لاتزال عبارة ( الخلاف مستمر بشأن مصير الأسد ) يتردد صداها في مختلف المحافل الدولية والاجتماعات الاقليمية الخاصة بالملف السوري بحيث لايكاد يخلو لقاء أو تجمع أو مؤتمر صحفي من دون ذكرها ، انها العبارة التي باتت تلخص الأزمة السورية بعد أن تصدرتها عناوين مختلفة بدءا بالربيع العربي ومرورا بالحرب الأهلية والمعاناة الانسانية وانتهاءا بالتدخل الروسي والذي جعلها ورقة تضاف لخانة الحسابات المعقدة بين الغرب وروسيا بعد أوكرانيا .
في الأونة الأخيرة ساد الخلاف وكثر الجدل حول الأولوية في سلم الملف السوري بين مكافحة الارهاب وهو مطلب حلفاء النظام وبين اسقاطه وهو ما نادى به معسكر داعمي المعارضة المسلحة فيما ظل الموقف الغربي عموما والأمريكي خصوصا مترددا محاولا التوفيق بين الأمرين في ذات الوقت من خلال استراتيجية أوباما لمكافحة الارهاب والتي أثبتت عدم فاعليتها على أرض الواقع قبل أن تحسم تفجيرات باريس الأمر باجماع دولي واقليمي على أولوية محاربة الارهاب .
والحقيقة ان هذا الاجماع ضروري وواقعي الى حد كبير فسوريا لن تتحمل التداعيات الخطيرة لمغامرة اسقاط النظام أولا وهو ما سيدخل البلاد في مرحلة فراغ أمني ستكون داعش معه هي البديل خاصة مع سيطرتها المسبقة على نصف الجغرافية السورية وهو مايجعل قوى المعارضة المشتتة والمنقسمة على نفسها والمتعددة الولاءات الخارجية غير قادرة على تدارك الوضع ولعل الأمر يزداد صعوبة اذا ما علمنا بأن قوى جيش الفتح والمكون من جبهة النصرة (الفرع السوري لتنظيم القاعدة) وحليفتها حركة أحرار الشام يشكلان الثقل الأكبر لتلك المعارضة وهو ماسيؤدي لنزاع قاعدي – داعشي على حكم سوريا بعد الأسد !
لكن الاجماع في ملف الحرب على الارهاب يبدو صعب المنال بخصوص مصير الرئيس الأسد وهنا تتنازع وجهتي نظر تدعي الأولى وهي التي يرددها حلفاءه بأن شرط الرحيل غير واقعي ولايتناسب مع الوقائع الميدانية و ان مصير الرئيس هو بيد شعبه !! من خلال انتخابات رئاسية دون أن يبين ما اذا كانت تلك الانتخابات الموعودة مجرد مسرحية من المسرحيات الانتخابية العربية أم انتخابات نزيهة وباشراف دولي ؟؟ وهو ما لايمكن أن يوافق عليه النظام لعلمه المسبق بأن نتيجتها لن تكون في صالحه وفي المحصلة ستقع سوريا في الفوضى عند رحيل الرئيس أو سيستمر الصراع فيها اذا مابقي سيادته !!
فيما تصر وجهة النظر الثانية وهي تلك التي تروجها المعارضة وداعميها الاقليميين على رحيله واسقاط نظامه وتفكيك مؤسساته الى حدا هدد فيه وزير الخارجية السعودية عادل الجبير علنا باستمرار تزويد الفصائل المسلحة بالمال والسلاح في حال عدم تحقق هذا الرحيل !! وتكمن خطورة هذا التوجه بكونه سيصب مباشرة في مصلحة قوى التطرف ويجعل من البلاد مرتعا لها و ساحة للتنازع الاقليمي وميدان للفوضى ناهيك عن حمامات الدم ولن يكون حال السوريين حينها بأفضل من حال العراقيين بعد صدام والليبيين بعد القذافي !! وهكذا وبصرف النظر عن مدى واقعية الخيارين فأن سوريا تتجه لطريق مسدود بكلتا الحالتين .
واذا ماعرجنا لمقولة “مصير الأسد بيد شعبه” فندرك بنظرة سريعة بأن الغالبية السنية لهذا الشعب هي ضد الرجل تماما في معظمها وهو مايجعل استمراره بالحكم ضربا من المستحيل فيما تصنف طائفته العلوية وباقي الأقليات في خانة مؤيديه (باستثناء الكورد) ولدوافع متعددة ولعل أكثر مايخيف تلك الأقليات هو تهميشهم واضطهادهم فيما يشتكي علويو سوريا خصوصا من تكلفة الحرب البشرية الباهظة عليهم ويعاني ضباطهم في الجيش السوري من هيمنة الجنرالات الايرانيين بالاضافة لمحاولات نشر التشيع الأثنا عشري في مناطقهم تزامنا مع شعور العلويين المتزايد بالقلق الشديد من انتقام منظم منتظر و مصير مشابه لسنة العراق اذا مارحل النظام وهو مايدفعهم للمضي قدما في القتال تحت رايته ، فالمعركة باتت للدفاع عن النفس والوجود أساسا ، ان مخاوف الطوائف السورية منطقية لحد كبير مع وجود تنظيم داعش في الأرض السورية وهيمنة جبهة النصرة على فصائل المعارضة المسلحة وسيطرة الاخوان المسلمين على منظومة الائتلاف الوطني دون أن ننسى ان التطرف الاسلامي تحديدا كان سببا في انسحاب كافة المكونات السورية (عدا السنة) من التظاهرات السلمية التي خرجت مطالبة بالاصلاح على وقع انتفاضات الربيع العربي بعد أن تمكنت قوى الاسلام السياسي من ركوب موجة الثورة وتحويل الأمر برمته من ثورة شعب مظلوم على حاكم ظالم لحرب تهدف لاسقاط “النظام النصيري” !! وتبدو ضمانات علمانية الدولة وحقوق الأقليات هي الأساس لاستمالة تلك الطوائف ضد النظام فيما أنفرد الكورد بموقف مغاير للجميع مبني على المصلحة الكردية الضيقة والمتمثلة في منطقة حكم ذاتي أقصى الشمال الشرقي للبلاد فكانوا تبعا لذلك مع النظام تارة ومع معارضيه تارة أخرى وبحسب الظروف والأحداث !!
