كتبت – هناء محمد عبده :
فى جسم كل إنسان “ساعة بيولوجية” تسمح له بأن يعيش بصحة جيدة، وإنسجام تام مع بيئته، فيما إذا ضبط حياته مع عقارب الساعة في النهار والليل.. الشتاء والصيف.. سائر فصول السنة، هذه الساعة تنظم أجسامنا الحيوية والبيولوجية بشكل دقيق ومتوازن.
بعض الحيوانات تواصل حياتها نهاراً وأخرى تفضل الليل، أزهار أوراقها تتفتح فى النهار وتنطوي في المساء، أشجار تفقد أوراقها في الخريف، وتكتسي حلة جديدة في الربيع.. فالطبيعة تعبر عن الإيقاع، إن كان في النهار أو في الليل أو في أي فصل من فصول السنة.
لجسم الإنسان زمن من الحيوية والنشاط، وزمن للراحة ولأجل أن يكون الإنسان نشيطاً بالليل يتطلب منه ذلك بذل طاقة أكثر من النهار مما يجعل الإنسان مرهقاً في عمل الليل، ونحن نعيش جميعاً حسب إيقاعات الساعة البيولوجية أكثر أو أقل، وفي أعماقنا آلية متناغمة مع الساعة البيولوجية تتحكم بطريقة غذائنا ونومنا ونشاطنا الجنسي والجسدي والفكري والعلاجي، فالغذاء: الساعة البيولوجية تقودنا ببساطة إلى أن نختار حاجتنا الغذائية من أجل أن نحافظ على لياقتنا.
أوقاتنا مع الساعة البيولوجية..
* صباحاً: يجب أن يحتوي فطورنا أكثر على السكريات لنكون أكثر نشاطاً في النهار، فالسكريات السريعة تتحول مباشرة إلى طاقة، والسكريات البطيئة تسمح لنا أن نقاوم حتى الغداء، وأحياناً نحن نستهلك هذه المخزونات من الطاقة بسرعة، وعلى أثر ذلك نشعر ببعض الوهن والتعب حوالي الساعة الحادية عشر صباحاً، ويفضل في هذا الوقت بالذات تناول قطعة من الفاكهة أو عصير الفاكهة.
* ظهراً: الغداء يجب أن يكون وجبة أساسية تؤخذ نحو “الساعة الثانية عشرة أو الواحدة بعد الظهر”، إذ إنها تضيف إلى الجسم مزيداً من الطاقة، وتجعلنا نقاوم حتى المساء، وأهم محتويات هذه الوجبة: (لحوم – أسماك – خضار).
* مساءاً: أجسامنا لا تستهلك سوى القليل، يجب إذاً تلافى الأطعمة الغنية بالدسم والدهون، وتفضيل الخضار والفواكه، واحياناً بعض اللحوم البيضاء.
برمجة النوم على ساعتنا البيولوجية..
ساعتنا البيولوجية مبرمجة على إيقاع “أربع وعشرين ساعة”، وليس عن طريق الصدفة أننا ننام في المتوسط من “ثماني إلى عشرة ساعات” في اليوم (بعض الأشخاص ينامون أكثر، وبعضهم أقل)، وذلك بشكل متناغم مع حرارة الجسم والتي تنخفض ليلاً، وليس المهم إتباع ساعة معينة للخلود إلى النوم أو للإستيقاظ، لكن بكل بساطة، يجب أن نصغي إلى أجسامنا (إذهب إلى النوم عندما يكون لديك إحساس بالحاجة إلى النوم)، ولكن من المفضل لصحة الإنسان نوم الليل، حيث إن قسماً كبيراً من النوم في النهار يجعل الإنسان معرضاً للتعب، وأحياناً للإكتئاب.
النشاط الجسدي والأداء الفكري..
يكون في الصباح الباكر بين “التاسعة والحادية عشرة “، والتيقظ والذاكرة والتعلم والطاقة الجسدية تكون في أوجها، وبين “الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة ظهراً” حرارة الجسم تنخفض محدثة تعباً بيولوجياً طبيعياً، ومن “الساعة الرابعة عشرة إلى الساعة السادسة عشرة” فترة تعب بيولوجى أيضاً، ومن “الساعة السادسة عشرة والنصف إلى الساعة الثامنة عشرة” مرحلة جيدة من أجل الأداء الجسدي والتفكري، مساءاً من “الساعة الثامنة عشرة إلى الساعة الثانية والعشرين” حرارة الجسم ترتفع من جديد، وبالتالي عودة النشاط والطاقة، وليلاً من “الساعة الثانية والعشرين إلى الساعة الثالثة والعشرين” الشعور بتعب ومرحلة النوم والراحة تبدأ، إذاً النشاط الجسدي والفكري هو أفضل عندما تكون حرارة الجسم مرتفعة وبالعكس .
التكيف مع تغيير فصول السنة..
