ها نحن على بعد أيام من انعقاد مؤتمر “جنيف 3 “، والواضح أنّ هذا المؤتمر أنّ عقد لن يتمكن من تحقيق أي إنجازات فهناك العديد من الصعوبات والمعوقات المتمثلة بـ”المعارضة” وداعميها وتمسكهم بالشروط نفسها التي أفشلت المؤتمرات السابقة، وقد كان مؤتمر “جنيف 2” الذي عقد بالعام قبل الماضي شاهداً على مهزلة سياسية وأخلاقية، حيث اتضح أنّ المطلوب، من وجهة نظر المعارضة الخارجية الممثلة بما يسمى الائتلاف حينها هو تسليمها السلطة،ومن هنا يبدو واضحآ ان استعراض مجموع اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت، في هذا الإطار الخاص بانهاء الحرب على سورية ، نجد أنّ كلّ ما قامت به هو إشباع الإعلام بالصور النادرة عن نجاحات الدول الوسيطة في التفاوض وعن فرص للتقدم المأمول، مع أنّ تلك الدول جميعها تدرك أنّ الوصول إلى نتائج فعلية ليس ممكناً في هذه المرحلة، وفي حال التوصل إلى حلّ ما فإنه سيكون مرحلياً، أو خطوة في طريق طويل صعب ومعقد، ستبقي سورية في معمودية النار حتى وقت غير محدّد.
وقد تعلمنا من التاريخ دروساً بأنّ أزمات دولية – إقليمية – محلية مركبة الأهداف، كالحرب التي تدار حالياً ضدّ سورية، لا يمكن الوصول إلى نتائج نهائية لها بسهولة، لأنها كرة نار متدحرجة قد تتحول في أي وقت إلى انفجار إقليمي، وحينها لا يمكن ضبط تدحرجها أو على الأقلّ التحكم بمسارها، فالحلول والتسويات تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والردّ قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنية إلى قناعة شاملة بضرورة وقف الحرب، وفي هذه الحال، لا يمكن التوصل إلى حلّ في المدى المنظور، ما لم تنضج ظروف التسويات الإقليمية والدولية.
واليوم وكما تحدثنا ومع قرب انطلاق مسار الحلول الغامضة وحتى الآن بجولتها الثالثة بـ”جنيف “والخاصة بالوصول إلى حلّ سياسي للحرب المفروضة على الدولة السورية ، استكمالاً لمجموعة لقاءات ومؤتمرات ومنتديات واجتماعات ، مروراً بمبادرات دي ميستورا وغيره، يبدو واضحاً في هذه المرحلة أنّ مسار الحلول “السياسية” ما زال مغلقاً حتى الآن، وخصوصاً أنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها تجاه سورية بدأت تفرض واقعاً جديداً، فلم يعد هناك مجال للحديث عن الحلول السياسية، فما يجري الآن ما هو إلا حرب مستمرة وباشكال مختلفة على الدولة السورية، فاليوم من يقرأ طبيعة وتشكيلة وفد ما يسمى بمؤتمر الرياض ،الذي سيفاوض الدولة السورية كما هو مرسوم له سيدرك جيدآ أن واشنطن وحلفاؤها مازالوا ولليوم يمارسون نفس المنهجية والاستراتيجية بحربهم على سورية، ومن هنا سيلاحظ معظم المتابعين وبوضوح أنّ التعويل على الحلّ السياسي في سورية، في هذه المرحلة تحديداً، فاشل بكلّ المقاييس، لأنّ الرهان اليوم هو على الميدان فقط.
واليوم عندما نتحدث أن لارهان الا على الميدان ، لا ننا ندرك أن الدولة السورية مازالت قادرة على أن تبرهن للجميع أنها قادرة على الصمود، والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والانتصارات التي يقدمها الجيش العربي السوري بعقيدته الوطنية والقومية الجامعة، والتي انعكست مؤخراً بظهور حالة واسعة من التشرذم لما يسمى بميليشيات المنظمات المسلحة العابرة للقارات، إنّ حالة التشرذم داخل هذه المجاميع المسلحة، يقابلها حالة صمود وصعود لقوة الجيش العربي السوري في الميدان، واستمرارّ هذا الصعود من شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية إلى إسقاط سورية بكلّ الوسائل والسبل.
