23 نوفمبر، 2024 4:44 ص
Search
Close this search box.

بلاد في المزاد

* اذا كانت فلسطين قد تم بيعها بالمزاد الصهيوني في أربعينيات القرن الماضي ، فأن أرض السواد قد تم بيعها بالمزاد قديما وحاضرا وستباع بمزاد علني مريب في قادم الأيام .
* لست مؤرخا حتى أذكر بالتفصيل فصول المزاد العلني التي شهدتها البلاد خلال تأريخ حياتها الذي يمتد الى آلاف السنين ، فلقد كان أول مزاد بالعصر السومري عندما غزت جيوش غامضة أرض السواد وتم توزيع أراضيها على الأغراب ، ثم جاء مزاد الدولة الأموية ثم العباسية ، ومزاد المغول الذين جعلوا نهر دجلة بلون الحبر من جراء اغراق آلاف الكتب النفيسه بموجه الحزين ، اما في العصر الحديث فكان مزاد الجنرال مود مع جنوده الذين ينحدرون من إصول هندية ، ثم مزاد العائلة المالكة من سلالة بني هاشم ، ثم مزادات الثورات الدموية التي توّجت بمزاد مرعب للطاغية بحق الناس الأبرياء عبر حروب مجانية جعلت البلاد تزحف مثل طفل مصاب بالكساح .
* عندما إشتد الحصار على البلاد ، وأصبح الناس يأكلون خبز الشعير الأسود الذي كان علفا للمواشي ، قرر الطاغية اجراء تقشف شديد على جميع مرافق الدولة ، شمل آليات الوزرات ودوائرها الحكومية وشمل هذا التقشف حتى القصر الجمهوري ، وتم بيع عشرات الآلاف من السيارات الحكومية بمزاد علني لرفد خزينة الدولة بموارد مالية تجعلها تقاوم الحصار ، في هذا التقشف العنيف تم تجريد دوائر الدولة من معظم سياراتها ، وأصبحت وزراة الثقافة على سبيل المثال ، لا تمتلك سوى عشر سيارات فقط من ضمنها سيارة الوزير ، للحد ان قافلة الشعراء التي ذهبت في شهر اكتوبر من عام 1997 لمقابلة الطاغية في قصره المنيف بمناسبة ذكرى توقف الحرب العراقية الإيرانية وكانت تحملهم سيارة كوستر نصف عمر تابعة الى نقليات رئاسة الجمهورية ، كاد محركها يتوقف على جسر المعلّق لولا صلوات السائق وتوسله بالله حتى يصل بالشعراء للقصر الجمهوري ، وقد دُهش الشعراء حينما شاهدوا في مغاسله الرئاسية ان صابون غسل اليدين للضيوف ،كان من نوع تلك الصوابين الرديئة التي توّزع مع الحصة التموينية ، غير ان الطاغية لم يجرؤ على بيع عقارات الدولة بالمزاد العلني برغم عسر الحال وإكتفى بالآليات لبيعها بمزاد مخجل ومعيب ‼
* اما المزاد الفكاهي الذي حدث لهذه البلاد ، عندما هبط سعر الدولار فجأة وأصبح يساوي أربعين الف دولاراً نتيجة قرار الأمم المتحدة بالسماح للعراق تصدير نفطه لسد إحتياجات الناس الغذائية ، أصبح دولاب الدولة يدور بالعكس ، وإرتبكت موازين البلاد والناس في عمليات البيع والشراء ، وتحولت الساحات العامة في جميع مدن العراق الى مزادات علنية مخزية ، وكنت شاهداً على المزاد الخرافي الذي حدث في ساحة وسط مدينة كربلاء ، حيث يبدأ من الساعة الثامنة صباحا ولا ينتهي الا بعد غروب الشمس ، في هذا المزاد الذي يدمي القلب شهدت بعين منذهلة بيع اثاث منازل الناس وأفرشتهم ، والثلاجات والمبردات والتلفزيونات والأواني والملابس والسيارات والمواشي والأراضي والبساتين وحتى “شليمان” سقوف البيوت القديمة تم بيعه بذلك المزاد “الدولاري” ، بل وصل الأمر ان احد المواطنين المساكين عرض احد ابنائه للبيع بمزاد علني لسد ديون بذمته نتيجة هبوط صرف الدولار بطريقة مريعة ، وهناك عوائل متعففة باعت بناتها سرا بسعر بخس لتجار جشعين حتى تصمد بوجه حصار لئيم ، مزاد غريب وعجيب وقاس صفع وجوه الناس المعدمين والكادحين بلا رحمة .
* في قادم الأيام سيبدأ مزاد علني من طراز خاص ، يشمل جميع عقارات الدولة ومن ضمنها القصور الرئاسية ،  ربما سيبدأ المزاد الديمقراطي جدا “بقصر السجود” في قلب بغداد والقريب من نصب الجندي المجهول ، سيحضر المزاد كبار المسؤولين مع أبنائهم وأقربائهم وحاشيتهم وقد يفوضوا من ينوب عنهم لإبعاد الأنظار ، كما سيحضر تجار بلا ذمة ولاضمير امتلأت جيوبهم بالدولارات من صفقات مشبوهة مع إسناد سرّي من جهات دولية غير معلنة ، ستنقل بالمباشر فضائيات مخوّلة ماسيجري بذلك المزاد المريب ، وبعد ان يبح صوت السمسار سيرسو قصر السجود بطريقة دراماتيكية على احد أبناء المسؤولين الأثرياء ، او على شخصية غامضة لا يعرفها غير المسؤول الذي فوضها للإشتراك بالمزاد .
* بلد عجيب أنت ياوطني ، بحصار قاتل إستمر الطاغية بتشييد تلك القصور الرئاسية وبطون الناس تتضور جوعاً ، هذه القصور التي إستنزفت ثروة آبار نفط كثيرة ، ستكون جميعها من حصة الذين كانوا يعارضون الطاغية ، كما لو انه يقدمها هدية سخية لهم جراء سقوط صنمه في ساحة الفردوس ، معارضون من طراز خاص وحظوظهم حظوظ .. ” تعرفون قصدي ” ؟  معارضون ورعون يخافون الله ” وردة ” أصبحوا اكثر طغيانا من الطاغية ، وماعادت هتافات إحتجاج الناس المقهورين تحت نصب الحرية تجدي نفعا ، جلّ ما أخشاه ان الدور سيصل لبيع المراقد المقدسة بوصفها تابعة لعقارات الدولة ، سيبدأون أول الأمر ببيع مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني طبعا ؟!أجل ستباع البلاد بالمزاد العلني أمام مرأى العراقيين الذين سيكتفون بذرف الدمع على اللبن المسكوب ، وأي لبن ثمين .. انها بلادكم ايها الناس التي ستباع بمزاد علني هو الأقسى على مر التأريخ للمزايدات العلنية على أرض السواد .
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات