نعم .. لا نقول وداعا ، لأن كلمة (الوداع) سمجة وغير مستحسنة ، وثقيلة على اللسان ، فلا نحبذ أن نقولها بحق فاطمة المرنيسي ، تلك المرأة المتنورة ، والكاتبة المغربية ، والمصلحة الاجتماعية ، والمدافعة الكبيرة عن قضية المرأة حيث طالبت بتحررها من ربق عبودية الرجل وعبودية النص الديني الذي فسره رجال الدين واولوه بحسب ذهنينهم وعقليتهم الساذجة ، ولا يزال صدى هذه العبودية بين الاوساط الدينية قائما على قدم وساق ، فعلى الرغم من التطور الملحوظ الذي ظهر من المرأة على كافة الاطر العلمية والتقنية والثقافية والانسانية ؛ الا أنها لا تزال مطاردة ومتهمة ، وبالخصوص في المجتمعات الاسلامية ، فهي لا تتحرك الا بامر الرجل ، زوجها ، او اي محرم ، وان خرجت من دون علم زوجها فقد لعنتها الملائكة والناس اجمعين ، بحسب النصوص الدينية .
نعم أن رحيل المرنيسي يُعد خسارة كبيرة على الاوساط الثقافية والتنويرية والادبية ، لكن ما تركته من نتاج ذهني ومعرفي ثر لايمكن بعد ذلك نعتبرها غائبة عن الوجود ، بل هي حاضرة من خلال هذا النتاج لمن يريد أن يستحضر المرنيسي الكاتبة والانسانة .
*مولد المرنيسي ونشأتها
ولدت فاطمة المرنيسي عام ١٩٤٠ في فاس ، وترعرعت في أوساط عائلية واجتماعية بورجوازية محافظة ، وكانت عائلتها مقربة من الحركة الوطنية المناوئة للاستعمار الفرنسي ، وعاصرت في طفولتها ظاهرة “الحريم” في بيوت الطبقة الغنية في فاس .
وحينما شبت وترعرعت درست وتعلمت في الرباط ، قبل أن تنتقل إلى فرنسا ثم إلى أميركا لاستكمال تكوينها العلمي . ودرست العلوم السياسية في جامعة السوربون في فرنسا ، وحازت على شهادة الدكتوراة. حتى اهتمت في كتاباتها بالإسلام وتطور الفكر الإسلامي ، والمرأة والتطورات الحديثة التي يشهدها العالم اليوم .
وقد عملت باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط ، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس بالرباط)، وعضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة. وقامت بتأسيس جمعية من أجل حقوق المرأة تحت اسم “قوافل مدنية”، وقامت بأسهامات اخرى كإطلاق تجمع “نساء، أسر، أطفال”.
تُرجِمت كتب فاطمة المرنيسي إلى أكثر من ثلاثين لغة وحصلت على جوائز متنوعة عالمية لقاء أعمالها ، بما فيها جائزة إيرازموس الأوروبية وجائزة أمير أستورياس الأسبانية.
وعملت أستاذة جامعية في جامعة محمد الخامس بالرباط ، كما كانت عضوَا في مجلس جامعة الأمم المتحدة ، وقد حصلت على الكثير من الجوائز الأدبية في مسارها ، منها جائزة الأمير أستورياس للأدب ، التي تعد أرفع الجوائز الأدبية في اسبانيا.
حلقت إلى جامعة السوربون ، لنيل الإجازة الدراسية في علم الاجتماع ، وقررت منذ البداية ، أن تنصب نفسها للدفاع عن حقوق المرأة وتحررها، وحريتها الشخصية ، وحرمة وكرامة النساء عموما، في عالم عربي مطبوع ، بسيادة المجتمع ألذكوري ، المعتمد على إقصاء المرأة ، المعتبرة عورة وقاصرة ومبتورة ، إلا أنها مثيرة للشبق.
وقد ركزت معظم إسهاماتها على مقاربة التأطير الديني لمكانة المرأة ووظيفتها ، وذلك من خلال التناول المباشر للنصوص الإسلامية ، أو من خلال نقد الأدبيات الفقهية ذات الدور الحاسم في إنتاج القوانين الوضعية وتكريس الأطر الاجتماعية المحددة لوضعية المرأة العربية المسلمة.