وهنا لابد لنا من الاشارة بأن تسويق فكرة طائفية نظام الأسد غير سليم كما ان الفكرة بذاتها غير دقيقة خصوصا من أولئك الذين ينفون طائفية نظام البعث العراقي ويتشدقون بوطنيته فيما يكيلون تهم الطائفية والفارسية لقرينه نظام البعث السوري فالقول بطائفية نظام دمشق الحالي هو كالقول بطائفية نظام بغداد السابق والعكس صحيح !! واقعيا هناك شبه اجماع على كون النظامين مستبدين لكن طائفيتهما ( بمعنى استهداف الأخر لكونه من طائفة محددة فقط ) هو محل شك فلسنا هنا بصدد أنظمة دينية ذات صبغة مذهبية مثل الملكية السعودية و ولاية الفقيه الايرانية بل بأنظمة قومية ذات طابع شمولي وعقلية ستالينية تجعل من سحق كل توجه معارض بصرف النظر عن ماهيته عقيدة وطنية وواجب حتمي لحماية النظام حتى لوكان هذا التوجه من داخله !! وتوجب دعم “أي” طرف سياسي يصب في مصلحة النظام وضد خصومه كضرورة لابد منها ولذا شهدنا دعم صدام حسين لاخوان سوريا ومجاهدي خلق ايران مع محاولات استمالة شيعة السعودية !!! وفي المقابل يلاحظ تنوع هوية وكلاء الأسد في لبنان طوال عقود ناهيك عن دعمه لقوى المعارضة العراقية العلمانية والاسلامية (سابقا) على حدا سواء بل وصل الأمر لاستخدام تنظيم القاعدة ذاته بعد الغزو الأمريكي للعراق !!! كما يشكل السنة نسبة كبيرة من تركيبة الدولة والجيش في سوريا في الوقت الذي سجل الشيعة فيه حضورهم في دولة البعث العراقي في مواقع دون أخرى مع بقاء رأس الدولة ومفاصلها الحساسة وسلطة اتخاذ القرار علوية في دمشق وسنية في بغداد ، ويمكن القول بأن تحالف النظام السوري مع ايران كان بصيغة الحلف القائم على الندية والمصالح المشتركة (حتى عام 2011حيث لم تسقط الحرب النظام بقدر ما أضعفته أمام شركائه) لا بصيغة التبعية كما في الحالة العراقية الحالية مع طهران في الوقت الذي تحالف فيه بعث العراق مع دول الخليج أثناء حربه مع ايران دون أن يكون ذلك دلالة على طائفيته !! ولا يمكن نسيان وجه سوريا السني الذي لم يتأثر طيلة 40 عام ونيف قضاها حزب البعث متربعا على سدة السلطة ، بينما حافظ حكم البعث العراقي على وجه العراق السني والموروث من عام 1921والمهمش لشيعته فكرا وثقافة دون أن يكون هو سببا في ايجاده ابتداءا ،،، رغم ذلك يبقى الخطر الأكبر الذي يهدد وحدة سوريا مستقبلا هي الطائفية ولعل البعض سيتفاجأ عندما نقول بأن مجريات الأحداث طوال 5 أعوام الماضية هي بمثابة مرحلة التأسيس للطائفية فقط لاذروتها كما يتوهم الكثيرون فيما يكون الحصاد الفعلي المر لاحقا وبالتحديد في مرحلة مابعد الأسد كما كان الحال في انتفاضة أذار العراقية عام 1991 بوصفها البذرة الطائفية الأولى ، فخصوصية المنتفض ضد الظلم المذهبية في أذار 1991 وأذار 2011 هي من أعطت أبعاد طائفية للحدث لا توجه الأنظمة الساعية والمصممة على محو فكرة المعارضة من الوجود وبالتالي حراكها من باب أولى ,
عاجلا أو أجلا سيرحل الأسد ( قد تطول تلك الفترة أو تقصر تبعا للظروف السياسية لكن بقاءه غير أخلاقي مبدئيا ) وسيترك أمر تقييمه للتاريخ لكن الأكيد بأن مصيره لن يكون ذا أهمية تذكر مقارنة بمصير بلاده والتي تم اخراجها من المعادلة الاقليمية و ستتجه حتما لخانة الدول الفاشلة على شاكلة العراق وليبيا خاصة اذا ما أعيد ارتكاب نفس أخطاء التجربة العراقية بحل الجيش والأجهزة الأمنية وهو ماتسعى اليه بعض قوى المعارضة
المدفوعة اقليميا ، ليبقى الحل المنطقي الوحيد هو تسوية سياسية تفضي لرحيل الأسد مع الابقاء على مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة وحدة وطنية بين بقايا النظام والمعارضة المعتدلة لتدشين حوار وطني وبناء سوريا جديدة مع التنبيه على ان صوابية هذا الخيار الوحيد تبقى هي الأخرى مرهونة بتوفر حسن النوايا والارادة السياسية الصادقة لدى الفرقاء السوريين وداعميهم الاقليميين والا فأن سيناريو المأساة اليمنية يبدو قابلا للتكرار …