19 ديسمبر، 2024 11:55 ص

قراءة في مضامين رواية “الظلال الطويلة “للكاتب والروائي الاستاذ أمجد توفيق

قراءة في مضامين رواية “الظلال الطويلة “للكاتب والروائي الاستاذ أمجد توفيق

رواية “الظلال الطويلة” ، للكاتب والروائي المبدع الأستاذ أمجد توفيق ، إطلالة جديدة على الخريطة الأدبية التي شهدت بعض حالات الفتور،بسبب مخلفات ماحل بالعراق منذ الاحتلال الامريكي عام 2003 حتى وقتنا الحاضر، بعد إن تراجع الانتاج الأدبي كثيرا واختفت معالم البناء الثقافي والمعرفي المبدع ، ليدخل المثقفون في مرحلة السبات والترقب لما حل بالمشهد العراقي من محن وتراجع في منظومة القيم وتدهور لأحوال الدولة والمجتمع .
وما أردت تسجيله هنا عن هذه الرواية هي ملاحظات تتعلق بتقييم الجانب النفسي والاجتماعي من منظور إعلامي لشخوص مرحلة مهمة من تأريخ العراق من الاحتلال الأمريكي ، ولن أخوض غمار تقييمها من حيث البناء الفني والبنيوي للرواية ، لأن هذا ليس من إختصاصي ..وتتلخص ملاحظاتي بشأن تلك الرواية كالآتي:
·       ان رواية ” الظلال الطويلة ” بأحداثها وشخوصها وانتقالاتها وتوجهاتها ، كانت الرواية الأولى التي كتبت خلال فترة الاحتلال ، وظهرت الان بهذا الشكل الفني الساخر الجميل ، ما تعد باكورة عمل لها قصب السبق في الظهور على الساحة الأدبية ينبغي أن يشار لها بالبنان .
·       الرواية تشكل إدانة كبيرة لمنظومة القيم التي رافقتها انحدارات متسارعة في السلوك ، خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق، وصعود أناس مغمورين وحتى ساقطين، ليكونوا هم في الواجهة ، يتصدرون المشهد العراقي، وبعضهم نساء يمارسن البغاء وقد شاركن في نهب أموال العراق ومصارفه، واذا بالاقدار تدخلهن الأضواء من أوسع أبوابها.
·       اللافت للتمعن في هذه الرواية انه حتى من كان ينظر اليهم على انهم من أصحاب السوابق ومن خدموا في حانات البغاء ، فقد أظهروا في المقابل بقايا قيم حفظها المجتمع العراقي بين جنباته ، كونهم عدوا الرجولة أنها لاتعني التخلي كليا عن قيمهم التي تعارف عليها العراقيون، وظهرت بين ثنايا كثير من الوضيعين من ثأر لممارسات لايرتضيها من الاحتلال، وراح البعض يثأر لأبناء جلدته غيرة وشهامة ليواجه الامريكان بطرق وحيل مختلفة وان كانت لاتدخل في باب المقاومة لكنها إستطاعت انقاذ أرواح آخرين ممن يندرجون تحت ضمن قافلته ، والحقوا بالامريكان خسائر فادحة ، وبدا آخرون على وضاعتهم وتدني سلوكهم أكثر كرما من الاغنياء على بني جلدتهم ، ممن تركوا شعبهم يلعق جراحه ، وتنحدر مستويات العيش الى الدرجات السفلى.
·       الرواية تنغمس في سرد حالات ومشاهد الرعب التي عاناها العراقيون في فترة الاحتلال وبخاصة في العاصمة بغداد ، وتذكر بأن مواقف (البعض) ممن دخلوا في خانة (المعارضة) ، إرتضوا ان يكونوا خدما للامريكان ينفذون ما يطلبون منهم من تقديم خدمات للمحتلين، مقابل ان يكون للبعض منهم (مكانة) أو( وجاهة ) حتى وان كانت ( وضيعة ) ووجد فيها (البعض) ضالته ليصعد رصيده في المشهد السياسي ويحصل على ( مكاسب ) لم يكن يحلم بها من قبل.
