هل ستسحب تركيا قواتها المنتشرة في بعشيقة قرب الموصل معقل تنظيم داعش الرئيس في العراق قبل انتهاء مهلة الثماني والأربعين ساعة التي حددها المجلس الوزاري للأمن الوطني لغاية منتصف ليلة الثامن على التاسع من كانون الأول ؟ ام انها ستجعل العراق يمضي الى خياراته المتاحة ومن بينها التقدم بشكوى امام مجلس الامن تطالب الشرعية الدولية بالتدخل ودفع انقرة لسحب ما يقارب الستمائة من جنودها الذين دخلوا نينوى لتدريب الحشد الوطني التابع لمحافظها السابق اثيل النجيفي.
وهل ستكتفي بغداد بخيار الذهاب للمجتمع الدولي ام ستتخذ خطوات غير مسبوقة قد تشعل نار الحرب مع تركيا بعد ان لوح رئيس الوزراء حيدر العبادي بخيار قصف القوات التركية المتوغلة عبر دعوته القوة الجوية لتكون على أهبة الاستعداد للدفاع عن العراق وسيادته؟
ام سيفتح العبادي الباب امام خياراتٍ بديلة غير رسمية ويمنح الفصائل الشيعية المسلحة الضوء الأخضر لتنفيذ تهديداتها على ارض الواقع عبر ضرب المصالح التركية في الداخل العراقي ومن ثم يقال ان هذا الفعل ليس حكومياً بل جاء كتصرف فردي من جهات غير معروفة.
ما الذي سيحدث لو دخل الغرب كوسيط حل في الازمة بين بغداد وانقرة ودعا الأخيرة لسحب قواتها المتواجدة منذ عام بمعسكر زيلكان بعلم الحكومة العراقية ووزير دفاعها بحسب ما أكدته رئاسة إقليم كردستان قبل ان تفضح صحف تركية الامر وتحرج كل الأطراف المعنية وتجعل العبادي في موقف لا يحسد عليه لا ينفع معه سوى التصعيد والوعيد لحفظ ماء الوجه.
ماذا لو أسهمت الوساطة الغربية المتوقعة بجعل العبادي اكثر صبراً ومصراً على خياراته الدبلوماسية العاقلة، واعتبرت الفصائل الشيعية موقفه هذا ضعيفاً
؟ وقررت التحرك كيفما شاءت هي رغماً عنه مطبقة تهديدات ووعيد بياناتها الأخيرة.
والواضح ان الحكومة سكتت عن هذه الفصائل لتستخدمها كورقة ضغط على تركيا بوصفها جماعات غير مسيطر عليها لتجبرها على التراجع وسحب قواتها والا فأن الأمور ستنفلت من بين يدي العبادي ويحدث المحظور ..
كل ذلك ، ينظر اليه على انه رضا حكومي عن تعاظم سطوة الفصائل الشيعية ارضاءً لها بوصفها حاملة السلاح بوجه داعش في العديد من المواقع ولأن هذا السكوت سيجعل ايران تنظر بعين الرضا للعبادي وتزيد دعمه وتدفع من يهددون عرشه بعيداً رغم كونهم من اشد الحريصين على تحقيق مصالحها في العراق وهو امر يبرره فتح العبادي الباب امام طهران لتكون هي صاحبة اليد الطولى المتحكمة بقرار الحشد الشعبي الذي يأخذ المشورة من قاسم سليماني فضلاً عن تحكمها بموارد تسليح فصائل الحشد التي تتمتع قياداتها بصلاحية مطلقة في صناعة القرار بمعارك التحرير والذي يسير على الجميع بما فيها قيادات وزراتي الدفاع والداخلية في الميدان كما يؤكد كل من كان على مقربة من هذه المعارك .
أبو الاء الولائي الأمين العام لكتائب سيد الشهداء وهي فصيل في الحشد الشعبي كشف قبل أيام في مقابلة متلفزة ان نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس اشترى أسلحة بقيمة 300 مليون دولار من أموال الحشد وسلمها لوزارة الدفاع ، تسليم تم دون الإفصاح عن الطرف الممول والذي يبدو معروفاً ، ما يعني ان يد التسليح الإيرانية دخلت مرحلة جديدة امتدت معها للمؤسسة العسكرية العراقية.
ايضاً ، لم يكتفِ العبادي بتسليم ارض المعركة في غالبية سوح المواجهة مع داعش للأطراف المدعومة من قبل ايران ، بل سلم ايضاً السماء لأميركا التي تتزعم التحالف الدولي ، والتي شكلت قيادة العمليات المشتركة المشرفة على السماء العراقية بتخطيط ومعونة منها كما يعرف كثيرون وهو ليس سراً لدى ساسة البلد وقادته الأمنيين ، وصار صنع القرار الخاص بالطلعات الجوية في المعركة ضد داعش يصدر منها حصراً سواء المتعلق بسلاح الجو العراقي او
المتعلق بطيران التحالف الدولي الامر الذي جعل منها غرفة عمليات مشتركة المتحكم الأساس فيها هم ضباط اميركيون كما افصحت مصادر موثوقة عددهم ما بين 6-8 لا يسمحون بأية طلعة جوية مالم يصدر الامر بشأنها من قبلهم حصرياً ، ومن يلاحظ بيانات خلية الاعلام الحربي التابعة لقيادة العمليات المشتركة يرى بوضوح تام مقدار الاهتمام التفصيلي بضربات التحالف الدولي لمستوى ذكر الأماكن التي قصف فيها تنظيم داعش بدقة بالغة ومعها حصيلة دقيقة ايضاً عن حجم الخسائر البشرية فيما تمر البيانات على الجزء المتعلق بالقوات العراقية وطيراني الجيش والقوة الجوية بنحو خجول كي يبرز فقط ما أنجزته طلعات التحالف الذي ينفذ سلاح الجو الأميركي ما يقارب الثلاثة ارباعها في العراق.
وجميع من قرأ المشهد العراقي بعمق رأى ان القوات المشتركة لم تدخل تكريت الا بضوء اخضر أميركي ولن تدخل الرمادي او الفلوجة ومن بعدهما الموصل الا بضوء اخضر أميركي وهو امر يؤكد ان صناعة القرار في الميدان يتحكم فيها من قبل واشنطن ببعض المواقع فيما بدا وانه تقاسم للمصالح والارض بينها وبين طهران في بلد يملك الاثنان فيه النفوذ الأكبر ولا يملك العبادي فيه سوى ان يوازن بين واقع البلد الأمني وبين تحقيق رضاهما ليمضي في طريقه ، لكن هذا التوزان لن يكون محمود العواقب وسيترك صراع المصالح بين الطرفين اثاراً مدمرة على الأرض عاجلاً ام اجلاً ونحن العراقيون وحدنا من سيدفع الثمن.