ومضت في طريقها الى القول بوجود فجوة بين النص الديني -الذي رأت فيه إطارا متقدما لحرية المرأة- والواقع التاريخي الذي اتخذ منحى تراجعيا تقييديا في عصور ما بعد النبوة ، وقد تَجَسّد هذا التوجه في أبحاثها حول الجنس وتوزيع السلطة في الفضاء الاجتماعي، ودور المرأة في التاريخ الإسلامي .
ترجمت رسالتها الدكتوراة وعنوانها “وراء الحجاب” والتي نشرت عام 1975 إلى ثلاثين لغة ، وتعد اليوم عملاً مقياسياً في بحوث النوع الاجتماعي بين الثقافات ، من الولايات المتحدة إلى ماليزيا. ويعدّ عملاً آخر لها عنوانه “الحجاب والنخبة الذكورية” والذي نشر في فرنسا عام 1987 كذلك عملاً كلاسيكياً.
*تراثها الفكري والادبي
تركت لنا فاطمة المرنيسي نتاج فكري وادبي يمكن له أن يشارك مشاركة فاعلة في ديمومة الثقافة العربية المتجددة والفكر التنويري الذي ينبذ الافكار القديمة البالية والتي اكل الدهر عليها وشرب ، وهو :
1-“ما وراء الحجاب”.
2- “الإسلام والديمقراطية” .
3-“هل أنتم محصنون ضد الحريم”.
4-“سلطانات منسيات”.
5-“أحلام النساء الحريم” .
6-“شهرزاد ليست مغربية”.
*نبأ رحيلها الذي نشرته العديد من وسائل الاعلام ، جاء فيه:
توفيت صباح امس الاثنين (30/11/2015) ، عن عمر ناهز 75 عاما، الكاتبة والسوسيولوجية المغربية فاطمة المرنيسي . ولدت المرنيسي عام 1940 في مدينة فاس بالمغرب ونشأت في بيئة اسلامية محافظة ، فتعلمت وحصلت على عدة شهادات اكاديمية ، وعملت في جامعة الرباط . تابعت دراستها بالرباط ثم فرنسا فالولايات المتحدة ومنذ ثمانينات القرن الماضي أصبحت مدرسة في جامعة محمد الخامس بالرباط .
وتعد فاطمة المرنيسي كاتبة متميزة ومتفردة من خلال ابحاثها في علاقة المرأة وأثرها في المسائل والقضايا الاجتماعية الساخنة والمحورية. وقد تغلغلت في مساحات الممنوع والمحظور والمحرّم وطرحت آراء فكرية مختلفة ومغايرة اثارت جدلاً ونقاشاً حاداً وعنيفاً بين مؤيد لطروحاتها من التنويريين الجدد ، ومعارض لأفكارها من جماعات التكفير وقوى التعصب الديني.
لفاطمة المرنيسي عدد من الجهود البحثية والمنجزات الكتابية والمؤلفات في حقل الفكر والبحث العلمي والتاريخي أبرزها “الجنس، الأيديولوجيا والاسلام، الجنس كهندسة اجتماعية ، السلوك الجنسي في مجتمع اسلامي رأسمالي، ما وراء الحجاب، السلطانات المنسيات، الحريم السياسي، هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟ وشهرزاد ليست مغربية أو الغرب.
تحاول فاطمة المرنيسي ، في بحوثها ودراساتها، معالجة مشكلة المرأة بجدية وجرأة غير معهودة ومألوفة ، وهي تقف في وجه حجاب العقل وتأتي بآراء وأفكار وتفسيرات واستنتاجات اعتماداً على مصادر تراثية كثيرة . وتشير المرنيسي الى تزايد الخطابات الفكرية حول الساعية والرامية الى تغييب الخطاب العلمي التاريخي الذي يمكن المرأة العربية والاسلامية من النهوض والتطور والظهور بصورة أفضل وأحسن.
تهتم كتاباتها بالإسلام والمرأة وتحليل تطور الفكر الإسلامي والتطورات الحديثة. بالموازاة مع عملها في الكتابة تقود كفاحا في اطار المجتمع المدني من أجل المساواة وحقوق النساء، حيث أسست القوافل المدنية وجمع “نساء، عائلات، أطفال”. في ماي 2003 حصلت على جائزة أمير أستورياس للأدب مناصفة مع سوزان سونتاغ .