عندما أخبرت أن أسمي أدرج ضمن الوفد الذي سيذهب في مهمة رسمية لعمل مكلف به لكل من دولة فيتنام والفلبين ,راودني شعور مع نفسي (فيتنام والفلبين ) ترى ما هو وضعهم وحياتهم وثقافتهم وطرق معيشتهم ؟هذه الاسئلة وغيرها ضلت تلاحق سمعي وفكري وتطلب مني الاجابة لعلامات استفهام كثيرة,حتى أصدقائي عندما اخبرتهم بأني ذاهب لهاتين الدولتين قالوا لي :ألم يجدوا غيرك ليرسلوك اليهما , أنهم دول متخلفة على كافة الصعد فشعوبهم لازالوا يعيشون الحياة البدائية لا تطور ولا تكنلوجيا علمية متقدمة الفقر متقع يطرق الابواب دون أستأذآن هكذا قالوا لي والعهدة على القائل ,قلت لا يهم المهم أن أنجح في الاختبار أو العمل الذي كلفت به ,وعند وصولنا الى عاصمة فيتنام هانوي وجد هنالك اختلاف جذري من السماء الى الأرض عما قيل لي مما سبق ,رأيت شعب مؤمن بقضيته التي ناضل وقاتل من اجلها مع العم هوشيمنة ضد اليابانيين والفرنسيين,معارك أخذت طابع حرب العصابات لينالوا حريتهم,وجدت حركة كبيرة ليس لها نظير من حيث جذب السياح من شتى مختلف الدول للمناظر الرائعة الجمال الموجودة فيها ,ودفع بأتجاه الاستثمار في الاعمار والبناء ,دولة تجاوزت موضوع بناء العمارات السكنية وتبليط الارصفة وفتح الطرق الواسعة ونظام صارم لا يفرق بين اسود وابيض يسري على الجميع ,متابعة ومراقبة مستمرة لجميع مؤسسات الحكومة ,هذه النهضة كانت بسبب وضع الشخص الصحيح في مكانه الصحيح ,فضلاً عن تحديد الاهداف المزمع تحقيقها ,لقد جلست ووضعت يدي على رأسي وحاورت جروحي النازفة ومسلسل أحزاني الذي لا ينتهي هل صحيح ما رأيته لقد تغير كل شيء …كل شيء …؟في هذه الدولة التي عاشت مأساة وويلات الحرب ,هذه الدولة لا تمتلك عتبات مقدسة مثلنا ولا زوار يأتون اليها بالملايين ,ولا نهرين يفيضان بالخير علينا,ولا نفط وغاز,فقط لديهم رز وشاي ,وأجواء استوائية حارة مليئة بالرطوبة عليك أن تحمل معك الماء أينما ذهب لتغسل وجهك باستمرار ,ففي عام 1976، توحد شمالي وجنوبي فيتنام في دولة فيتنامية واحدة قوية وأعادت بناء اقتصادها ,بعدها انتقلنا لمانيلا عاصمة الفلبين فوجدت أكثر مما وجدته بهانوي وكأن تجربة النهوض في اميركا استنسخت لهم لا يوجد هناك وصف مناسب وكما يقولون لا تعليق ,لقد تجاوزت هذه الدول التي كان ينظر لها بعين الانتقاص من قبل الدول
المتقدمة مسافات زمنية طويلة وأصبحت في طور التنافس لما حققته على ارض الواقع من تقدم ,المثير في حياتهم أنه لا يوجد من يفسر الدين وفق رغباته وأهوائه الشخصية أنهم يمارسون معتقداتهم وثقافاتهم دون قدح وسب للآخر لا سيارات مفخخة ولا أحزمة ناسفة ولا موبوء يريد الغداء والعشاء مع الرسول بتقطيع الابرياء لأشلاء متناثرة,في سبعينيات القرن الماضي كان اقتصاد العراق ومدنيته تجربة يحتذى بها في الوطن العربي ,فبتاريخ 2/5/1956 أفتتح الملك فيصل الثاني أول محطة بث تلفزيوني في الشرق الأوسط ,وأول مصعد كهربائي بين الدول العربية، انشأ في بغداد بعلاوي الحلة سنة 1970,أية مفارقة نعيشها ونحن بين الشد والجذب والعالم تقوده عصر السرعة واليوم الذي يمضي لا يتكرر,وكأن بي أردد قول الشاعر:غير الآمي وحزني ليس حلٍ متاح وأحتضارٍ تحت ضرباتِ سيوفٍ ورماح ,وسهامٍ قد أتتني عاصفاتً كالرياح مزقتني كقماش سحبت فوق الرماح .