»»» “يبدو أن حظوظكم تتغير” .. هكذا ختمت القناة الهولندية الثانية سؤالها، حول تغيّر التصريحات الأميركية عن رحيل الرئيس الأسد، وخاصة التصريح الأخير لوزير الخارجية الأميركي من موسكو بأنه “قد لا يترتب عليه الرحيل فورا ونحن لا نسعى لتغيير النظام” .. وكذلك التصريحات الفرنسية بأن الأسد يمكن أن يكون جزءا من الحل. بسخرية ردّ الأسد : «شكرا لهم!.. لقد كنت أحزم امتعتي وأحضر نفسي للرحيل .. أما الآن فيمكنني أن أبقى»، قبل أن يقول بحسم وثقة: «إننا لا نكترث لما يقولونه».
»»» بغريزة وهابية، أعلن سوبرمان المملكة ووزير دفاعها «محمد بن سلمان» ولادة “حلف إسلامي” عسكري. الإعلامي السعودي «جمال خاشقجي» علّق ببلاهة تنسجم مع الإعلان المفاجئ، بأنّ “خادم الحرمين طبق السياسة النبوية، أن استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، ليخرج بهذا الخبر العظيم”. في الواقع، ربما يكون “خادم الحرمين” لا يعرف حتى تاريخه بهذا الخبر العظيم. كتمان بن سلمان بلغ حدا مدهشا، فأكثر دول حلفه كان يسمع لأول مرة عن هذا التحالف، وبعضها لم يسمع حتى الآن بأنه مدرج على قوائم الحلف الوهابي. بلا مقدمات، وبكتمان شديد، قررت المملكة تشكيل تحالف إسلامي عسكري، عاصمته الرياض وبقيادة المملكة الوهابية، وهدفه بحسب ماريشال التحالف “بن سلمان”، مكافحة جميع المنظمات الإرهابية وليس “داعش” فقط، وكذلك تطوير محاربة الإرهاب فكريا وإعلاميا. عن عمليات الحلف في سوريا قال بن سلمان بأنه “لا يستطيع القيام بهذه العمليات إلا بالتنسيق مع الشرعية والمجتمع الدولي”. جبير المملكة، لم يستبعد من العاصمة الفرنسية باريس، إمكانية إرسال قوات برية لقتال “داعش” في سوريا والعراق، وأعلن بأن التحالف هو ائتلاف تطوعي لمحاربة الإرهاب والتطرف، ولا يحمل أي “توجه طائفي”، فالسعودية بحسب جبيرها من أول الدول التي طالبت بتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب وأسهمت في تأسيس مركز مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة.
»»» الولايات المتحدة رحبت بتحالف الرياض، فهو بحسب وزير الدفاع الأمريكي، يتماشى مع دعواتها لدور “سني” أكبر في قتال “داعش”. في الوقت الذي كان فيه المتحدث باسم الرئاسة الروسية ينتظر معلومات تفصيلية عن التحالف؟ وأهدافه؟ وبأي شكل سيحارب الإرهاب؟. تركيا الأردوغانية، أعلنت موافقتها على الإنضمام للتحالف واستعدادها لأداء دورها، وقالت بلسان عمقها الإستراتيجي “أوغلو” بأن اتخاذ البلدان الإسلامية لموقف موحد ضد الإرهاب يعدّ “أقوى جواب يوجه للساعين نحو ربط الإرهاب بالإسلام”. مصر، رحبت بزيادة “خادم الحرمين” لاستثمارته فيها، وتوفيره لاحتياجاتها من البترول لمدة خمسة سنوات، وأعلنت خارجيتها بأنها تدعم كل الجهود الخاصة بمحاربة الإرهاب، رغم قلقها من وجود قطر وتركيا الداعمتين الأساسيتين للإرهاب في مصر، واللتان لا تعترفان بشرعية “النظام الانقلابي المصري” . بينما كانت الخارجية الباكستانية تعرب عن دهشتها من الأخبار الواردة حول ضمّها إلى قائمة الدول المشاركة في التحالف، دون علم إسلام آباد.
»»» لا يمكن لأي دولة أن تزايد على دور المملكة في نشر الإرهاب الدولي، ودعمه بكل الوسائل المادية والفكرية والإعلامية، وكذلك لا يمكن لأحد أن يجحد دور تركيا الأردوغانية، في احتضانها ودعمها اللامحدود لكل التنظيمات الإرهابية، وهذا ما يجعل تحالف الرياض العسكري الذي يقف على دعامتين رئيسيتين: الوهابية السعودية والإخوانية الأردوغانية القطرية، تحالفا داعما للإرهاب الدولي، أو ذيلا “إسلاميا” لتحالف واشنطن الذي أنعش أحلام كل تنظيمات الإرهاب وجعلها تتمدد في جهات الأرض الأربع، وهو يلقى ترحيبا واسعا من كل “معارض معتدل” بغضّ النظر عن انتمائه الإرهابي. لذلك لم يكن مفاجئا غياب الدول التي تعاني من الإرهاب، أو التي تحارب الإرهاب بصدق، عن قائمة تحالف الرياض، فالحلف الذي يتماشى مع دعوات الولايات المتحدة حسب تصريح وزير دفاعها، لا يمكن أن يتماشى مع الدول التي تحارب الإرهاب الأمريكي الوهابي الإخواني، ومحاولته فرض خياراته على شعوب المنطقة.
