تحدثنا السيدة مديحة الربيعي عن سياسة إدارة الأزمات الراهنة، وعن طريقة إذلال العراقيين النابهين في وزارة التعليم العالي التي أصبحت اسماً بلا مسمى ومنذ سنين عديدة، وتذكر لنا نظاماً جديداً أصبح معروفاً اليوم، يعمل به حملة الشهادات العليا العراقيين مأجورين لمدة خمس أو ست سنين تفقد بها الكفاءة العراقية علومها أولاً، ثم عرضها وشرفها ثانياً. ولا بد هنا من أن نعود سنين إلى الوراء لنروي هذه الحادثة التي غيرت دفة التعليم العالي في العراق في أتعس السنين التي مرت على العراقيين والحرب العراقية الإيرانية قائمة. ففي أحد الأيام كان العراقيون يسمعون من إذاعة إيران الشريط اليومي المعروف عن الأسرى، وجاء فيه قول أحدهم يعرف بنفسه إني الاسير العراقي الدكتور فلان الفلاني من كذا، إلخ. هنا استدرك صاحب البرنامج وسأل الأسير: هل أنت دكتور حقاً؟ فأجاب بأنه دكتور في الزراعة وأستاذ في جامعة الموصل. سأله: ألا تستحي وأنت الأستاذ والدكتور أن تحمل سلاحك وتقتل به أبناء الجمهورية الإسلامية؟ قال الرجل: لست الوحيد في ذلك، يوجد معي العشرات من الأساتذة الجامعيين بمختلف المراتب. وفي حينها أثار هذا الحديث ضجة في صفوف الفقراء أولاً، وتناقلته وكالات الأنباء. وبعد أيام قليلة أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً يقضي بأن حملة الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراه لا يخدمون في الجيش غير ستة أشهر فقط. هذا الأمر يعرفه السيد الوزير الشهرستاني حق المعرفة، ويتذكره جيداً ولا ينساه. طبعاً لم يكن صدام حسين خائفاً من حملة الشهادات العليا وهو الذي لا يخاف من كل أركان حربه، ولم يكن يرأف بحال هؤلاء المساكين المجندين وهو الذي لا تأخذه رأفة حتى بأعمامه وأخواله، لكنه بالتأكيد فهم بأن الكفاءات العليا هي الاستثمار الوحيد الذي يعتمد عليه فيما بعد للحفاظ على سلطته وهيبته، وهما سلطة عراقية وهيبة عراقية من دون شك. وعرف أيضاً أن الجيوش مهما كبرت لا تساوي شيئاً أمام قدرة العلماء لأنهم الذخيرة الحية التي يعتمد عليها هو وسلالته فيما بعد، وكان السؤال الذي يلح عليه كما يلح على كل الدكتاتوريين في العالم، هل أملك علماء عراقيين حقيقيين أم لا أملك.
هذا ما سيكتبه التأريخ عن القائمين على التعليم العالي في العراق، أمس واليوم وغداً.