التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية وضرب مواقع داعش الاساسية في المناطق الخاضعة لسيطرته وخاصة في مدينة الرقة السورية ، افرز مستجدات وحقائق جديدة على الساحتين السورية والعراقية ، كما كشف التدخل الروسي اللثام عن نوايا الدول الكبرى ودول الاقليم كل بحسب مصالحه السياسية والامنية وحماية امنه القومي بناء على المعطيات الجديدة.
وصاحب التدخل الروسي حادثة خطيرة من نوعها حينما اسقطت الطائرات التركية طائرة سوخوي روسية وهذا العمل الاستفزازي التركي بحد ذاته كان خطيرا وفريدا من نوعه اذا اخذنا بنظر الاعتبار الدور الروسي في ادارة الصراعات الدولية والقدرة العسكرية الروسية الهائلة وكون تركيا عضوا في حلف الناتو الذي يعد اكبر حلف عسكري على مستوى العالم.
والجانب الاخر من المستجدات هو الانكسارات الكبيرة لداعش الارهابي في سوريا والعراق بفعل تشديد القصف الجوي لقواعده الاساسية في الرقة واطراف الموصل وخاصة الضربات الموجعة التي وجهتها القوة الجوية الروسية للمراكز المهمة وخطوط الامداد للارهابيين التي قلبت جميع الحسابات.
واعلان السعودية عن تشكيل حشد عربي واسلامي من 37 دولة بمساعدة تركيا اقلق المجتمع الدولي بسبب تأثيره المباشر على ارتفاع وتيرة الصراع الطائفي في المنطقة ، كل هذه المستجدات والتطورات السريعة في المنطقة جعلت القوى الكبرى امام خيارين صعبين للغاية اما الاستمرار في التدخل المباشر للحرب عبر تقوية الاحلاف العسكرية في المنطقة واستمرار نزف الدم ، او ايجاد مخرج سياسي لتلك الازمة التي
حصدت ارواح الالاف من الابرياء بالاضافة الى ارغام الملايين من ابناء الشعبين السوري والعراقي على النزوح من مناطقهم والبحث عن مكان آمن حتى انتهاء الازمة.
بتصوري الخيار الثاني كان مقبولا لجميع اطراف الصراع في المنطقة وخاصة بين القوى العظمى المتمثلة بامريكا وحلفائها الاوربيين وروسيا وايران اللذين اصبحا لاعبين اساسيين في الساحتين العراقية والسورية لما لهما من دور كبير في التأثير المباشر على الاوضاع ، هذا التناغم بين الاطراف ارغم مجلس الامن الدولي على الاجتماع واصدار قرار اساسي بشأن حل الازمة السورية لذلك اجتمع المجلس يوم الجمعة 19 كانون الثاني الجاري وبعد مناقشات مستفيضة اصدر القرار الدولي المرقم 2254 كخطة وخارطة طريق لأحلال السلام في سوريا والتي ستؤثر بالتأكيد على الاوضاع في العراق والمنطقة برمتها وحظى القرار بموافقة 15 عضوا في المجلس.
وبعد صدور القرار كانت ردود الافعال الدولية والاقليمية بشأنها ايجابية الا بعض التحفظات البسيطة التي يمكن تجاوزها من خلال تنفيذ القرار فالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون علق على القرار وقال : إن القرار خطوة أساسية لابد من البناء عليها. واضاف أن الأمم المتحدة تركز على دورين أساسيين بعد اجتماعات فيينا عبر وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق سلمي بين المعارضة والنظام.
واكد أن الأمم المتحدة مستعدة للإشراف على مباحثات السلام بين الفرقاء.
اما الموقف الامريكي من القرار جاء على لسان وزير خارجيتها جون كيرى حيث قال بالحرف الواحد : ان قرار مجلس الامن يرسل رسالة واضحة إلى كل الجهات المعنية لوضع حد للحرب والاقتتال في سوريا بعد أربع سنوات ونصف على نشوبها.
واكد كيري السعي من اجل وضع حد للقصف العشوائي وسفك الدماء والمضي قدما نحو تحقيق سلام عادل يحقق مصالح جميع الاطراف السورية.
وأضاف كيري أن باراك أوباما يؤكد دعم الحلفاء في المنطقة وعدم السماح للإرهاب بالتمدد والقضاء على تنظيم داعش الارهابي مشددا على ان مواجهة داعش الارهابي لا يمكن بدون عملية سياسية في سوريا. وهذا بحد ذاته رسالة الى جميع الجماعات الارهابية وخاصة تنظيم داعش الارهابي بأنه لن يكون ضمن الصفقة التوافقية على مستقبل سوريا وان دوره في السيناريو قد انتهى وينبغي لدول المنطقة الدخول في تنفيذ السيناريو الجديد الذي يتمثل بنسف معاهدة سايكس بيكو و رسم خارطة جديدة للمنطقة على اسس قومية وطائفية.
