ستيفن هيرست/ تامبا بي تايمز
ليس من المرجح أن تتبخر الفوضى والعنف اللذان يجتاحان الشرق الأوسط حتى لو نجحت القوات المحتشدة ضد داعش في سحق جيشه الوحشي وسعيه لإقامة الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا وخارجها.
لماذا؟
الهياكل الوطنية والحدود التي أنشأتها القوى الاستعمارية الأوروبية بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، تنهار الان أو إنها تحطمت بالفعل. وبسبب ذلك أطلقت قوات طاردة تتمتع بالقوة ذوّبت الغراء الذي كان يمسك السكان ببعضهم، وهم في عداء ديني وعرقي متزايد.
إن مزيج المسلمين- سنة وشيعة وعلويين – المسيحيين، والكرد الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان في شمال كل من سوريا والعراق، يعكس خليطا من استياء قديم وإحباط طائفي وظلم صارخ.
تلك المتفجرات الاجتماعية نسفت بفعل الاضطرابات التي اندلعت بسبب حرب الولايات المتحدة في العراق والحرب الأهلية في سوريا.
وقال واين ميري، المستشار الأقدم في مجلس السياسات الخارجية الأمريكية، ان “مستوى الضرر الذي احدثته الولايات المتحدة في العراق والحرب الأهلية في سوريا، ربما لا يمكن إصلاحه”.
في العراق، صدام حسين وطائفته من المسلمين السنة – وهم أقلية في هذا البلد- حكموا بطريقة وحشية الأغلبية من المسلمين الشيعة. وقد أزالت الولايات المتحدة صدام واستأصلت هياكل حزب البعث التابع له، وأشهرها الجيش، ثم أشرفت واشنطن على تشكيل حكومة جديدة يسيطر عليها الشيعة بشكل أساسي، والهيكل الجديد هذا تجاهل في وقت لاحق احتياجات وحقوق أهل السنة.
وفي الوقت الذي ما يزال يسيطر فيه الجيش الأمريكي على البلاد، تجمّع متطرفو السنة، تحت راية تنظيم القاعدة في العراق، في قوة احتشدت ضد القوات الأميركية، والسنة المعتدلين والاغلبية الشيعية. وتشكلت ميليشيات شيعية للهجوم على الطرف الآخر، واندلعت حرب أهلية، لم تنكمش إلا حين بدأت واشنطن خطة زيادة عديد قواتها ودفعت لزعماء العشائر السنية ومقاتليهم لتحويل بنادقهم صوب السنة في تنظيم القاعدة.
ومع رحيل القوات الامريكية في العام 2011، أعاد تنظيم القاعدة تجمعه في المناطق السنية من العراق، وأضحوا جماعة الدولة الاسلامية، المنظمة المتطرفة التي تنتشر كذلك في الفراغ انشئ في سوريا المجاورة بسبب الحرب الأهلية هناك. والآن وفي العام الخامس لهذه الحرب، تشير التقديرات إلى أن تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) يسيطر على مساحة من الأراضي تصل إلى الثلث في كلا البلدين. والأمر الذي يحمل أهمية خاصة هو سيطرة المنظمة الإرهابية على مدن مثل الرقة في سوريا والموصل في العراق.
لقد قصفت الولايات المتحدة ولعدة أشهر مواضع داعش مع بعض من النجاح، والآن انضمت فرنسا وروسيا هذا الجهد. وحولت روسيا اهتمامها بداعش بعد القنبلة، التي ادعى التنظيم مسؤوليته عن تفجيرها، والتي أسقطت طائرة روسية فوق مصر. وكان رد فعل الفرنسيين بعد الهجمات التي طالت باريس.
