تعتبر العلاقات الفرنسية ـ الروسية من أفضل العلاقات، مقارنة مع علاقات روسيا بباقي دول التحالف الأوربي وحتى الولايات المتحدة، فهي تضرب بأطنابها في عمق تأريخي طويل، ولا تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل هي تمتد حتى في الجانب الإقتصادي والتعاون التكنولوجي والعسكري، حيث تستورد فرنسا الغاز الروسي منذ 40 عاما، وهناك تعاون في مجالات التقنيات متعددة الإستخدامات.
وقفت فرنسا ضد الرئيس بشار الأسد، وطالبت في كثير من المواقف خروج الرئيس السوري من الحكم، ومجيء نظام بديلا عنه، في وقت نرى أن روسيا خالفتها في هذا، عندما وقفت الى جانب بشار الأسد على طول فترة المواجهة بين الحكومة السورية، والتنظيمات الإرهابية التي تمولها السعودية وقطر والإمارات.
بعد أحداث باريس والقتلى الذين راحوا ضحية التفجيرات الإرهابية، شعرت باريس بأن نار الإرهاب قد بدأت تطالها، فكان لابد من أن تقف موقفا حازما ضد الأعمال الإرهابية التي ينفذها تنظيم داعش الإرهابي، وبقية التنظيمات الإرهابية التي تحمل مسميات مختلفة، لكنها تحمل نفس العقائد والشعارات، في تكفير كل من لا يدين بمعتقداتهم.
إصطدمت فكرة الرئيس الفرنسي بإنشاء إئتلاف دولي يضم جميع دول العالم، بالعقدة الأمريكية من التواجد الروسي في هذا الإئتلاف، كونها تقف في صف الرئيس بشار الأسد، وما زاد في الطين بلة، هو إسقاط تركيا للطائرة الروسية، ومعلوم أن تركيا من دول حلف الناتو، لكن مع هذا تجد فرنسا أنه يجب ضم روسيا الى هذا الإئتلاف، لأنها موجودة فعلا هناك، وبالتالي فهي لاعب رئيسي على الأرض السورية.
المصالح المشتركة بين فرنسا وروسيا حاضرة وبقوة، فكلا البلدين تضرر من الإرهاب بشكل أو بأخر، ذلك لأن البلدين يعتبران أمتان عظيمتان تقعان على طرفي أوربا، من ثم فإنه ليس من مصلحة البلدين أن يجدا قوة خارجية (الولايات المتحدة) أو حتى داخلية (ألمانيا) تهيمن على القارة الأوربية، من هنا تكمن المصلحة المشتركة في لقاء القوتين النوويتين، لكن مع بقاء بعض بينهما، فروسيا لن تتنازل عن الأسد أو الحليف الشيعي، والذي يبرز كقوة أكيدة في واقع الشرق الأوسط، والذي أثبتت الوقائع أنه مسالم ولا يريد أن يتمدد على حساب الآخرين، لكنه أيضا لن يقف مكتوف الأيدي مع من يحاول التطاول عليه او على مقدساته.
الخطوة الأكبر التي قامت بها فرنسا، هي تنازلها عن شرط إسقاط الرئيس بشار الأسد، لكنها مع ذلك أبقت نفسها في دائرة دول الخليج العربية، التي تساند التنظيمات الإرهابية، لأنها تعرف أن هذه الدول كنز كبير لشراء الأسلحة التي تنتجها المصانع الفرنسية، يبقى الموقف الروسي هو الأقوى والأكثر حجية أمام الموقف الفرنسي، ذلك لأن الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها إنكشف غطاؤها الحقيقي وتعرت أمام دول كثيرة ومنها فرنسا.
إذا هو إلتقاء مصالح بين الدولتين، والذي سيفضي الى إنشاء جبهة عريضة للقضاء على داعش وبقية المسوخ الإرهابية، سواء رضيت السعودية وقطر بذلك أم لا.