23 ديسمبر، 2024 11:42 ص

والنفسُ إنْ سقطتْ تديمُ تدهورا

والنفسُ إنْ سقطتْ تديمُ تدهورا

هذا الطوفان الهائل من الخراب الشامل الذي طال كل مفاصل بنية الدولة العراقية، وهذه اللوثة التي اتت على كل شيء جميل في حياة العراقيين، وشوهت اكثر النفوس الضعيفة وافقدتها توازنها، وهذا الفساد الاداري والمالي الذي استشرى كداء فتاك ما كانت هذه الفجائع لتبلغ هذه الفضاعة وتشغل كل هذه المساحة وتستغرق كل هذا الوقت لولا الارضية الخصبة التي هيأتها ومهدتها السلطة السابقة واعدتها لتكون
حاضنة لتداعيات سقوطها.
“إْن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا احرارا في دنياكم وعودوا الى احسابكم وانسابكم واصولكم وتأريخكم”:
* اقولها لكل من ركب موجة الانفلات واستمرأ صديدها وراقته فوضاها حتى جرفته طائعا مختارا فأرعته شر المراعي الوبيلة وأوردته مستوبئات الشرائع ومستنقعات الرذائل، فألفها واستأنس بها لدرجة أنسته: ان للخطايا حدود، وإن للتمرد أصول، وان للاستهتار قواعد، وان للتجاوز والعدوان مديات! حتى اللصوص وقطاع الطرق لهم ضوابط يلتزمون بها وحتى المافيات لها قوانينها!.
* اقولها لكل من فرح بسقوط الدكتاتورية، واستهجن وشجب تداعيات سقوطها من اعمال نهب وسلب وتخريب،واستنكر ورفض جميع تلك الاعمال لكنه سرعان ما انقلب على عقبيه واخذ يخرب من موقعه وحسب طريقته واسلوبه وكأنه ندم على عدم مشاركته في ذلك “الفرهود” المشين.
* اقولها لواضعي العصي في عجلة التغيير بلا استثناء.
* اقولها لمؤسسي الجمعيات الوهمية والوظائف الوهمية والمتقاضين الرواتب من عدة جهات.
* اقولها لمزوري الشهادات العلمية ليشغلوا وظائف ليست من حقهم.
* اقولها لمهربي ثروات العراق وذاكرته الحضارية وهادري ثرواته الاقتصادية من اجل منافع وقتية زائلة.
* اقولها لبعض المعلمين والمعلمات والمدرسين والمدرسات الذين يتاجرون بشرف المهنة ويخونون الامانة فيبيعون الاسئلة الامتحانية او يضعون الدرجات حسب المدفوع “الخمسين بخمسين والستين بستين…. وهكذا”.
* اقولها لبعض الاطباء والممرضين الذين يدفعون المرضى المعوزين لشراء المسلتزمات الطبية حتى الضماد من خارج المستشفى بعد ما يتقاسمون الادوية والمستلزمات المخصصة ليعمروا بها عياداتهم.
* اقولها لبعض المقاولين الجشعين المخربين الذين يتقاسمون تنفيذ الاعمال فلا ينجزون الا ربعها “غشا” ثم يفرون تاركين المشروع خرابا لا يستطيع اكماله احد من بعدهم.
* اقولها لبعض الموفدين لغرض عقد صفقات دولية : صناعية، عسكرية، خدمية، دوائية، انتاجية، غذائية… فيختارون الاردأ ليستفيدوا من فروقات “الرِشا”.
* اقولها للجان التعيينات في الوزارات “صحيح ان الاقربين اولى بالمعروف ولكن الانصاف يدعوكم ان تجعلوها مناصفة مع اخوانكم قليلي (العمّات والخالات) وعديمي دفاتر الدولارات”.
* اقولها لبعض وكلاء البطاقة التموينية.. للمتاجرين بقوت الفقراء والذين يبيعونه او يستبدلونه بنوعيات أردأ.
* اقولها للمقصرين في قطاعات الكهرباء والخدمات والنقل والامن والتجارة والصناعة والزراعة والاتصالات والاعلام وفي كل الوزارات والمؤسسات والمديريات والمنشآت وعلى كافة المستويات.
* اقولها للجان التفتيش التي تجامل او تغض النظر او تتواطأ او تتساهل او تتجاهل او تحابي.
* اقولها لكل من يعرقل معاملات المواطنين “بغية الحصول على الاتاوات والرشا”.
* اقولها لكل من يتساهل في تفتيش الوافدين على نقاط الحدود والذين يدخلون الموت والدمار الى العراق لقاء ثمن بخس من السحت الحرام.
* اقولها لكل من يستاهلها بجدارة.
“انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوماً جهولا”.
“كونوا احرارا في دنياكم”: قالها ابو الشهداء الحسين لعصابة باغية باعت نفسها للشيطان، اخلّت بقوانين القتال، وشوهت اخلاق الفرسان.
فماذا سيقول لمن اخلّ بكل الاعراف والتقاليد والقيم والنواميس، وكفر بكل المقدسات والمباديء وخان الامانة وغش وطنه وناسه.

الجسمُ إنْ يسقطْ يقفْ بنهايةٍ
والنفسُ إنْ سقطتْ تديمُ تدهورا