وبالعودة إلى مسارات الحلول السياسية ، سنقرأ من دروس التاريخ تجربة مؤتمر “جنيف 2″، بفصوله كاملة، فقد كان هذا المؤتمر شاهداً على طريقة تعامل الأمم المتحدة والموفدين الدوليين من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي إلى استيفان دي ميستورا مع مسارات الحرب على الدولة السورية، ولقد كان “جنيف 2” امتحاناً لمؤسسة الأمم المتحدة، والدول الداعمة للإرهاب على أرض سورية لكشف نواياهم الحقيقية وأهدافهم من عقد هذه المؤتمرات بفصولها المختلفة،وتدرك تلك الدول أنّ أي تسوية فعلية للأزمة السورية يجب أن تعكس أولاً تفاهماتها على مجموعة من الملفات، وبعد وصولها إلى تسويات حقيقية، عندها يتم الحديث عن إمكانية وضع حلّ للحرب على الدولة السورية.
واليوم وبعد مايقارب العامين من عقد مؤتمر ” جنيف 2″ ومع الاستعدادات الجارية لعقد “جنيف 3” ،من الواضح أنّ جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من تدهور الوضع في سورية وتدهور أمن المنطقة ككلّ، وهذا ما تعيه الدولة السورية،فمجموعات القتل المتنقلة في سورية ما زالت تمارس علانية القتل والتخريب التدمير، ولدى المنظمات الدولية، بما فيها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، أدلة كثيرة وموثقة على عمليات القتل والتعذيب والتخريب التي تقوم بها العصابات الإرهابية، ومن هنا نقرأ أنّ تشعب الملفات الإقليمية والدولية، وتداخل جهود الحلّ، سيعقد مسار الحلول لحرب لا تزال تدور في فلك الصراع الإقليمي والدولي.
ولهذا لا يمكن اليوم ابدآ التعويل على مسار الحلول السياسية للحرب على سورية ،لان مصيرها الفشل ،ولابديل اليوم عن استمرار انتفاضة الجيش العربي السوري في وجه كلّ البؤر المسلحة في العاصمة دمشق وريفها الشرقي والغربي خصوصاً، وفي جنوب سورية درعا والقنيطرة وببعض ارياف حماه وحمص وبالشمال والشمال الغربي بريف اللاذقية الشمالي وبحلب وإدلب واريافهما وبشمال شرق وشرق سورية بدير الزور والرقة وبعض ارياف الحسكة، وو ..الخ .. ، فهذه الانتفاضة والانجارات المستمرة هي من ستشكل وشكلت حالة واسعة من الإحباط والتذمر عند الشركاء في هذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، ما سيخلط أوراقهم وحساباتهم لحجم المعركة من جديد، واليوم الدولة السورية ، وبكلّ أركانها،تعمل على تمتين الجبهة الداخلية أكثر وأكثر، حتى وإن كان ذلك على حساب تنازلات مجتمعية تتمثل بـ”مصالحات وطنية كبرى” وعقلانية تقوم بها الدولة السورية، للتخفيف من وطأة هذه الحرب ، فالدولة السورية استطاعت بناء تحالفات جديدة مع قوى مجتمعية سورية كبرى في الداخل السوري، من خلال تنازلات عقلانية ومهيكلة تقدم لهذه القوى،فحكمة تعاطي الدولة السورية مع مجموع ملفات الداخل السوري تؤكد وبلا شك ان الدولة السورية قد قطعت شوطاً كبيراً في مشروع الانتصار الأكبر على حلف دولي كان وما زال يطمح إلى إسقاطها.
ختاماً، من كلّ ما تقدم نستنتج أنّ جميع المؤتمرات لا يمكن التعويل عليها، كنافذة للخروج من تداعيات الحرب على سورية، ولابديل اليوم عن الاستمرار بالحسم العسكري لتطهير ارض سورية من آفة الإرهاب ، وعند القضاء على اخر ارهابي في سورية عندها ستكون سورية جاهزة لاعلان حلول وقت الحلول ،وعندها اعتقد أن مؤتمر دمشق “1” ،سيكون هو الحل الوحيد والمكان الوحيد لانجاز حل سياسي داخلي سوري يجمع عليه معظم السوريين .