يهدف هذا المقال الى عملية كشف دلالة الصلة بين زاوية
الشاعر و منظور التلقي القرائي لشعرية أسئلة القصيدة في ضوء من المألوف و المستحدث من أعراف بنيات القول الشعري و نظمه . و إذا كان النقد القديم قد أهتم بالوظيفة الشعرية من حيث مرجعها و قائلها و إبانة الخصائص القولية حول محورها الجيد و الرديء ، فأن الميل اليوم هو الى إبراز موقع و مواطن التلقي في مساحة العملية الابداعية حيث صارت في عهدنا و عصرنا محض هواجس قرائية لا تقود سوى الى الفراغ النقدي لدى نقاد القصيدة و الشعر إجمالا ، و من عوامل تفكيك بنية النص أضحى الأمر شرطا مفروغا منه بمصاحبة المدونة النقدية القديمة وفي سياق شروطها التاريخية التي لا تخلو من عاملية التقويم و زرع التواريخ في قوائم باردة من المصادر و الموارد . من اللافت إن وظيفة التقبل للرسالة الشعرية أصبحت اليوم استجابة نفسية و خلقية مركونة في زوايا اللاقراءة و اللاتأثر تماما . و اللافت للانتباه أيضا إن الوظيفة التأثيرية ظلت و في أغلب النصوص الشعرية محتجبة وراء سلطة تأثيرية الأنا للشاعر النفسية تحديدا . فكان الأمر بهذه الإبانة و دون الإيغال بالقول من إن النقاد القدامى أدركوا إدراكا شديدا بوظيفة التلقي و أنما من جهة هامة قد بذلوا قصارى جهودهم الى إبراز ما قد أشاروا إليه من موقعية المتلقي نفسه من سياق تحديداتهم لماهية طبيعة سياق القصيدة من آلية الإبداع و القراءة و فيما يحكمها من جدل يتم من على أساسه انبناء عناصر القول الشعري و مقوماته و شروطه .
لذا سوف نسعى هنا ما وسع الجهد الى الإستفادة من المنجز النقدي الحداثوي في عملية تفكيكه لعالم القراءة الشعرية و شروط التحاور مع موضوعية الأدوات النقدية ، و ذلك بسبب من إن غايتنا من كل هذا تعود لماهية الكشف عن ما اسماه ( ايكو ) في كتابه حدود التأويل ب ( استراتيجية القراءة ) أو ما اصطلح عليه ( يوس ) بجمالية التلقي . إن عملية التلقي الشعري بوجه خاص و عبر مفهومها الجمالي المغاير ، تعني عملية ذات وجهين ، إذ تشمل الأثر الذي ينتجه العمل الشعري و بطريقة تلقيه من قبل القارىء و يمكن للقارىء بدوره من أن يستجيب
للعمل بعدة أشكال مختلفة : فقد يستهلكه أو ينقده أو يعجب به أو يرفضه أو يتمتع بشكله و يؤول بمضمونه وتبني تأويله أو يحاول من وراءه تقديم تأويل جديد قد يمكنه أخيرا من أن يستجيب للعمل بأن ينتج بنفسه عملا شعريا جديدا . أن توظيف هذه المعارف في قراءة عوالم ( أسئلة القصيدة )
سيتيح لنا إعادة صياغة أسئلة الشعر إجمالا و في ضوء معرفتنا بنصوص الشعر النموذجية ، و لا شك أن الوعي الشعري في أوجه هذا التمايز و التكامل يعد علامة بارزة و كفيلة في الوقت نفسه بإرجاع كل موقف الى سياقه المخصوص و كل رأي الى مضانه دون أسقاط الماضي على الحاضر أو تأويل الحاضر بالماضي . إن هذا الوعي الشعري هو دائما في نظرنا شرطا من شروط تحديث
أسئلة القصيدة الحديثة كما إن مسألة التلقي أو مستوى أسئلة القصيدة لا يمكن الإحاطة بها دون وحدة تقنية تحليل موقعية القارىء في الخطاب كما أفادتنا به نظريات التحليل الشعري الحديث عند (جينات ) و ( تودوروف ) و أنما هي مسألة تتجاوز ذلك الى أعتبار أن القارىء هو شبكة من الذوات ( ذات قارئة ) و ذات محكومة بشروط ثقافتها السياسية و التاريخية .. فهي بهذا المعنى ذات متعددة الأصوات و الوظائف و أشكال الحضور ، تقرأ بقدر ما تشاهد و تشاهد بقدر ما تسمع و تبدع بقدر ما تحاور ، و تحاور بقدر ما تملك من حرية . و حضور القصيدة في عوالمها الشعرية ظلت محكومة داخل اطارية خاصة من الرؤية حيث تتوزعها ثمة مستويات مختلفة من وقائع خرائطية
التلقي عند القارىء .. و تبعا لهذا الأمر سوف يظل السؤال يطرح نفسه و يدور حول ظاهرة أسئلة القصيدة من عصر ثقافة المشافهة الى عصر ثقافة الكتابة : ــ فهل الشفوي أي هو أصل عملية التلقي في النص الشعري ؟ أم إن ثقافة الكتابة هي الأصل ؟ إذ من الأرجح القول هنا إن لدينا من خلال الدراسات النقدية المتعلقة ببنى صناعة القصيدة ما يؤكد بأن سياق التلقي كان يعتمد في اتصالاته المعرفية ببيانات من الثقافة الكتابية و ليس الشفاهية . فالكلام الشفوي على حد تقدير تلك الدراسات يجيء في المرتبة الثانية من عوالم نظرية التلقي أما فيما يتعلق بالكتابة الثقافية و اسئلة القصيدة موضوع البحث فأنها ليست بأكثر من بؤرة تماثلات أخذت لذاتها جل التكامل ضمن حدود و شروط تسجيلية ذاكرة النوع القرائي . فعملية التلقي هنا و أسئلة القصيدة ليست مجرد مقولة تجويدية بل أنها بمثابة الاستنطاق للمجهول و المغامرة فيه ، كما هي أيضا أي مستويات التلقي عملية انصات للمحتجب من أسئلة تحاور القصيدة في بحثها الدؤوب في كيانية المقروئية الذاتية المسموعة و المرئية .