22 نوفمبر، 2024 10:37 م
Search
Close this search box.

9 4 2003 يوم مضى ، لطفا حدثني عن المستقبل

9 4 2003 يوم مضى ، لطفا حدثني عن المستقبل

في التاسع من نيسان من كل عام ، تدبج عشرات المقالات ، ، وتبث البرامج الوثائقية ، ويدلي المحللون والخبراء بآرائهم في مفاعيل الحدث وقراءة تداعياته ، يوم يختلف فيه العراقيين كعادتهم في صحفهم وفضائياتهم ومواقع التواصل الإجتماعي ، فينقسمون حوله بين مؤيد ومناهض ، يختلفون حول تسميته بين ( يوم أسود) أو ( سقوط الصنم وبدء عصر التحرير) .  ويتخذونه موسما للسباب وتبادل الشتائم ويغرقون في استذكار الماضي ، بين متشفين بإندحار الطغيان أونادمين على ضياع الإستقرار الموهوم الذي كانوا يعيشون فيه، ومنهم من يشكر الغازي ظنا منه أنه المحرر من أسر الطغيان ، وآخر يبكي على الموت البطيء الذي كان يعيش فيه ، حين يقارنه بالجحيم الذي يخترم حياته سريعا هذه الأيام ، وينكمشون جميعهم في ذهول أمام تحيات الحاضر وإكراهاته ، أو غياب الجاهزية الفكرية  للإجابة الملحة على متطلبات المستقبل.
يوم ليس كباقي الأيام في حياة شعب أرهقته الحروب وأنواع الحصارات ، كان يتطلع الى يوم خلاصه من نير الجلاد ، فوقع في قعر الجحيم ، ولايزال يصطلي بنيرانه ، فيرجع  في كل عام ينظر إلى التاسع من نيسان فيجتر أحزانه ويستذكر آماله المحطمة . يوم استيقظت فيه مفاعيل الطائفية السياسية وسقط الخوف الجامع الموحد، رحل الطغيان وسقطت شرعية القوة والإستبداد.فارتدت المكونات على أعقابها تحتمي بالمذهب والطائفة والعشيرة والمنطقة .
يوم دام في بلادنا المنكوبة منذ قرون بمختلف أنواع المحن، يفصل بين زمنين ، أو هو الخيار المر بين الظلم والجحيم ، هكذا يراه الآن بعد عشر سنوات لاهبة من أصابه الشرر وناله العسف والهوان وانتهكت حقوقه ، وكان من تداعياته شرعنة الفساد وصناعة الإستبداد من جديد.
وآخر يراه حصاد عقود من الظلم والطغيان ، دفع فيه الشعب ثمنا باهضا لعبوديته المختارة ، أمام من استحوذ بشرعية القوة على حياته وموارده ومستقبله. مخرجات طبيعية لإستبداد شخص واحد ، كان يردد صباح مساء أمام الشعب الخانع الشعار الفرعوني (ما أريكم إلا ما أرى).
هل كان وطنا يستحق أن نسكب الدموع على أمسه الغابر أم مزرعة  يديرها جلاد ، اختزل الوطن بشخصه فأصبح  يهب ويمنع حسب رغباته ومزاجه ، وهل تحتل الأوطان التي يعيش مواطنين أحرار بين ظهرانيها ، يتفيئون مؤسساتها ، مكرمة آدميتهم قبل أي شيء آخر ، أم تحتل البلاد التي يرسف فيها العبيد بأغلالهم فيضطرون للتصفيق للمحرر من أي أرض جاء، فتصبح المعادلة التي لابد من قراءتها جيدا ، بل ينبغي أن نقف عندها طويلا ( احتلال الوطن نتيجة طبيعية لإحتلال المواطن المقهور) لأن من يستبد بشعبه يلقي بهم في احضان المحتلين.
من الطبيعي أن تختلف قراءاتنا ليوم التاسع من نيسان  بين عقلية تبريرية بإمتياز ، تظهر جلية عند من يتبنى (مع) أو (ضد) ،  تؤشر لغياب عقلية المراجعة والتقويم التي تهدف إلى النظر إلى المستقبل عبر امتلاك خلاصات ومعادلات تمخضت عبر قراءات دقيقة وعميقة للماضي والحاضر.
كما آن لنا أن نعي ونحن نستذكر الماضي القريب ونحيا في متاهة الحاضر المفتوح على كل الخيارات ، أن ندرك أن من لايحدّث مشروعه الفكري أو السياسي تأتي قوة كبرى تجبره على تحديث مشروعه أو تزيحه عن كرسيه الديناصوري،  لذلك يجب أن نعيد النظر في أفكارنا ورؤانا قبل أن تتكلس ، فنصاب ( بالقابلية للإستعمار) فالعفن الداخلي الذي يسببه الإستبداد يرسل نداءاته المتكررة للمتربصين في الخارج أن هلموا وأنقذونا نحن بإنتظاركم.
 كل ما حدثتك عنه هو الماضي أما المستقبل فهو شيء آخر ، هكذا يقول الصينيون لطلابهم في المدارس حين يدرسونهم التاريخ . وأنظر للماضي بالقدر الذي يدفعك إلى الأمام ، لذا فالتاسع من نيسان يوم أصبح في ذمة التاريخ ، لطفا حدثني عن المستقبل. ، هذا هو بالضبط مانحتاجه هذه الأيام ،  وهكذا ينبغي أن نقول لمن يريدون جرنا للعيش على أطلال  الماضي الدامي أو  بث الرعب في نفوسنا وزيادة جرعات خوفنا من الحاضر، عبر تساؤلات عميقة تبحث عن مخارج مسؤولة ، علنا نعثر على طريق آخر، وعين ثالثة، تجنبنا تكرار الفرص الضائعة وتعوض الأجيال المنكوبة .
هل من رؤى نستند إليها فنتبنى مشاريع استقرار وازدهار وتنمية مستدامة . ومتى ندرك أن المؤسسات الدستورية هي البديل المأمون أمام تجبر الطغاة وتهور المستبدين.  وتفعيل دور المجتمع المدني الأهلي ضمانة لصيانة الوطن من العوز الى الشعارات الفارغة   ، وتحديث منظومة التربية والتعليم هي الركائزالمتينة لبناء مجتمع محصن أمام الخرافات السياسية والزعامات المتسلطة  ،  كما ينبغي استثمار الإعلام  التنموي الذي يستنهض الطاقات ويُطور المواهب ويُنضج الوعي ، والشروع ببدء اقامة تحالفات سياسية وحوارات فكرية تقينا الفشل وتبعثر الجهود عبر إجراء حوار واع بين الإسلامي المستنير والمدني الوطني لأنه بداية الشروع  لصناعة وطن حر يستوعب الجميع.
حين نستحضر مامر ذكره من تساؤلات أوأفكار ورؤى، لن نكون مضطرين عندها ونحن نستذكر هذا اليوم أو ذاك إلى تجرع الخيار المر بين الظلم والجحيم ، بل سيكون خيارنا الوحيد هو المساهمة الجادة في صناعة المستقبل.
إضاءة : أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته      وكل من لايسوس الملك يخلعه ( الشاعر ابن زريق البغدادي ت 1029).

أحدث المقالات