بعدما دخلت قوة بسيطة من الجيش التركي إلى الحدود العراقية وبالتحديد لمحافظة الموصل التي استولى عليها تنظيم داعش العام الماضي, ثارت ثائرة العديد من القوى السياسية العراقية المرتبطة بإيران وكذلك بعض الأحزاب السياسية والشخصيات الدينية والتي عرفت أيضا بولائها المطلق لإيران, ويضاف لذلك الرفض الإيراني لهذا الدخول العسكري التركي, كما اتفقت جميع تلك الأطراف والتي تسمى بمحور ” الممانعة والمقاومة ” وهي زائفة في حقيقة الأمر, اتفقت على تقديم طلب رسمي لروسيا بتوجيه ضربة عسكرية تستهدف القوات التركية.
وهذا الأمر كشف الإزدواجية التي تتمتع بها تلك الأطراف الإيرانية, فهم من جانب يرحبون بالتدخل الروسي في العراق وسوريا واعتبروه دعم وإسناد لمواجهة داعش, بينما في حقيقة الأمر كانت الضربات الروسية هي موجهة للشعب السوري البريء من الإنتماء لداعش, وفي الوقت ذاته اعتبروا دخول تركيا وبقوة بسيطة جدا تمثل ببضع العشرات من الجنود اعتبروه انتهاكاً وتماديا على العراق وسيادته ؟! وهذا التواجد هو من أجل توجيه ضربات لتنظيم داعش في الموصل وليس لتوجيه ضربات عسكرية نحو المدنين والأبرياء والمساكين العزل, كما تفعل روسيا في سوريا, وهذه قمة الإزدواجية والنفاق السياسي الذي يدل على مدى تبعية هؤلاء النفر الضال لإيران وسهرهم على خدمة مصالحها في العراق.
رب معترض يقول إن التدخل الروسي كان ضمن تحالف, أما الدخول التركي خارج نطاق أي تحالف وبدون شرعية, وفي حقيقة الأمر من يعترض بهكذا اعتراض فهو أما منقطع عن العالم ولا يسمع عن أخباره شيء, أو إنه ساذج وغبي ومسيس ومسير وفق ما يريده الإعلام الإيراني, ويرد عليه اعتراضه, لأن تركيا هي إحدى الدول التي شاركت في التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق وسوريا, والحكومة العراقية أعطت هذا التحالف حرية التحرك على أراضيها, وما يؤيد ذلك هو التواجد الأمريكي في معسكرات الحبانية وغيرها من مناطق, كما إن الحكومة العراقية كانت على علم بهذا الدخول العسكري وجرى وفق تنسيق معها بحسب ما أعلن عنه رئيس الوزراء التركي احمد داود أوغلو, حيث قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة ” trt ” أن بلاده نسقت مع الحكومة الاتحادية بشأن الجنود الأتراك المتواجدين في الموصل, وهذا ما يعطي شريعة للتدخل التركي كما هو حال روسيا وإيران.
وهناك عدة إستفهامات تثار وهي؛ قبل دخول داعش لأرض العراق و كانت القوات التركية قد دخلت وتغلغلت في الأراضي العراقية ورافقتها طلعات وضربات جوية, وكان هذا الدخول مبرر بمقاتلة حزب العمال الكردستاني الذي اتخذ من شمال العراق مقرا له, ولم ينطق أي سياسي أو مسؤول حكومي أو أي دولة ببنت شفة!! فلماذا عندما دخلت تركيا إلى ارض العراق وبنفس الحجة التي دخلت بها القوات والمليشيات الإيرانية, وبنفس الحجة التي دخلت بها القوات الروسية وبنفس الحجة التي دخلت بها القوات الأمريكية والفرنسية ووو باقي الدول وهي محاربة داعش, فلماذا تعالت الأصوات الآن وأخذت الجهات الموالية لإيران تتكلم عن السيادة العراقية ؟! وماذا سيكون رأي المعترضين لو كانت تركيا ضمن محور ” المقاومة والممانعة ” أي مع روسيا وإيران ؟!, فلماذا سكتوا سابقا واعترضوا الآن على الرغم من إن العالم كله تدخل بالعراق بالحجة ذاتها ؟؟!!.
