كثير منا سمع وقرأ عن الحركة الإصلاحية التي قادها مارتن لوثر كينغ قبل خمسين عاما , وعلى الرغم من اغتياله نجحت حركته بالحد من مظاهر العنصرية ضد الزنوج, وشكلت نقطة تحول في المجتمع الأميركي, وعلى إثرها أعلنت الحقوق المدنية في جميع الولايات المتحدة الأميركية, لضمان الحرية والمساواة بين الأعراق والألوان
فجوهر الإصلاح في نجاح حركة لوثر وغيرها من الثورات كما في ثورة التنباك وثورة العشرين وثورة غاندي عناصر كثيرة منها القيادة , التي من دونها لايمكن لعملية التغيير أن تسير, وإن سارت فإنها ستتوقف أو تنحرف عن مسارها , فأهميتها تنبع من كونها السراج المنير لطريق المصلحين, والبوصلة الضابطة لمسيرة المؤيدين والمناصرين , والحاضنة لاستيعاب الطاقات والكفاءات , والملجأ في الملمات والاختلافات ’ لذا نجد أن الأنظمة الديكتاتورية والاستعمارية كانت وما زالت تعمل على فصل القيادات عن جماهيرها بشتى الوسائل والطرائق عبر الاغتيال وتشويه السمعة وبث الافتراءات وكيل الاتهامات .
إن تجاهل الجماهير العراقية وتغافلها عن دور القائد والقيادة في عملية الإصلاح المأمولة على واقع سوء إدارة الدولة وانتشار الإرهاب وتردي الخدمات وتفشي الفساد , أفقدها كثيرا من القوة والتأثير ’ كما أفقدها فرصة تاريخية لفرض أرادتها والانقضاض على الساحة السياسية بعد توحد شعور الغبن والظلم لدى عامة الناس, وانسجام الجهود النخبوية والثقافية فضلا عن الإحساس العالي بعمق الانحراف والتقصير في مشهد قد لا يتكرر مجددا مستقبلا .
إن الواقع الحالي يعيش وضعا غير صحي في ظل غياب أحزاب معارضة تمتلك برنامجا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا شاملا تنتشل البلد من حالة الضياع والركود لإعادة الثقة المفقودة إلى العملية السياسية والاعتماد على الداخل بحل الأزمات والمشكلات بعيدا عن الخارج وتحالفاته ومؤامراته فضلا عن توفير الرفاه لشعب حذف هذا الأمر من قاموسه .
إن الاحتياج إلى قيادة تحظى برضا الأكثرية المنتفضة والمتذمرة مسألة ملحة وضرورية, قيادة سياسية تمتلك نظرية ورؤية واضحتين لما تريد , تفرض احترامها وهيبتها , للم شمل المتظاهرين والمتذمرين من حالة التبعثر والتشرذم في المطالب والاتجاهات ومواجهة تسويف الحكومة والقوى الحاكمة ومماطلتها إذ من دونها لا تستطيع الجماهير السير كما لا تستطيع السفينة الإبحار بلا قبطان , تمتاز بالإيثار والتضحية بديلا عن الوضع القائم بما تمتلكه من نظافة اليد وبعد النظر وروح المسؤولية بالحفاظ على المكتسبات الوطنية وتعميق مبدأ الإخوة والتسامح بعيدا عن لغة الانتقام والتشفي كأساس لإعادة بناء الدولة .