لم يشهد العراق حالة الياس الذي يعيشه منذ ثلاثة عشر عاما على تحريره من ابشع نظام دكتاتوري عرفه التاريخ العراقي ، مما افقده سبل التكيف مع الواقع المفروض او ايجاد فرصة الخروج منها، وهي حالة سبقت العديد من الاحداث العراقية ، وبذلك اجتفظت بصدارتها لكل الاحداث التي تشهدها المنطقة عموما ….
اذن ما كتب على العراق ان يتجرع سمومه لوحده في المنطقة يدخل في سلسلة مشاريع خاصة لتجميد دوره وانشغاله بما هو اكبر من طاقته الذاتية لضمان تمرير تلك المشاريع لتمزيق صفه الوطني وتفكيك بنيته الاجتماعية على اساس الطائفة والمذهب ، ولهذا نجد ان ما يعاني العراق هي اكبر من كل القراءات السياسية الضيقة التي لا تدور الا في مساحة صغيرة لا تفي بالغرض المطلوب ..بمعنى ان التيارات الساسية التي تقود البلاد منذ فترة ليست بالقليلة قد عجزت تماما عن تحديد وجهة نظرها باتجاه تحديد مكامن الخطأ في سياستها والحيلولة دون المزيد من الاخطاء الجسيمة التي تعرقل تطور البلاد وتقدمه .. ولهذا فأن حجم التقديرات السياسية الخاطئة قد اصبحت تشكل عائقا قويا امام كل جهد ملموس لبئاء البلد بل وحتى ترميمه على اقل تقدير….
وفي هذا السياق نجد انه من الخطأ الاعتقاد ان ما يعانيه العراق سوف تزول بمجرد نغيير اشخاص وجلب بدائل لهم في المناصب المهمة دون الاعتماد على الية تنقذ الشارع الوطني من تبعات الحالة المفروضة علىيه ، بمعنى ان الكتل السياسية بحاجة الى مراجعة شاملة لتشخيص طبيعة عملها وسط الميدان السياسي ، لتذليل العقبات والتفاعل نع المستجدات السياسية بغير العقلية المتبعة منذ اثنا عشر عاما ، والتي اثبتت فشلها وعدم اهليتها في احراز اي تقدم ملموس للعملية السياسية التي بقيت تراوح في مربع هزيل ومخيف زادت من حدة احتمالات فشلها ..
ولهذا نجد وباستمرار المخاوف من الفشل والعودة الى اوضاع ما قبل 2003 في وقت والدلائل تشيران حدة الاوضاع تكمن في استمرار البعثيين في الحفاظ بخلاياه النائمة وتمويلهم بما يتناسب مع حاجة المرحلة لتواجدهم ..وهذا بحد ذاته مؤشر خطير على فشل الكتل السياسية في رفد المرحلة بمقومات النجاح بما يضمن سلامة العملية السياسية ودون اصابتها بخلل تؤدي باتالي الى تشوية معالم سيره بنجاح ..وهذا يؤكد ان العملية السياسية تواجه مرحلة صعبة وهي من اشد مراحلها بسبب عمق الخلافات بين اطرافها وعدم اتفاقهم على الحد الادنى من التوافق السياسي على مجمل ما تعانيها العملية من تفكك في صلب علاقاتها السياسية….
وخلاصة القول ان تغيير في مسار العملية السياسية باتجاهها الصحيح يحتاج الى رؤى وطنية صادقة بعيدة عن التفكير المادي الذي اصبح ملازما لكل محاولة انقاذ للبلد من معاناته ومأسيه ،وهذا يتطلب ان المعنيين بهكذا امور لابد ان يتحلوا بقدر كاف من الوطنية يغلبون بها على كل اشكال التطرف الفكري والانانية التي كانوا يتصفون بها لكي ينزع العراق هذا الثوب الحزين الذي بدأ يسرق من اصالته وكرامته دون حساب …
ان عراق بمستوى هذا العراق لابد ان يعيش في بحبوحة دائمة ويتطلع الى ارقى درجات الوعي الفكري ، ومجردا من كل عوامل الفشل والانحطاط الذي اصابه جراء تداخل الاجتهادات الفكرية والسايسية مع بعضها البعض التي تراها اصحابها فرصة لاثبات الجضور في الميدان السياسي ، متناسين ان عراقا الذي وجد نفسه قبل الالاف السنين قويا غير مؤهل فكريا رغم شدة المنازلة التي يخوضها لوحده مع التيارات الدينية المتطرفة ان تكون ضحية لاجتهاداتهم التي لا تحمل سوى المزيد من المأسي والويلات ، بمعنى ان اية محاولة للخروج من معاناة حربه الضروس ينبغي ان تكون عراقيا دون الاعتماد على الاخرين ، لكي يبقى العراق متيناً قوياً لا تهزه الاعاصيرالجارفة التي تهب من هنا وهناك ، وهذا يتطلب اولا واخيراً لمحة وطنية تقضي للابد على كل اشكال التطرف الفكري والاجتماعي والثقافي التي ما كانت يعاني منها العراق منذ سقوط النظام عام 2003 والتي سيطرت على كل اجتهاد وطني يشخص الوجهة الحقيقية للبلد الى امام و يحرره من كل ما يسء الى عملية تقدمه ونطوره …..