قمع الرئيس السوري للمعارضة المعتدلة , عدم اندماج المسلمين مع مجتمعاتهم في الغرب او غياب الحرية في بلدانهم كل ذلك لم يعد كافيا ً لتفسير ما يحصل من عنف ضد الانسانية من قبل المسلمين ومن تبرير له من الغالبية. لذا حان وقت استبدالها بمبررات اكثر واقعية ناجمة من وقفة صريحة مع النفس وهي ان هناك بنى تحتية للعنف في الدين اضافها اتباعه عليه وان الدين الاسلامي خصوصا ً بجانبه السني لديه مشكلة مزمنة مع هذا العنف عبر تاريخه.فالعنف اللفظي كان امرا ً معتادا ً من قبل المسلمين الاوائل بل انهم وجهوه نحو نبيهم وهو بين ظهرانيهم بأكثر من مناسبة حتى تطلب الامر ان ينزل الله سورة الحجرات ثم تلاه اكثر من عصيان اثناء حياة الرسول (ص) انتهت بعصيانه وتوجيه الإساءة اللفظية عليه وهو على فراش الموت.ومنذ تلك اللحظات تدهور الحال بتطور العنف اللفظي الى عنف جسدي ضد بقية المسلمين فأمة تعنف نبيها لن ترتدع عن ما هو اكثر مع بعضها .
وعلينا اعادة النظر الى كل ما تبع ذلك من حروب ردة وفتوحات على انها كانت صراع من اجل الحكم اولا ً ثم رغبة توسع سيطرت على دولة ناشئة ثانيا ً وان النتائج الكارثية التي تتوجت بالحكم الوراثي تثبت وجود الصراع على الحكم ولطالما كان ذلك طابع الصراع السياسي لا الديني.ثم ارهاب عالمي حالي يثبت ان ما يحصل ليس الا نتائج حتمية لمقدمات لا شك خاطئة .
باختصار يجب مراجعة مفهوم الجهاد والفتوحات الاسلامية والدعوة الدينية وهذه الاخيرة جزء اساسي من الاسلام السني حيث سمعتها بخطبة من مدرس الاسلامية وإمام جامع في مدينة الموصل 1989 فقد كان يستذكر فتوحات المسلمين وانجازاتهم وان الامبراطور الصيني قال انه لا قبل له بأناس لو ارادوا خلع الجبال لخلعوها ثم يختتم خطبته امام المدرسة بأننا مقصرين كمسلمين بالدعوة الى الله وقد كان يفعل ذلك عندما يتجمع الطلاب ايام الخميس او كلما فسح له المجال باعتبار ان المدينة محافظة ومعروفة بالتزامها الديني.لكن اعادة النظر بكل ما سبق ستستوجب تبني اعادة تصحيح مفهوم الدين بصورة عامة وهو ان الله لم يرد من دينه انشاء دولة ولا امبراطورية فهو غني عن العالمين وليس بحاجة لإثبات قدرته بعد ان اثبتها بآيات خلقه العظيمة وعاد وأثبتها علينا بجوانب طغت على كل حياتنا من عدم اختيار لمكان او زمان ولا لطريقة الموت ولا للرزق ولا للوالدين لكنه ابقى الينا حرية الاختيار بهذا الهامش وهو انما اراد به منا اتباع المحبوبية له لا اتباع القدرة حتما ً فجعل من دينه منهجا ً يبحث به عن افراد يؤمنون به ويطبقونه فيصبحوا امثلة عملية تثبت امكانية تطبيق منهج الله.
فكل الهدف من الدين هو البحث عن مؤمنين افراد دورهم كدور الانبياء تماما ً في انهم نماذج سلوكية وقدوة لمجتمعهم وبيئتهم تثبت عملانية الطلب الالهي من عباده بان منهجه قابل للتطبيق فقط بوجود الاستعداد وهؤلاء الافراد الذين يعيشون بينكم يثبتون ذلك وعندها اما سيحصل التأثر بهم من خلال رؤيتهم فيتم اتباع المنهج او ينبعث الاعجاب بصمودهم على المنهج فتشع هيبة الله في ملكوته هذا هو هدف الدين وما سواه وهم خلقناه لنؤنسن الدين حسب رغباتنا ونحيله الى غطاء الى كل دوافعنا البشرية المتجذرة.
يشترك الشيعة مع السنة بتعريف الجهاد وبوحدة النظر الى الفتوحات الاسلامية لكن مع ذلك لم يتحول كل شيعي الى مشروع ارهابي والسبب ان الشيعة عنفهم سياسي بينما السنة عنفهم عقائدي فالشيعي عندما يتشدد ينضم للمليشيات بينما عندما يتشدد السني يصبح وهابي او سلفي اي مشروع ارهابي – فضل شاكر مثلا ً – ولذا امر ممكن ان يكتسح مصر او الاردن او دول المغرب التطرف لان عامة الناس تشترك للتو مع المتطرفين بذات المتبنيات الفكرية بينما يستبعد ان ينضم عموم الشيعة للفصائل المسلحة بطبيعة الحال .
ولكن برغم ولاية الفقيه وبرغم المليشيات لم يقع الشيعة بمطب التشدد لا لخصائص حسنة متجذرة فيهم بل لان قادة الشيعة الروحيين كانوا نماذج سلوكية بثت الرحمة والتسامح عبر سيرها الذاتية حتى انك اذا اطلعت على سيرة احدهم كأنك تقرأ سيرة السيد المسيح وبذا فقد حققوا غاية الدين الحقيقية والنهائية –القدوة والمثل السلوكي – فأنتجوا طائفة رحيمة اثبتت نجاح المنهج الالهي واثبتت صدقية وجدوى وأهمية ان الله لم يرد الا نماذج سلوكية.وبذا عمليا ً لم يعد بإمكان اتباعهم النحو نحو التشدد للإيحاء النفسي الشديد لقدواتهم ولعدم وجود امثلة للعنف مطبقة في سيرهم.