في أكثر من مرة .. ظهر السيد العبادي والبعض من أفراد حكومته ومستشاريه وهم يصرحون بان إيرادات الموازنة الاتحادية الفيدرالية لا تكفي في وضعها الحالي لتغطية نفقات الموظفين التي وصلت إلى 50 تريليون دينار كل عام ، ولو رجعنا إلى لغة الأرقام لوجدنا إن عدد الموظفين قبل 2003 لم يتجاوز عددهم المليون ونصف ، ولكنه ارتفع حاليا لأكثر من أربعة ملايين مما يعني إن الثلاثة مليون أو أكثر هم من ولادة العملية السياسية ( الجديدة ) التي كان جزءا منها الدكتور العبادي تنفيذيا كوزير أو نائبا في مجلس النواب لدورتين ، وهذا العدد المتزايد من الموظفين تم تعيينهم بأسس متباينة تتراوح بين المشروعية وغير المشروعية ولا يزال الوضع مستمرا لحد اليوم ، لغياب المعايير الصحيحة للتعيين في اغلب الأحيان وعدم مباشرة مجلس الخدمة الاتحادي الذي من واجباته تنظيم الوظيفة العامة من حيث الاختيار والترقية وغيرها من الأمور المتعلقة بأمور الموظفين ، ورغم قناعة الجميع بترهل الجهاز الإداري الحكومي والتشكيك في نزاهته فان تبعية ذلك لا تقع على عاتق الموظفين وإنما بالجهات المسؤولة عن إدارة الجهاز الإداري الحكومي فالوحدة بآمرها كما هو معروف ، واغلب الوظائف القيادية من درجة مدير عام فما فوق تدار بالوكالة .
إن أسباب اعتماد هذه المقدمة ، يعود إلى اطلاعنا على سلم الرواتب الذي أصدره مجلس الوزراء وتم إدخاله إلى حيز التطبيق ابتداء من بداية الشهر الحالي ، فهذا السلم غير مقنع من حيث أهدافه المعلنة إعلاميا وإصداره يشكل مخالفة قانونية لتعارضه مع نصوص المادة 3 من القانون 22 لسنة 2008 المعدل ، وصدوره يشكل ضعفا في الصياغة لأنه أشبه بالخبر الصحفي ويمكن التأكد من ذلك من خلال الرجوع إلى قرار مجلس الوزراء 366 المنشور في العدد 4385 من جريدة الوقائع العراقية التي نشرت هذا ( القرار ) ، لقد كان الهدف من إصدار هذا السلم هو إقحامه كأحد فقرات الإصلاح التي باشر بها السيد رئيس مجلس الوزراء ولكنه لاقى رفضا كبيرا من قبل المتظاهرين الذين طالبوه بالإصلاحات ، كما اعتبر هذا السلم غير موفق من وجهة نظر أغلبية الموظفين بحيث تحول هذا السلم إلى حالة يتندر بها الموظفون ويعدونها واحدة من المزح الحكومية ، فقد تسبب السلم إحداث الضرر بأغلب الموظفين فالشرائح التي يدعون استفادتها من السلم لم تلمس فروقا في رواتبهم لان الزيادة الطفيفة لا تداوي الجروح الكبيرة ، ولعل من الأمور التي أثارت سخط البعض هو الإصرار على تطبيق السلم من بداية تشرين الثاني رغم تأخر وروده للوزارات .
ويعتقد بعض الموظفين إن اللجنة التي شكلها العبادي لوضع هذا السلم لم تكن موفقة في صياغته بالشكل الصحيح ، وهناك من يعتقد إن هناك العديد من الحقائق التي لم يتم عرضها على دولة رئيس مجلس الوزراء من حيث الالتزامات التي بذمة العديد من الموظفين ، ونعتقد انه كان من المناسب أن تقوم ( اللجنة ) بعرض نماذج لما سيؤول إليه تطبيق سلم الرواتب لشرائح من الموظفين ، فهناك من ينقل صور مشوشة للمسؤولين بان الموظفين يعيشون وضعا خياليا من حيث مستويات الدخل ، والحقيقة ليست كذلك في كل الحالات لان هناك نسبة كبيرة من الموظفين لا تكفي رواتبهم لسد متطلبات الحياة كما إن هناك من يعتقد إن السلم كان موجه لشرائح محددة ولكنه شمل الكل فتضرر الكثير ، وقد التمست إحدى السيدات العراقيات بعرض تفاصيل راتبها الحالي من حيث الاستحقاقات والاستقطاعات وصافي الراتب الشهري ، ويتضح من خلاله إن هذه السيدة تستلم 133 ألف دينار شهريا وهي أرملة وأم لأربعة أبناء وقد تزوجت احد أقاربها كي يساعدها في تربية أبنائها وهو شبه عاطل ولا يتقاضى راتبا حكوميا ، وحسب سلم الرواتب الجديد فان هذه السيدة ستكون ملزمة بتسديد 11 ألف دينار شهريا لان الراتب والمخصصات لا تكفي لتغطية الاستقطاعات , واليكم تفاصيل راتب واستقطاعات هذه السيدة علما بأنها لو تستلف لشراء عقار لاضطرت لدفع الإيجار :
