أربعة أيام أخرى ويكمل مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية كبرئيل موشي كورية عامين كاملين في الاعتقال لدى النظام بتهمة الإرهاب!!! هذه التهمة التي عزف عليها النظام معزوفته المملة طويلاً منذ إطلالة عصر الثورة السورية، كذريعة قانونية لترهيب وإسكات معارضيه وزجهم في السجون أو تغييبهم نهائياً. لقد تجاوز النظام بذلك تهمة توهين نفسية الأمة التي درج عليها طوال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد عندما كانت المنتديات وإعلان دمشق ينادون بالتغيير الديمقراطي السلمي التدرجي، وزج وفقاً لهذه التهمة في المعتقلات الكثير من الوطنيين الذين باتوا رموزاً هامة للمعارضة السياسية السورية. فلم تكن لديه حينها أية ذريعة لتوصيفات أخرى حتى باتت تهمة توهين نفسية الأمة للمعارضين السياسيين مدعاة للسخرية والتهكم، لينتقل بعدها، ومع أول حراك سلمي معارض في أواسط آذار 2011 على إيقاع ماعرف بالربيع العربي، إلى تعبير المندسين كتمهيد أولي للانتقال إلى مصطلح “المجموعات الإرهابية” التي كان للنظام نفسه الدور الأساس في تأسيسها وإفساح المجال لتوسعها لتكون لديه الحجة القانونية في ضرب الثورة السورية. وقد نجح النظام بذلك نجاحاً باهراً بعد أن انساقت بعض الدول الإقليمية في هذا الاتجاه وساهمت في عسكرة الثورة لأهداف ومصالح خاصة بها أبعدت الثورة عن الأهداف التي قامت من أجلها، وسهلت للنظام دفع الثورة بالاتجاه الذي ابتغاه. فابتعد المناضلون المدنيون عن التأثير المباشر ليحتل مكانهم المسلحون من مختلف الجنسيات والاتجاهات والمشارب والتطلعات، من أقصى التطرف والإرهاب الديني إلى أقصى التماهي مع النظام وسياساته الطائفية. وهنا لم يعد مكان لسوريا وللسوريين في التعبير عن ذاتهم ومصلحتهم، بينما بات الغرباء يحتلون البلد ويتحكمون بمصيره.
إزاء هذا الواقع المستجد كانت ما تزال بعض المجموعات والشخصيات الوطنية تنشط في الداخل السوري لتعبر عن ضمير الوطن وهي ترفع راية الدعوة للحرية والكرامة الوطنية، والمجتمع الديمقراطي التعددي، بعيداً عن العنف والقتل والتدمير. لكن صدر النظام الرحب الذي فرَّخ ونشر المجموعات الإرهابية في كل مكان ليدعي محاربتها، كان صدره ذاك أضيق من أن يتسع لتلك الشخصيات السياسية الوطنية لأنه استشعر بأن خطرها أكبر بكثير عليه من خطر الإرهابيين. فمن السهل إقناع العالم (وهذا ماحصل فعلاً) بمحاربة الإرهاب الذي هو خطر على الجميع، بينما يشكل هؤلاء الوطنيون الشرفاء المتسلحون بالكلمة والروح الوطنية الخالصة، البديل الحقيقي لنظام ظلت سياسة القتل والتدمير والاعتقال منهجه المفضل للحكم وإخضاع الناس. ولهذا رأيناه كيف اعتقل مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية. هذه المنظمة التي تمثل التعبير السياسي عن المكون السرياني الآشوري المسيحي والأصيل في سوريا، والذي لايمكن ولا يقبل بأي حال أن يكون مناصراً للإرهاب والتطرف بأي شكل من الأشكال، لأنه أكثر الناس تضرراً منه. ومع ذلك لقد لوحق قياديوه من قبل النظام أكثر من مرة وأودعوا رهن الاعتقال وما زالوا.
لم يقتصر هذا الأمر على كبرئيل موشي كوريه وقياديي المنظمة الآخرين وإنما طال قياديين آخرين من المعارضة التي ينظر إليها باعتبارها قريبة من النظام وتتصف بالاعتدال المبالغ به من وجهة نظر مجموعات المعارضة الأخرى، أمثال عبد العزيز الخير ورجاء الناصر من هيئة التنسيق وآخرين كثر يعدون بالآلاف ممن لايعرف مصيرهم رغم مرور سنوات على اعتقالهم.
وإذا صدق زهران علوش بأن لاعلاقة له أو لأنصاره في اختطاف رزان زيتونة ورفاقها من المناضلين الحقوقيين، لن يبقَ أمامنا سوى أعوان النظام وأدواته في القيام بهذا الفعل الشنيع لتسويد صورة المعارضة المسلحة بعد تسليح حركتها المدنية السلمية. وهذه ستكون إضافة مميزة إلى سجل النظام وجرائمه بحق السوريين والحراك الثوري المدني.
ومن المثير للسخرية أن رأس النظام وفي مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز قبل أيام قليلة ورغم كل ما أوردناه (وهذا غيض من فيض) يتنكر لوقائع يعرفها حتى الأطفال في معرض إجابته على سؤال مراسلة الصحيفة حول اعتقال معارضين سياسيين. والذي نشرته وكالة سانا الرسمية. فقد كان سؤال المراسلة:
“لكن.. هل تدركون أن بعض قادة المعارضة.. وأنا أتحدث عن شخصيات في المعارضة تعارض حمل السلاح وما إلى ذلك.. يخشون القدوم إلى سورية لأنهم حالما يصلون إلى سورية سيتم اعتقالهم من قبل رجال الأمن ويؤخذون إلى السجن.. وقد حدث هذا لآخرين…”
فكان جواب بشار الأسد..
“لا.. هذا لم يحدث أبدا.. هناك معارضة في سورية.. وهم أحرار في أن يفعلوا ما يشاؤون.”
الغريب أن هذا الرجل، وبعد كل ماحصل بسببه وعلى يديه لسوريا وأهلها، مازال يتوهم بأنه بنى واحة للحرية والديمقراطية، في بلد ينعم بالأمن والسلام والرخاء!!! وفي هذه الحالة لابد أن يكون واهم كبير يعيش أحلام اليقظة التي يتخيلها وحده.
وإن لم يكن الأمر كذلك لابد أن يكون مصاباً بالانفصام الشديد عن الواقع ولا يدري مايدور حوله.
وفي الحالتين سيكون أفضل مايفعله هو أن يرحل بأسرع مايمكن ليتمكن السوريون من البحث عن سبيل يخرجهم من هذا الجحيم الذي أغرقهم فيه من يدعي الدفاع عنهم.
طوال مايقارب الخمسة عقود سمعنا كثيراً عن الحرية ورأينا هذه المفردة تتراقص في شعارات ورايات الاستبداد. وتنام وتستيقظ مع أجهزة إعلامه التي لاتنام. في حين كان الأحرار الشرفاء دائماً ومازالوا بعشرات الآلاف، نزلاء سجون النظام وغياهب معتقلاته سيئة الصيت.
الحرية ستبقى خارج الجدران لأنها أعظم من أن يحجز عليها. لكن المناضلين الأحرار هم من يمنحوها هذا المعنى النبيل بتضحياتهم داخل تلك الجدران حتى تتهدم منصاعة.