“أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ” ظهر نفاقكم، واجتمعت قلوب الحقد مظهرة ضغائنها، لم يطلب في لحظاته الأخيرة، سوى دواة وقلم، فاتهمتموه بالهجر، وهو “مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى”، إختار لكم الحوض، واخترتم لأنفسكم ناراً وقودها الناس والحجارة، و”انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ” لتغيير شريعة السماء، فاستبدلتم “الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْر”.
” اقْرَأْ” كانت فجراً صادقاً، وخطاً فاصلاً بين ما وجدتم عليه آباءكم، وبين خير الدنيا والآخرة، حين شاء عز وجل أن ترسل السماءَ عليكم “مِدْرَارًا”، صادقاً أميناً بينكم.
جاءت “أَنْذِرْ” لتنقل الدعوة من خفاءها إلى نورها، ولتحيا قلوب طال إنتظارها وشوقها لرحمة السماء، ولتعش إنسانية أضاعتها دروب العبودية في ظلماتها، فثارت ثائرة الكفر بما سمعت ورأت، فكان منها قتل وتعذيب وحصار دام ثلاث سنين، رافقته مقاطعة إقتصادية وإجتماعية في مكة، أطهر بقاع الأرض، فكان نداءه عليه السلام “صبراً”، “إن موعدكم الجنة”.
دولة الإسلام بدأت معالمها بالظهور حين هاجر الرسول الأكرم وأصحابه من مكة إلى المدينة، لتصبح المدينة المنورة منطلقاً لدولة مدنية شريعتها الإسلام، الذي بدأت معالمه تبدو جلية للعيان حين تهيأت له الظروف ليكون دستوراً نافذاً بعدالته وإنصافه.
“يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ” قد أيقظت حقداً دفيناً لابن أبي طالب، لم تزل ناره مستعرةً إلى يومنا هذا، السماء إختارت خليفتها في الأرض، لكن من في الأرض رفض إختيارها، وذهب بالأمة نحو
شورىً إحتال بها لمصالحه الشخصية، وأزاح بها الإيمان كله، لتسود قوانين الأرض على قوانين السماء، ولتسن منذ سقيفة ذاك اليوم، سُنة السوء التي أحالت نور أمة محمد عليه وآله أفضل الصلوات إلى ظلمة إلى يومنا هذا.
“أَوْ قُتِلَ” مسموماً، كما تحدثنا بعض الروايات، تبقى أمته تأن من ويلات تشتتها وإنقسامها، وتتألم من تاريخ لم ينصف كتابه حين كتابته، إفترق على إثره الإسلام فرقاً متباعدة متباغضة، كلاً ينهج بنهجه الخاص، غاضين أبصارهم عن منبع الحق الذي مازال يجري إلى قيام الساعة.
أرسلتك السماء رحمةً للأرض، وحين غاب نورك، شقت علينا الحياة، وتاهت بنا السبل، فوجدناه سبحانه جل وعلا قائلاً “وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ”، فأرسلناك للسماء طلباً للرحمة.