اما روسيا التي قلبت جميع الموازين والحسابات بتدخلها المباشر في الحرب الدائرة في سوريا ، اعلنت عن موقفها بشكل واضح على لسان وزير خارجيتها سركي لافروف الذي اكد ان السوريين هم من يقررون مصيرهم وهذا الموقف دلالة واضحة على ان العيش المشترك بين القوميات والطوائف السورية اصبح من المحال بعد نزف الدم الطائفي والقومي الذي استمر اكثر من اربعة اعوام ولابد ان يأخذ كل طرف حصته من الكعكة السورية المتمثلة هنا بالارض وليس بالاموال.
وأكد لافروف أن الشعب السوري يجب أن يقرر هو مصيره ومستقبله، من دون فرض حل من دول أجنبية. وتابع “السوريون هم من يقررون مصير الرئيس بشار الأسد”.
اما ايران اللاعب الاساسي في الازمتين السورية والعراقية اعربت عن ارتياحها للقرار الاممي على لسان هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام و الشخصية السياسية الايرانية الابرز في تنظير السياسة الايرانية واتخاذ القرارات حيث وصف القرار بالايجابي والمقبول نسبيا شرط ان يتم تنفيذه ، مشيرا الى ان داعش الارهابي لن يكون له أي دور في المفاوضات والفترة الانتقالية.
اضافة الى ماصرح به رفسنجاني اشار وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى وجود خلافات كبيرة بشأن قائمة فصائل المعارضة السورية المؤهلة للمشاركة في المفاوضات مع حكومة الاسد الا انه اكد وبشكل واضح وصريح ، أن الأعضاء الذين يحملون بطاقات العضوية في تنظيم القاعدة لا يستوفون الشروط التي وضعت لأعضاء المعارضة في فيينا”.
هذا الامر المهم يؤكد ان مع دخول قرار مجلس الامن الدولي حيز التنفيذ سيضع جميع الجماعات الارهابية بكل مسمياتها في زاوية ضيقة تدريجيا ، بحيث يصعب عليها البقاء في سوريا و ربما ستنقل قياداتها وقواعدها الى القارة الافريقية الحاضنة الاخرى للجماعات الارهابية وخاصة في ليبيا والصومال اللتين تشهدان نشاطا ارهابيا واسعاً.
السعودية التي تعد احد الاطراف الرئيسة في الصراع السوري والازمة العراقية اعلنت عن موقفها على لسان وزير خارجيتها بالقبول المشروط وهو عدم وجود دور لبشار الاسد في مستقبل سوريا حيث قال وزير الخارجية السعودي عادل بن احمد الجبير: أن موقف المملكة تجاه الأزمة في سوريا وتجاه بشار الأسد بالتحديد لن يتغير مضيفا نعتقد إن الحل الأفضل في سوريا هو حل سياسي مبني على مبادئ تفاهم (جنيف
1) الذي يدعو إلى تأسيس سلطة انتقالية من النظام والمعارضة تقوم بإدارة شؤون البلاد وتحضير البلاد لانتخابات جديدة ووضع دستور جديد وتنحي بشار الأسد لكي يكون لسوريا مستقبل جديد من دون أي دور لبشار الأسد.
هذ الموقف السعودي يدل بوضوح على ان السعودية ايضا مع قبول القرار الاممي الجديد ولكن بشرط ان لاتفقد الرياض ثقلها ودورها في الازمة السورية التي دفعت ثمنا باهظا لها ، اما موقف مصر التي تعد من اللاعبين الاساسيين ايضا نظرا لمكانتها العربية والاسلامية وامكانياتها وقدراتها الاقليمية كان ايضا داعما للقرار الاممي وقريباً من الموقف السعودي والذي عبر عنه وزير خارجيتها سامح شكري الذي اكد دعم القاهرة لحل سلمي للازمة السورية وانهاء نزف الدم الذي استمر اكثر من اربع سنوات.
بناء على تلك المواقف للدول التي لها دور اساس في الازمة السورية والعراقية اصبح واضحا ان الازمة السورية في طريقها للحل ولكن ليست بالطريقة الكلاسيكية بل برسم خارطة جديدة لسوريا والعراق و وضع حد لنشاطات التنظيمات الارهابية التي باتت تهدد السلم والامن العالميين.