وإن كان الحديث عن سيادة العراق وحرمة أراضيه فلماذا الكل التزم جانب الصمت حيال الانتهاك العلني والصريح من قبل إيران لأراضي العراق وتحكمها بعمليته السياسية؟ لماذا اتخذ الجميع جانب الصمت حيال ما قامت به المجاميع الإيرانية التي وصل تعدادها بالآلاف بل بالملايين بالتعدي على الحدود العراقية في معبر زرباطية في أيام الزيارة الأربعينية, وترك الآلاف من الأفغان يدخلون حدود العراق بدون تأشيرة دخول بل إن بعض القيادات أخذت تبرر لهم وبعضهم الآخر راح يدعي كذباً انه تم ردع هؤلاء ؟؟! بينما يطلب من النازح والمهجر العراقي وهو في بلد أن يوفر كفيل ويقدم ضمانات كي يدخل إلى محافظة آمنة, ومن يدخل إلى المحافظات الآمنة تطاله يد الإرهاب المليشياوي الدموية أو على أقل تقدير يتم تهديده بالقتل إن لم يغادر تلك المحافظة !!.
وذلك من أجل ترسيخ قواعد إمبراطورية إيران الفارسية وتوسعتها في العراق خصوصاً ودول المنطقة بشكل عام, مستخدمة في ذلك أي وسيلة من اجل تحقيق غايتها, ومن أهم تلك الوسائل هو الضرب على الوتر الطائفي, ومحاولة تغيير خريطة العراق من الناحية الديموغرافية, وهذا ما أكد عليه المرجع العراقي الصرخي في حوار خاص مع صحيفة ” بوابة العاصمة ” حيث قال فيه …
{{…إن قضية اللاجئين والنازحين الأنباريين وغيرهم ومنعهم من دخول بغداد والمحافظات الأخرى و طرد من دخل منهم إلى بغداد والمحافظات الأخرى وإرتكاب كل القبائح والفضائح والجرائم لمنع ذلك والأسباب معروفة وواضحة وعلينا أن لا نغفل عنها ولا يفوتنا التذكير بها وهي أن إيران صاحبة المشروع الإمبراطوري الذي عاصمته العراق تعمل منذ الأيام الأولى للإحتلال وقبل جريمة تفجيرها لمرقدي الإمامين العسكريين في سامراء وإفتعالها للمعركة والحرب والإعتداءات الطائفية الأولى عام 2006 فإنها تعمل على إبتداع وتأسيس ووضع خطوط دفاعية متعددة لحماية حدود إمبراطوريتها المزعومة وأهم خط دفاعي إستراتيجي عندها هو التغيير الديموغرافي المجتمعي على الأرض محاولةً إبعاد كل ما يحتمل خطره عليها وعلى حدودها ومشروعها ولهذا فهي تسعى بكل جهد من أجل إفراغ المحافظات الوسطى والجنوبية إضافة لبغداد من إخواننا وأهلنا السنة حيث يعتبرونهم إرهابيين أو حاضنة للإرهابيين من قاعدة ودواعش وبعثيين وصداميين وعروبيين وقوميين معادين للمشروع الإمبراطوري الإيراني فلابد من إبعاد هذا الخطر وقطع دابره من الأصل ويكون ذلك من خلال تخويف وإرعاب وترويع أهل السنة وتهجيرهم من تلك المحافظات كي تأمن الجبهة الداخلية لهذه البقعة من بقع الإمبراطورية وعاصمتها العراق !!! }}.
لكن في حقيقة الأمر إن دخول هذه القوة العسكرية التركية البسيطة كشف حقيقة الهيمنة والسيطرة الإيرانية على العملية السياسية في العراق, وإن السياسيين والقياديين في العراق بما فيهم من رموز دينية لا يستطيعون الخروج عن الإرادة الإيرانية التي جعلتهم يأخذون على أبناء بلدهم تعهدات خطية وكفلاء وضمانات وفي الوقت ذاته يفتحون أبواب الحدود على مصراعيها أما المحتل الإيراني, كما كشف للجميع إن إيران ومن دار في فلكها لا يريدون القضاء على داعش بل يريدون لتواجده أن يطول بشكل يخدم مصالحهم ومخططاتهم التوسعية في العراق.