كثيرٌ من الناس يعتقدُ أنَّ الدماغ ( كمادة) يحتوي على العقل وهذا الخطأ الشائع حوَّل البشرية الى طبقات وانتشرت العبودية والظلم والاحتلالات بين الحضارات وقتل الملايين من البشر وتغيير السلالات الإنسانية على نطاق واسع .. ولو كان العقل مادة لما إنتشرت الأمراض النفسية والعقلية ومن بينها الجنون ( عافاكم الله ) .. العقل تكوين روحي وهدية يمنحها الله جلَّ في علاه الى الإنسان تتوازن مع إختياره من الخالق من بين مليارات التكوينات الفسيولوجية الأخرى وهو أمرٌ علميٌ معروف لكنه معقد .. العقل مراتب ودرجات ومن بينها عقول الرسل والأنبياء التي تتميز بالإستثناءات والعلماء والمكتشفين ثم تصل الى عقول العامة التي نحنُ من بينها بطبيعة الحال .. والبعض يعتقد أنه عاقل بعد حصوله على شهادةٍ أو منصب أو مال أو تميز إجتماعي لكنه سيتحول الى غير عاقل بمجرد ارتكابه لخطأ حددته الديانات البشرية والأعراف السائدة والتقاليد المتوارثة .. لعلَّ من أشدها فتكاً وضراوةً هو الجبن والعرب يقولون ( أم الجبان لا تفرح ولا تحزن ) أي أنها مطمئنة أنَّ إبنها لا يمتُّ الى الرجولة بصلة ! والجبن قرينٌ بالبخل مع فروقات بسيطة بين الطرفين يُضمرها البعض خوفاً من إنتقادات الناس له .. وقد لاحظتُ أنَّ الجبن إنتشر بشكلٍ خطير بين صفوف أبناء الأمة وبخاصة في الآونة الأخيرة وكانت الحجة الكبيرة والسبب هو الخوف من الموت الذي يعد الوباء الكبير لشبابنا وشاباتنا وإحتيارهم ورهبتهم من العقاب المجهول أو عقاب الآخرة ، ماأدى الى ظهور أجيال متعاقبة من المنافقين أو من يضمرون شيئاً وهو يقدم للمجتمع شيئاً مناقضاً آخر ..
القرآن الكريم وضع حلولاً واضحة فُسرت بأوجه مذهبية وعقائدية متعددة فيما يتعلق بالجنة والنار فكل المسلمين يتمنون دخول الجنة والأديان الأخرى كذلك .. لكنَّ داخلهم يؤمن بشيءٍ آخر وهو الرعب من النار بعد سلسلة التنظيرات التاريخية والفلسفية لعددٍ من المفكرين ، لم يتوصلوا فيها الى وضع حلٍ حاسمٍ لهذا الموضوع فاستبدلت غالبية المسلمين وجه الشجاعة والجرأة والإقدام الى عملٍ في الخفاء ورميٍ للحجارة بين بعضنا من وراء الجدران !
بمعنى آخر لا يوجد بين شعوب المسلمين الآن من يجد حلولاً حاسمة لأمور تقف حائلاً بينه وبين إتخاذ قرارات مصيرية .. غالبية العلماء يصرون على أنَّ مرتكب الكبيرة اذا مات ولم يتب فهو كافر ويخلد في جهنم وأقلية أحالت الحكم عليهم الى مابعد الموت ثم أتى المعتزلة ليضعوا تشريعاً جديداً لهذا الأمر وهو ( المنزلة بين المنزلتين) ! والمسلمون بدون إستثناء يعتقدون أنهم لابد من دخولهم الى الجنة والدليل القاطع هو القرآن الكريم حتى وإن تعذب المسلم لمليارات السنين فلابد له من دخول الجنة لأنه موحد وهو أمرٌ محيرٌ جداً .. فاذا تطابق مع بقية الديانات التي تؤمن بالوحدانية فقد تساوى الطرفان بلا أدنى شك ! ما هو العقل وقد أعده الله سبحانه وتعالى أعز خلقه .. الى هنا فالأمر قد يُفسر لكن التحولات التي أصابت العقول البشرية ومنها أن آدم عليه السلام خلقه الله عاقلاً والصراع بين إبنيه ثم قتل أحدهما تضع حداً لبعض التساؤلات في أنَّ العقل تكوين متوازن مع الروح لاوجود له .. وعليه فإن الخونة والجواسيس والعملاء والّذين يعبثون ويسرقون أموال الشعب اينما كانوا هم غير عقلاء والّذين يتمسكون بمناصبهم ومن يستبيح دماء الناس فهو غير عاقل وأقل مرتبةً من المجانين والمختلين عقلياً .. العقل منحة من الخالق تتبعه الحواس إذا ما تمكن الإنسان من إستخدامها منطقياً والعكس صحيح .. كي لايعتقد بعض المتحدثين بإنهم عقلاء أو أصحاب حكمة فهم أبعد من يكونوا عن العقل وتصوراته .. فالعقلُ إبتعد عنهم كثيراً وعلى وجه التأكيد هم على حيرةٍ من أمرهم بعد ما أصاب العربُ هذا الخراب الذي قلبَ التوازنات فهل ما يجري من خراب سببه من يعتقد أنه قائدٌ أو ثوري تقوده العقول ؟
أم شيءٌ آخر