وقال خبراء عسكريون واستخباراتيون، قبل تفجير الطائرة، إن روسيا استهدفت في المقام الأول معارضي الرئيس السوري بشار الأسد من غير المتحالفين مع داعش إلا أنهم ضالعون بشكل عميق في الحرب الأهلية والقتال من أجل الإطاحة بالأسد. وتصر إدارة أوباما على وجوب إزالة الأسد. وتقول روسيا وايران ان الأسد يجب أن تكون جزءا من الحل السياسي، على الأقل بشكل مؤقت. أما القوى الإقليمية، مثل السعودية وتركيا، فتريد رحيل الأسد.
وينظر العديد من المحللين إلى المشاركة الروسية في سوريا بأنها محاولة لإنقاذ نظام الأسد، حيث كانت سوريا تمثل المحطة الأخيرة للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، التي تضم الميناء الذي يعد الوحيد لروسيا على البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى الزبون الكبير للأسلحة الروسية.
ينبع النداء لداعش في سوريا من نفس الجذر الذي عليه في العراق، وهو الشعور بتهميش السنة، الذي طال أمده في سوريا، على عكس العراق. الأسد هو مسلم من العلويين، وهم أحد فروع التشيع. وحكم ووالده من قبله بنحو وحشي الأغلبية السنية في سوريا، بالقدر الذي قتل فيه صدام وبوحشية الأغلبية الشيعية في العراق.
ولم يجر تعامل ما سبق مع المضاعفات التي اضيفت إلى الفوضى في كلا البلدين من جانب مساعي الكرد لإقامة دولة. ويشكل الكرد نسبة كبيرة من السكان في شمال العراق وسوريا وإيران، وأنهم في حالة حرب مع تركيا بشكل دوري، حيث يعيشون بأعداد كبيرة في جنوب شرق البلاد. وكان الكرد أقوى شركاء أمريكا في مجال مكافحة داعش، ويقاتلون – في كثير من الأحيان بنجاح كبير – كقوة برية متحالفة مع الولايات المتحدة ضد داعش.
كما أنهم انشأوا منطقة مستقلة تقريبا وتتمتع بالحكم الذاتي في العراق ويسيطرون على احتياطيات نفطية عراقية كبيرة. وان دعم الولايات المتحدة للكرد يضعها بخلاف مع كل من تركيا الحليفة لحلف شمال الاطلسي، والذي هو أيضا عدو الأسد في سوريا، والحكومة العراقية في بغداد التي يهيمن عليها الشيعة المدعومين من الولايات المتحدة.
وقال وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هاغل حول خطاب “حالة الاتحاد” الذي اذاعته محطة سي إن إن الاخبارية يوم الأحد، إن النصر العسكري على داعش لن ينهي الفوضى في الشرق الأوسط ما لم تجتمع الولايات المتحدة وبلدان أخرى في المنطقة وروسيا وأوروبا وإيران معا لإنشاء “منبر للاستقرار السياسي.”
ولكن كيف يمكن إنشاء مثل هذا المنبر في منطقة لم تتمكن من التغلب على انقسام في الإسلام عمره 1300 سنة، وعلى مساعي الكرد لإنشاء دولة قومية لم يسبق لهم قط انشاؤها، إلى جانب التغلب على المضاعفات المصاحبة التي اختلطت بسبب وجود عدد كبير من الأقليات الدينية والعرقية. إن هزيمة داعش، اذا ما حدثت، لن تحل تلك الانقسامات العميقة والكامنة.
إن الحل السياسي النهائي من المرجح أن يتطلب إعادة توطين أعداد كبيرة من السكان الذين طردوا من أراضيهم بسبب الحرب في العراق، والصراع الأهلي السوري وتوسع داعش. وسيتطلب ذلك تسويات لم تتم لعدة قرون. إنها لمهمة ضخمة ستستغرق وقتا طويلا لإنجازها- إذا ما كان لها ان تتحقق أبدا.
ملاحظة المحرر- ستيفن هيرست، وهو كاتب في المجال السياسي الدولي لدى وكالة الاسوشيتد برس، وكان يعمل مديرا لمكتب بغداد خلال الاحتلال الأمريكي، وتولى تغطية الشؤون الخارجية لمدة 35 عاما.