن المؤلف او النص ، بل كانت الملاحظات نابعة من النص نفسه وليس اي شيء اخر.ان امجد توفيق واحد من الاسماء المهمة في السرد العراقي، وانا متابع لانجازه الادبي في مجال القصة والرواية منذ البدايات المبكرة لسبعينات القرن الماضي وأظن انني اول من كتب عن مجموعتيه القصصية (الثلج.. الثلج) و ( الجبل الابيض) في جريدة (الثورة) البغدادية في تلك الفترة.تظل رواية ( الظلال الطويلة) انجازا مضافا لاعمال امجد توفيق الابداعية من حيث موضوعها الجديد المتفرد واسلوبها السردي المكتوب بحرفّية عالية المستوى ولغة متمكنه.وختاماً من المفيد الاشارة ان رواية امجد توفيق (الظلال الطويلة) نشرت متسلسلة اسبوعيا في جريدة الزمان في عامي 2004 و2005، وصدرت طبعتها الاولى عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق 2009

أحدث المقالات