·       رواية ” الظلال الطويلة ” إستطاع من خلالها الكاتب المبدع الأستاذ أمجد توفيق أن يمزج فبها بين الواقع والخيال في مشاهد دراماتيكية مثيرة بإسلوب ساخر ، مثلت حالة ( التوازن ) في بنائها ما يشجع المتتبع لقراءة مشاهد فصولها الواحد بعد الآخر،وكانت الرواية تمثل سجلا لفصل تراجيدي من فترات الاحتلال الامريكي، لم تدخل مرحلة السرد التأريخي بقدر اعتمادها الإسلوب القصصي المثير للمشاهد التي تضمنتها الرواية لتأشير ملامح مرحلة مهمة للعراق، ليس من باب استعراض المشاهد تأريخيا ، لكنها إتخذت إسلوب السرد الدراماتيكي الممتع بلغة غاية في السخرية والتعبير البلاغي القصصي لنوع مهم من فنون الأدب وهو الرواية لتكون شاهدا للاجيال عما وصل اليه تدهور منظومة القيم ، يوم شاعت مظاهر النهب والسلب لثروات ومعالم بلدهم ، وكيف سقطت الدولة وانهارت بغداد ، واختفت فيها معالم الحياة، وراحت عصابات الجريمة تتحكم في رقاب العباد، واصبح لها الكلمة الفصل في العهد الجديد في ظل الاحتلال الغاشم.
·       لانريد ان نستعرض ملامح شخوص الرواية لنترك للقراء مهمة الاطلاع على مجريات احداثها، وكان تناولنا لها من جانب نفسي اجتماعي أكثر من تقييم أدبي فني، إذ ليس لدينا الخبرة العملية في ولوج ميدان كهذا ، وكان للروائي جملة أهداف أراد ترسيخها في الذاكرة العراقية لمرحلة من اكثر مراحل العراق سوداوية وحلكة ظلاما ، ومع كل هذا التدهور فقد بقيت حتى بين ثنايا الساقطين وأصحاب السوابق بقايا قيم وبقايا نخوة عراقية عندما يتطلب من الرجال ان يستحضروا شجاعتهم ليتخذوا الموقف الذي يمليه عليه ضميرهم ، بما يرفع عن شعبهم كل ما تعرضوا له من إذلال ومهانة في ظل حكمهم ، ولو حفظ ( البعض ) من ساسة هذا الزمان بعض أخلاق رجال أصحاب السوابق وممن امتهنوا تجارة علب الليل لكان العراقيون قد ذكروهم ببعض ما يمكن ان يحفظوه لهم من بقايا ضمير ، قد ينقلب لصالح الأهل والشعب والوطن والبلاد، لكن أمل الكثير من العراقيين قد خاب في هؤلاء الساسة ، حتى تدحرجت القيم الى أدنى مراحل الانحطاط والسلوك المنحدر، وهو ماتحاول الرواية بين ثناياها ايصاله للمتتبع لأحداث شخوصها ، ما يشكل موقفا رجوليا يشهد له الكثيرون بأن من ولج أبواب مشاهد تلك الرواية قد دخل في تصوير تلك المشاهد الواقعية ليمزجها بخياله الرحب، حتى يمكن اعتبارها شاهدا تأريخيا مهما على مرحلة عصيبة من تأريخ العراق، يذكرها العراقيون بالمرارة الألم، وهو ما يمكن تلمسه بين ثنايا هذه الرواية الرائعة ، الظلال الطويلة، والتي أبدع الروائي الأستاذ أمجد توفيق في عرض مشاهد مرحلة تاريخية مهمة من حقب العراق المظلمة..فهل يحفظ سياسيونا بقايا قيم مجتمعهم ياترى..؟هذا ما ينتظر أن تجيب عليه المشاهد المقبلة من رواية أخرى، في مرحلة أخرى ينتظرها العراقيون بفارغ الصبر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات