(لا يمكن وجود صحف حقيقية بدون ديمقراطية ولا يمكن وجود ديمقراطية بدون صحف) هذا ما قاله الكاتب السياسي الفرنسي اليكسس توكفيل قبل اكثر من 200 سنة , وعن هذا الامر قالت الاعلامية الشهيرة ديبرا بوتر (انه عرض بسيط اثبتت التجارب صحته) , وعليه تعتبر وسائل الاعلام هي المصدر الرئيسي للمعلومات التي يحتاج اليها الناس لكي يحكّموا انفسهم بخصوص اداء الحكومة وبالتالي لعب دور فعال (ايجابي) في تفسير الامور والتأثير في توجهاتها وهذا ما حصل بالفعل بعد عام 2003 في العراق وعلى اقل تقدير في المسائل الهامة كالتصويت على الدستور ومن ثم انتخاب ممثلي البرلمان العراقي ومجالس المحافظات لعدة دورات انتخابية إذ لعب الاعلام دوره في شحذ التوجهات ورسمها إلا ان ثمة سؤال يطرح نفسه هل كان الصحفي العراقي على دراية ووعي تامين لطبيعة العمل الذي يؤديه؟ كما وان ثمة سؤال اخر ما مدى استقلالية وسائل الاعلام العراقية؟ وهل ان الاعلام العراقي المقروء والمسموع والمرئي تحرر من قيود اسمها جهة الدعم؟ وللإجابة على هذه الاسئلة نقول ان الصحفي في ابسط مفاهيمه هو كل شخص يكتب في وسيلة اعلامية مقابل اجر ثابت ومعروف وما يميز الصحفي عن الكاتب الصحفي ان الاخير غير ملزم بعمل ثابت وانه (الكاتب الصحفي) مختص بكتابة المقالات التحليلية والتفسيرية التي تتطلب ابداء الرأي من قبل كاتب المقال في حين الصحفي هو ذلك الشخص الذي يتعامل مع جملة الفعاليات الحياتية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية والعلمية وغيرها من الفعاليات ويوظفها في واحدة من الفعاليات الصحفية (الخبر- التحقيق- التقرير-القصة الخبرية- المقابلة الصحفية- المؤتمر الصحفي) وهذه الفنون ملزمة بالإجابة على الاسئلة التي يثيرها الموضوع الصحفي والتي لا يمكن لها اغفال واحدة من بينها لضمان حصول الفائدة الاعلامية ومنع وقوع أي لبس او غموض يسبب تشويش ذهنية المتلقي (القارئ) وفي ظل التفسير السابق نجد وللأسف الشديد ان حجم الانفجار المعلوماتي الحاصل في العراق لم يكن متناغم مع حجم القدرات والامكانات المتوافرة للعاملين في الاسرة الصحفية إلا ان ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجود طاقات صحفية مقتدرة يشار اليها بالبنان وان ضعف القدرات والامكانات عند البعض الآخر لم يكن لضعف الامكانات والقدرات الذاتية الفطرية
للصحفيين بل تعود اساسا الى اسباب مرتبطة بها ويمكن تشخيص اسباب ضعف الامكانات والقدرات عند الصحفيين بالآتي :
1- الاعتماد في تغطية المتطلبات الخبرية الانتاجية لوسائل الاعلام على الصحفيين الممارسين ذوي المواهب الذاتية الذين تنقصهم فرصة الدخول في دورات تدريبية تصقل مواهبهم.
2- سبب عدم ادخالهم في دورات تدريبية يعود اساسا الى ضعف الوسيلة الاعلامية التي يعملون لصالحها من الناحية المالية.
3- ضعف قدرات الصحفيين الاكاديميين الذين كانوا اكثر فقرا من سواهم الممارسين للعمل الصحفي وذلك نتيجة عدم خضوعهم للتدريب والممارسة المعمقتين وولوجهم الى كليات الاعلام لأغراض اكمال الدراسة الجامعية وتفضيل هؤلاء الخريجين العمل في دوائر حكومية تمنح لهم مرتبات شهرية وحقوق تقاعدية وهذا غير متوفر في معظم وسائل الاعلام الحرة.
4- اسباب تتعلق بدفع اجور ومرتبات شهرية للصحفيين تكاد تكون غير ذي جدوى لسد متطلبات الحياة المعيشية للصحفي.
5- الصحفي العراقي يبقى اسير الوسيلة الاعلامية التي تمنحه مرتب شهري او اجر معين لقاء ما ينتجه من عمل وبالتالي كان (الصحفي) في كثير من الاحيان آلة تنتج ما يطلب منه انتاجها دون ان يكون حرا في نقل الحقيقة كما هي لا كما تتمناه وسيلته الاعلامية.
وفيما يتعلق بالسؤال الثاني المتعلق بمدى استقلالية وسائل الاعلام العراقية نؤكد ما ذهبنا اليه في مطلع حديثنا بأن انفجار هائلا حصل في وسائل الاعلام العراقية من حيث الكم لا النوع وكان التوجه السياسي ابرز ما يميزها وهذا الكم الهائل من المطبوعات رافقها كم هائل من وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والذي تطلب ان يكون هناك كم هائل من العاملين اللازم لديمومة عجلة هذه الوسائل الاعلامية وان نظرة فاحصة لطبيعة اداء هذه الوسائل تفرز لنا جملة من الانطباعات والتصورات يمكن اجمالها بالآتي :
1- معظم هذه الوسائل يمثل توجهات واجهات سياسية مؤدلجة.
2- تصدي اشخاص ذوي حظوة سياسية على رأس الهرم الوظيفي لهذه المؤسسات.
3- معظم العاملين من ذوي المواهب الصحفية التي تفتقر الى الصقل والتهذيب.
4- خفاء مصادر التمويل.
5- اهتمام معظمها بالشؤون العراقية الداخلية وكأن العراق اصبح بمعزل عن مجرى الجغرافية والتاريخ العالميين.
6- اعتماد لغة الطلب والترغيب تجاه المواطن لإكساب مفاهيم معينة دون ان يكون الخبر او المادة الخبرية اساس عملها.
7- ظهور بوادر السيطرة والتضييق على وسائل الاعلام.
8- تفسيرها للقوانين والضوابط والمواد الدستورية بصورة كيفية لاسيما فيما يتعلق بـ”حرية التعبير عن “الرأي”.
وعن مدى تحرر وسائل الاعلام عن جهة الدعم نقول ان الواقع المعاش اثبت قطعا بأن وسائل الاعلام وجهة الدعم تجسدان شكل قطعة النقود من حيث التلازم بين ظهرانيها وان اسباب عديدة تقف من وراء ذلك يمكن اجمالها بالاتي
1- ان معظم وسائل الاعلام وجدت لأغراض التصدير لميل او ايدلوجية سياسية معينة.
2- ظهور بوادر تحجيم الاعلام من قبل بعض المؤسسات السياسية وجعلها بالشكل الذي يخدم مصالحها.
3- افتقار العراق لعقلية الاستثمار في مجال الاعلام.
4- انقياد الصحفيين لأسباب مادية لتوجهات وسائلهم الاعلامية.
5- بروز توجهات تدعو الى زيادة نطاق المحظورات في العمل الاعلامي.
ويمكن تلافي كل معوقات المسيرة الاعلامية من خلال :
1- اطلاق مشاريع اعلامية استثمارية.
2- اطلاق صيغة العقود الاحترافية مع الصحفيين العراقيين وغير العراقيين.
3- اقامة دورات تدريبية للصحفيين.
4- تبني نقابة الصحفيين العراقيين مهام تطوير قابليات الصحفيين.
5- ايفاد الصحفيين الى خارج العراق لغرض التدريب مع ضمان المساواة في الفرص.
6- تشجيع الممارسين لمهنة الصحافة على التخصص اكاديميا.
7- استضافة كليات الاعلام واقسامها للصحفيين الممارسين.
8- البدء بتأسيس مؤسسات صحفية مهنية بدعم من قبل مجالس المحافظات.
9- حماية الصحفيين.
10- حماية المصادر الصحفية من أي مساءلة قانونية.
11- الطلب من دوائر الدولة التعاون مع الصحفيين والغاء اوامر بعض الوزارات الخاص بمنع التصريح.
12- اقامة ندوات جماهيرية توضيحية تزيد من فاعلية المتلقي للفعاليات الصحفية.
13- الوقوف بوجه تطلعات كبح جماح الحرية الصحفية من قبل بعض الجهات السياسية.
14- تفعيل مسألة الاستماع الى شكاوى المواطنين والاجابة عليها في وسائل الاعلام.
15- اقامة ندوات تثقيفية للإعلاميين.
16- افتتاح منتديات ثقافية اعلامية.
17- تفعيل استطلاعات الرأي لمعرفة انجح الوسائل الاعلامية العاملة ومعرفة ميول المتلقين بما يخدم المنافسة بين مختلف الوسائل بما يرتقي بالواقع الاعلامي العراقي.