من يتصفح كتب التاريخ، يجد إن هذه التربة، منذ أن خلقت وهي تراق على جوانبها الدم، حتى رفع الشرف لها بيرقا، وسحب تشرفه أمامها، وهو يقول ما هكذا يسلم الشرف، وقد تسلل إلى جوفك انهار من دماء، الم ترتوي؟ أم للدم العراقي نكهة خاصة، تشعرك بالنشوة، فلا تكاد تفارقيه، حتى تمزجين كل دماء أطيافه في كأس واحد.
فتبسمت وقالت: للجنوب أميل أكثر، فلدمائهم رائحة “غيرة” مالحة الطعم، تعشقها ضفاف نهري، ولأجسادهم ميزة؛ فهي بلسم لجروحي، استطيب بها من جور الزمان، فقال لها، وقد اعتلاه الغضب، أتهزئين بنا؟ وقد امتلئ جوفك دما، لماذا نحن وقد وسعت الأرض بشرا.
فجاء الرد صاعقا، ومالي وقد ابتليت بشعب يعشق جلاده! كلما رفعنا عنهم ظالما، استعانوا بأخر؛ ليظلمهم، وهم به فرحون، فلا يغير حالهم، حتى هم يتغيرون، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
عندما تضعف إرادة الشعوب، على مقاومة الظلم ومجابهته، فمصيرها أما الموت أو يكونوا عبيدا، فكيفما تكونوا يولى عليكم، وقد كرم الإنسان بعقل، يميز به بين الحق والباطل وصالح من الطالح، فما ازدهرت شعوب وانتصروا على الظلم، إلا بإرادتهم الصلبة، وكما قيل: “ما ضاع حق ورائه مطالب”.
لم يدرك هذا الشعب حجم التضحيات التي أيقظت كثير من الشعوب، وهو لم يحرك ساكنا، فذاك غاندي وهو يقول: تعلمت من الحسين(عليه السلام) كيف أكون مظلوما فأنتصر، فلماذا لا نتعلم نحن من الحسين؟
اقتصر تعريفنا للإمام الحسين (عليه السلام) في العبَرة والعاطفة، وتركنا العبِرة والاعتبار والسبب الحقيقي الذي خرج إليه (عليه السلام)، وكان يردد” لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي”.
ما خرج إمامنا الحسين(عليه السلام) إلا ليرجع الحق إلى أهله، ويقتص من الظالم وينتصر للمظلوم، وإنها لمدرسة عظيمة أسسها أبا الأحرار، وها قد بدأت إحدى فصولها المتممة( زيارة الأربعين) تلك الثورة العظيمة، التي أوجبت على الشعوب إن تنتفض ضد الطغاة، بكل قوة ومع كل الظروف.
فلم يترك أبا السجاد(عليه السلام) عذر لأي إنسان إن يرضى بظلم، مع قلة العدد والعدة وخذلان الناصر، لم يبقى معه سوى أهل بيته الكرام وأصحابه المنتجبين، أعلن ثورته الإلهية، ضد الكفر والنفاق، حتى امتلأت الأرض والسماء دما.
متى نعلن ثورتنا على أنفسنا أولا؟ ثم على ظالمينا.. متى؟