يبدو واضحا و جليا لمتتبع حركة التاريخ بان هذا السجل الضخم من الإحداث و الانعطافات التي توالت على العالم العربي بأنها تكرر إيقاعاتها المتشابكة رغم التباين الكبير بين الأحداث وأزمنة وقوعها إلا أني اخترت نموذجا منها يحمل الكثير من التناقضات التي تسيطر على العقليات التي خلفت هذا الإرث السيئ الذي وصل إلينا طوفانه المدمر عبر التاريخ لنقطف ثماره المر في عصرنا الحالي.. و كي نبدأ بإجراء مقارنات بين العقلية التي تمخضت عنها قيام حركة الخوارج التي انسلخت عن الكيان الذي كان يضمها إلى بعد أن دب الخلاف داخل جيش الخليفة الرابع سيدنا علي بن أبي طالب (رض) و هؤلاء حول التحكيم و تداعياته الخطيرة ..وهو يعتبر أول تمرد و انشقاق عسكري في التاريخ العربي إذا ما استثنينا تحرك أهل مصر ضد عثمان بن عفان آخر أيام خلافته التي أدت إلى مقتله فكان من تداعياتها الخطيرة سقوط هيبة ألدوله ألمتمثله بالخليفة و تجرأ العوام على شخص الخليفة نفسه وامتدت آثارها حتى الخلافة الراشدة الرابعة. و للوهلة الأولى يبدوا بان الخلاف كان عقائديا بامتياز بسبب اعتراضهم على ألطريقه التي اتبعها سيدنا ( علي بن أبي طالب ) بإدارة ألازمه الناشبة آنذاك .. فهؤلاء الخوارج قتلوا ( خبابا ) وزوجته الحامل بدم بارد ربما هم اعتبروا قتلهم للرجل و من معه رفعة للإسلام والمسلمين!! لأنهم حكموا عليه بأنه مارق يستحق ذلك العقاب لخروجه عن تعاليمهم المتشددة لكن أكل بلحه ساقطة خارج سياج البستان كان في نظرهم من المحرمات !!. و يبدو لي أن التطرف الديني و محاولة فرض العقائد على الآخرين ومبدأ( كل من ليس معي فهو ضدي) ابتدأت شرارته منذ تلك ألحادثه من حيث الجوهر لا التفاصيل .. و أيضا من هنا نشأت حركات التطرف والغلو التي لعبت دورها هاما و رئيسيا في أثارت الفتن و حركات العصيان المسلح و محاولاتها المحمومة لتفكيك الجسد العربي الإسلامي و تشويه الحقائق و تزوير التاريخ و العبث بالإرث الحضاري العربي من خلال ممارسة أنماط غريبة وغير مألوفة وإيجاد مناخات مفتعله للتحرك داخلها و دق الأسافين بين بقية المكونات ألطائفيه والدينية و ألقوميه داخل المجتمعات التي تنمو فيها.. والحقيقة ألمؤلمه حقا بان هذه الحركات دائما ما تجد لها حواضن داخل المجتمعات التي تنشأ وسطها لتبدأ بالتمدد خارجها بكل الاتجاهات مستغلة الدعم اللوجستي الكافي لمزاولة أنشطتها و دائما ما يكون إدراك خطورة هؤلاء بعد فوات ألفرصه و يكونوا هم قد رسخوا تواجدهم بقوه و فرضوا فكرهم بشكل قسري بدس أنوفهم بأدق تفاصيل حياة الفرد و إصدار الفتاوى والعبث بنظم الحياة السائدة قبل تسللهم في غفلة من الزمن لتكون الظروف مناسبة لممارسة عبثهم .. و ألمشكله بأنهم يكونوا القضاة والجلادين ليعطوا أنفسهم السلطة ألمطلقه خارج دائرة القانون السائد في البلد . و غالبا ما تكون العقوبة لا تنسجم مع الجرم.. قال خبابا رأيه فكانت عقوبته القتل . و بلحة الخارجي كانت من المحرمات !!!…