تأخرت في العودة, بسبب ازدحام كبير, في وقت الذروة, بالتحديد الساعة الرابعة عصرا, حيث دخول سيارات الحمل الكبيرة, ورجوع العمال والموظفين لبيوتهم, وسبب الازدحام قيام أمانة العاصمة بترقيع شارع الداخل, فهكذا تجري الأعمال في بلدي, أنها قمة الفوضى, والضحية فقط المواطن المسكين, اقبل الباص (كية), كمنقذ في لحظة عسر, فتشبثت به, فلم أجد مقعدا في الباص, ألا بالجلوس لجانب احد الجنود, وتفاجئت بأنه صديقي قيس, وكان يحمل حقيبة كبيرة, مع عكاز لوجود عجز في ساقه.
فسألته عن حاله, وعن حال الجيش هذه الأيام, فقال أن الحال لا تسر, بسبب تنامي غول الفساد, مما يهدد كيان الجيش.
فاخذ يحدثني عن الفساد, حيث كانت لديه مراجعة طبية لحالته, بعد تعرضه لانفجار, اثر على ساقه, فكان هناك خطا في اسمه, بتقارير مراجعته, فكان رأي الضباط المسئولون, أما أن يعيد كل مراجعته للمستشفى, أو يدفع خمسمائة ألف دينار, فيتم تصحيح اسمه, فلم يجد سبيل ألا دفع الرشوة, لينقذ تقاريره الطبية من الضياع, هكذا الفساد ينخر جسد المؤسسة العسكرية.
أما قصص مخازن الأسلحة والعتاد, فهي من الغرائب, يقول صديقي قيس, استلمنا رشاش كبير يعمل على الحاسوب, بحسب المعلومات, بأنه وبضغطة زر الحاسوب يرمي أطلاقاته, لكن العجيب أن الحاسوب لم يصل, فقد الرشاش الكبير! مما يعني أننا استلمنا سلاح عاطل, ثم استلمنا أربع قناصات حديثة, لكن بمنظار واحد! مما يعني أن ثلاث قناصات عاطلة, وهذا نقطة في بحر كبير, من فساد منظم بين الوحدات والمخازن, بعيد عن عيون الرقابة.
قصص فساد المنظومة العسكرية, تتناقلها الفضائيات والأعلام, وبالأدلة والمستندات, لكن هناك غياب تام للقضاء, وما قصص صديقي قيس, إلا سطر في رواية كبيرة, عن ما يجري في الجيش من فساد, فتصور مع هكذا فساد, كيف يمكن أن ننتصر بالحرب ضد داعش.
الفساد هو ما عجل بسقوط الموصل, وهو ما جعل داعش يتمدد, وهو اليوم ما يعطل الجهود, للخلاص من الدواعش, فعلى النخبة الحاكمة أن تنتبه للخلل, بتشديد الرقابة على المفاصل الحساسة, للمؤسسة العسكرية, وإقصاء شبكات الفساد مهما كانت رتبها ومناصبها العسكرية, كي تتوحد الجهود في حرب الدواعش,ونحقق النصر النهائي.