الاستحقاقات
الدرجة الوظيفية : الخامسة المرحلة : 11
العنوان الوظيفي : رئيس كتاب طابعة
الراتب الاسمي : 590 ألف
م . الزوجية : 50 ألف
م. شهادة 15% : 88.5 ألف
م. إدارية 30% : 177 ألف
مجموع الاستحقاق : 905.5 ألف دينار
الاستقطاعات
توقيفات تقاعدية : 59 ألف
الضريبة : 41.733 ألف
فرق الضريبة : 41.733 ألف
هيئة الحماية : 25.992 ألف
مصرف الرشيد : 597.327 ألف
الحماية الاجتماعية : 1.475 ألف
مجموع الاستقطاعات : 767.26 ألف دينار
الراتب الصافي : 133.239 ألف دينار
ويلاحظ من خلال الاستقطاعات التي تستوفى من الرواتب إنها أصبحت تشكل عبئا كبيرا على عموم الموظفين ، إذ يتم استقطاع 10% من الراتب كتوقيفات تقاعدية واستقطاعات لضريبة الدخل مرة عن الشهر المعني ومرة عن فروقات الضريبة للأشهر الماضية لان قرار الضريبة قد صدر بأثر رجعي ، كما إن هناك استقطاعات جديدة بأثر رجعي أيضا لحساب الحماية الاجتماعية ولا نعلم ما هي علاقة الموظف بالحماية الاجتماعية ؟ فهل يعقل أن تمنح الدولة مبالغ للحماية الاجتماعية وتستقطع جزءا منه للحماية ؟ ، علما بان الموظفة التي عرضنا حالتها في أعلاه تتقاضى راتبا اقل مما يتقاضاه المشمول بالحماية الاجتماعية رغم إنها تؤدي مهامها الوظيفية طيلة الشهر وليست فضائية ، أما بخصوص قروض المصارف للموظفين فإنها مهزلة بالفعل ، فقد قام مصرفي الرافدين والرشيد بإقراض الموظفين بما يعادل 100 راتب على أن لا يزيد المبلغ للبعض عن 50 مليون دينار ويتم استقطاع القرض خلال 10 سنوات بفائدة 8% سنويا ، وعند عدم قيام الموظف بشراء عقار خلال 6 أشهر من استلامه القرض وعدم تقديمه لسند الملكية للعقار الجديد فان المصرف يقوم بإضافة فائدة أخرى بنسبة 2% ، ما يعني إن الموظف سيكون ملزم بتسديد مبلغ 100 مليون دينار بعد مرور 10 سنوات عن قرض مقداره 50 مليون دينار وبذلك تكون نسبة الفوائد 100% من القرض .
ويأمل الموظفون بان تقوم الحكومة بالعدول عن قرارها بخصوص تطبيق سلم الرواتب الجديد من خلال التريث فيه حتى إشعار آخر نظرا لما يمثله من حيف عليهم ويسبب الأذى المادي لهم ، إذ ليس من العدل أن تبقى الرواتب على ما هي عليه للسنوات 2008 – 2015 رغم ارتفاع سعر برميل النفط في حينها من 40 دولار للبرميل إلى 140 دولار وما يعنيه ذلك من تضخم في الأسعار عالميا ومحليا ، وحين انخفضت أسعار النفط لم تجد الحكومة غير الرواتب لتخفيضها رغم مخالفة هذا التغيير لجميع المعايير القانونية والمعيشية والمسؤولية الاجتماعية ، ونشير بهذا الخصوص إلى إن توقف احتجاجات الموظفين على قرار إصدار سلم الرواتب لا يعني الرضا عنه قط وإنما جاء من باب الوعي لعدم إشغال الدولة وترك الفرصة لها لتفادي الأضرار بعد تعرض مناطق عديدة للغرق بسبب الأمطار ولانشغال الكثير بشعائر شهري محرم وصفر ، ولا نطرح هذا الموضوع تعاطفا مع الموظفين وإنما لغرض الحد قدر الامكان من تداعيات تطبيق هذا السلم من حيث اضطرار الكفاءات الوطنية للهجرة إلى الخارج أو للإحالة إلى التقاعد ، واحتمال ظهور حالات غير مرغوبة ومنها إيجاد المسوغ للبعض في ممارسة الفساد الإداري والتقاعس عن أداء المهام الوظيفية كرد فعل عن الشعور إن الحكومة لا تقوم برعاية الموظفين ، فهناك من يعتقد إن سلم الرواتب يحمل غايات مبطنة عنوانها ( عجج وهجج ) كما انه يطرح تساؤلات عريضة مفادها ماذا أعطيتم لكي تأخذون ؟! .