»»» الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» وخلال مؤتمره السنوي في موسكو الخميس 17 كانون الأول، أعلن عن تأييده للمبادرة التي جاء بها كيري إلى موسكو حول حلّ الأزمة في سوريا، وقال بأن الخطة الأميركية تتحدث عن “صياغة دستور بجهود مشتركة، واستحداث آليات رقابة على الإنتخابات المبكرة، وإجراء الانتخابات وقبول نتائجها”. وشدد الرئيس الروسي على ثبات موقفه بعدم قبول فرض حلول خارجية وأنه “لا يحقّ لأحد سوى الشعب السوري أن يحدد من سيقوده، ووفق أي معايير وقوانين”. بالنسبة للعلاقات بين روسيا وتركيا بعد “الطعنة في الظهر”، أعلن الرئيس الروسي عن استحالة الاتفاق مع القيادة التركية الحالية. أما عن تحالف السعودية العسكري، تساءل بوتين عن الدافع وراء تشكيله في ظل وجود تحالف واشنطن، وعن وجود “خطة خاصة” بالسعوديين.
»»» مع تحالف عسكري وهمي وبيان “المعارضة السورية”، سيدخل جبير المملكة الوهابية مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، حيث ستلتئم المجموعة الدولية لدعم سوريا، الجمعة 18 كانون الأول 2015. ما يهمّ المملكة في بيان المعارضة التي اجتمعت تحت “سقفها المرتفع” هو: ” أن لا يكون لبشار الأسد وأركان ورموز نظامه، مكان في سوريا الجديدة، أو في أي ترتيبات سياسية قادمة”، إضافة إلى تبنيها مع المجتمعين في الرياض لتنظيمي «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» الإرهابيين، كـ”معارضة مسلحة معتدلة”. وزير الخارجية الأمريكي العائد من لقاء بوتين، سيدخل مؤتمر نيويورك مع تصريحات ذات “سقوف منخفضة”، أعلن من خلالها تراجع الولايات المتحدة عن رحيل الأسد، وعدم سعي بلاده لتغيير النظام، وأنّ البيت الأبيض لا يعمل على عزل روسيا، مؤكدا على أن “توافق البلدين يصبّ في مصلحة العالم بأسره”. مجلس الأمن الدولي أضاف قبيل المؤتمر، قرارا جديدا حول مكافحة تمويل الإرهاب. القرار رقم 2253 الصادر يوم الخميس 17 كانون الأول 2015، يدعو إلى “تجميد الأصول المالية والموارد الاقتصادية التي تعود إلى تنظيم داعش وتنظيم القاعدة ومن يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات. كما يدعو الدول إلى تجريم المعاملات المالية المتصلة بالإرهاب، بما في ذلك جميع المعاملات مع الإرهابيين الأفراد والجماعات الإرهابية، وليس فقط تلك المعاملات المرتبطة بأعمال إرهابية، من أجل تعطيل أفضل لأنشطة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ووقف تهريب النفط والاتجار بالبشر والآثار. ” يبدو القرار السابق نسخة طبق الأصل عن القرار رقم 2170 الذي صدر قبل أكثر من عام (آب 2014)، والذي دعا فيه مجلس الأمن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى “اتخاذ تدابير وطنية لقمع تدفق المقاتلين الأجانب الإرهابيين وتقديمهم للعدالة والتعامل مع المعرضين لخطر التجنيد للحد من السفر إلى سورية والعراق.” وأكدّ على الدول “منع البيع المباشر أو غير المباشر للأسلحة والمواد ذات الصلة إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة والأفراد والجماعات المرتبطين بها”. من الواضح أنّ المجتمع الدولي لم يحترم قراره، بل كانت الدول الراعية للإرهاب تشرف على دعمه وتمويله وتدفقه وسرقته للنفط والآثار، وكانت طائرات تحالف واشنطن، الذي تشكل بالتزامن مع هذا القرار لمحاربة “داعش”، تمرّ فوق رؤوس الإرهابيين كما النسيم العليل.
»»» “خطط موسكو وواشنطن للتسوية في سوريا تكاد تكون متطابقة”، هذا ما قاله الرئيس الروسي في مؤتمره. الخطة التي أعلنها تتحدث عن آلية ديمقراطية لحلّ الأزمة السورية، وأنّ الشعب السوري هو صاحب القرار في تحديد مستقبل بلده، والتأكيد على محاربة داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية التي قد يتمّ التوافق عليها في مؤتمر نيويورك. هذه الخطة تبدو في شكلها العام متطابقة مع ما كانت تطرحه الدولة السورية دائما، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأسد في لقائه الأخير، حين قال لمن يطلب رحيله بأن الدستور وصندوق الاقتراع بيننا، وأن السياسة السورية كانت منذ بداية الأزمة في 2011 قائمة على دعامتين رئيسيتين: الحوار ومحاربة الإرهاب.
»»» « الغباء هو فعل نفس الشيء، بذات الإسلوب والخطوات، وانتظار نتائج مختلفة» يقول اينشتاين. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتخلص من الإرهاب في ظلّ تواطئه المعلن مع المملكة الوهابية وتركيا الأردوغانية والكيان الصهيوني، التحالف الذي يشكل الرحم الذي تولد منه كل تنظيمات الإرهاب، وأرض كل “نبت شيطاني”، وجسرا لإنتشاره في أنحاء العالم. القرارت لا تعمل لوحدها، يجب على الدول أن تثبت صدق نواياها، بأفعال واضحة على الأرض. فهل سيعكس المجتمع الدولي تفاؤل بوتين؟ أمّ أنه سيصرّ كما سوبرمان المملكة وجبيرها، وأردوغان الأتراك وعمقهم الإرهابي أوغلو، على السير بغباء على ذات الطريق وانتظار الأوهام؟