بتغيير فصول السنة يواجه الكثير منا الأرق والتعب بسبب عدم التكيف مع الظروف الوقتية الجديدة الطارئة عليه، فالبعض أثناء الفترة الدراسية إعتاد على الاستيقاظ مبكرًا والعمل بنشاط وحيوية، وعندما يهل فصل الربيع وما يصاحبه من بهجة وفرحة، ورغم المزايا العديدة لفصل الربيع إلا أنه مرتبط لدى الكثيرين بالشعور بالتعب والإرهاق ومشكلات الدورة الدموية، فتغيير درجات الحرارة يؤثر على الشرايين وضغط الدم. وتعد أولى أيام فصل الربيع هي الأصعب على الجسم إذ تحتاج الساعة البيولوجية لوقت للتأقلم مع طول النهار وارتفاع درجات الحرارة. ومن بعده فصل الصيف.
حيث الأجازة الصيفية لبعض الدارسين، تواجه مشكلة التكيف مع الوقت المستجد هذا، فلا يستطيع التحكم بنفسه من حيث السهر والأرق.. بالتالي الاستيقاظ متاخرًا وإحساسه بعدم الانضباط وأن هناك نوع من الخلل لا يدري كيف يعالجه ويستأصله من جذوره.
على الرغم من سهولة استخدام الساعات المنبهة لحل هذه المشكلة والتأقلم، إلا أنه أثبتت بعض الدراسات ضررها الفادح حيث تجعلنا نستيقظ بطريقة مفاجأة في حال أن الاستيقاظ طبيعياً بدون منبهات يتم بطريقة تدريجية، وتقول بعض الدراسات الحديثة أن المنبهات الصاخبة قد تؤدي إلى سكتات دماغية مفاجأة، مما يجعل استخدام ساعتنا البيولوجية أكثر أمانًا، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن نثق بها أكثر من الساعات المنبهة التي قد تخذلنا في بعض الأحيان، ولا تقف فائدة ضبط الساعة البيولوجية على إيقاظنا من النوم فحسب، إنما تجعل طريقة نومنا صحية وتضمن لنا عند الاستيقاظ شعورنا بأن المدة التى قضيناها في النوم كانت كافية، وذلك ما نفتقده في كثير من الأحيان.
نصائح تساعدك على ضبط ساعتك البيولوجية..
1 – ضع في دماغك الساعة التي تريد أن تستيقظ فيها.. حاول أن توصل إلى ساعتك البيولوجية الوقت الذي تريد الإستيقاظ فيه، وذلك من خلال التخيل البصري للساعة والتركيز على وقت الاستيقاظ الذي تخطط له وتأمل صوت المنبه الذي يدق في هذه الساعة وتكرار ذلك عدة مرات قبل النوم، إذا اعتقدت أن ذلك لن ينجح فتذكر كم مرة ضبطت ساعة المنبه لموعد مهم واستيقضت قبلها بدقائق، فإن ذلك لم يحدث بفعل الصدفة، إنما بسبب إقناعك لدماغك ضرورة الاستيقاظ في هذه الساعة.
2 – عرض جسمك إلى الضوء حال استيقاظك.. فكما قلنا سابقًا إن الخلايا العصبية التي تشكل الساعة البيولوجية تتأثر بالضوء والظلام، وتأثرها بالضوء يحفز الجسم على ضبط هرموناته المتخصصة باليقظة.
3 – حدد عدد الساعات النوم.. حدد عدد ساعات النوم التي تفضل أن تنامها في كل ليلة لتكون ما بين “5 – 10 ساعات”، وذلك طبقاً لطبيعة حياتك اليومية، حاول أن يكون عددها كافي ليأخذ جسمك الراحة المطلوبة وذلك حسب طبيعة نشاطك اليومي، مع العلم أن ذلك لا يؤثر على ضبط الساعة البيولوجية الخاصة بك، فالمهم هنا تحديدها وليس عددها.
4 – الحركة.. الإكثار من الحركة والمشي في ضوء الشمس يساعد في تنظيم إنتاج الهرمونات في الجسم ولاسيما هرمون “السيروتونين” الذي يرتبط إفرازه بضوء الشمس.
5 – التغذية الصحية.. الاعتماد على الفاكهة والخضروات والفواكه المجففة تساعد في التخلص من الشحوم التي جمعها الجسم في فصل الشتاء.
6 – قم بإطفاء جميع مصادر الضوء في مكان نومك.. إن الساعة البيولوجية ما هي إلا خلايا عصبية في الدماغ، يتم ضبط نشاطها من خلال التأثير عليها بعوامل خارجية من الضوء والظلام، كما يؤثر الظلام أيضًا على عقدة عصبية تقع خلف العين، فبمجرد خفض الضوء تقوم بتحفيز الجسم على خفض درجة حرارته، وبالتالي تنشيط هرمون “الميلاتونين” الذي يساعد على النوم، وقد نجد في ذلك تفسير منطقي للدراسات التي تقول أن معدل النوم عند الاشخاص قبل اختراع المصباح الكهربائي كان “10 ساعات تقريبًا”.