12 أبريل، 2024 8:43 م
Search
Close this search box.

9 نيسان الوداع الاخير

Facebook
Twitter
LinkedIn

كما لو انه عيد كبير، ولكنه ليس عيدا، الانوار مضاءة والورود توزع على المحتلين وهم في دباباتهم يحيون الناس، الاطلاقات النارية في الهواء ابتهاجا بالمناسبة، الشيطان كان رفيقا للجميع في تلك الليلة، رائحة الاسلحة المحترقة تملأ المكان، المستشفيات بلا اسرة، ووصل الامر الى عربات وكراسي المعاقين، عندما اشرقت الشمس كان جميع المدعووين نائمين، المستيقظون ايقظوا من سيغادر، وقد ذهب بالملابس التي يرتديها، ذهبوا بعربات مختلفة يلبسون عباءات بجوازات سفر مضروبة، لم يبق في المدن سوى الاطفال والنساء ، ولم يرجع احد من الذاهبين، ومن بقي منهم علق على ليلة 9 نيسان واحتفال تلك الليلة: لقد كانت ليلة عظيمة، ولكننا بكينا بعدها كثيرا، هذا ماجرى في العراق، اكل الحق الباطل واكل الباطل الباطل واكل الحق الحق، لم يبق احد يفتخر بسني نضاله، الجميع يبكي، المهزوم والمنتصر، اختلطت الامور على الكثيرين، جنود اميركان، ودبابات اميركية، ترى اثنين يتعانقان وهما يبكيان، وترى آخرين يبكيان من مفاجأة الغد، ثم يعودان يضحكان، فوضى كبيرة، واصوات متداخلة، اين الوطن؟ هل رحل مع صدام؟ لا لم يرحل مع صدام، نعم رحل مع صدام، وجوه جديدة وكارتات لعب تحمل وجوها قديمة، هل رحل الجميع؟ نعم لقد رحل الجميع، الارض تحت الدبابات تقول هذا.
هنالك شيخ يعد النجوم بقلب منكسر، واطفال يتحلقون حوله، وابناء غادروا قبل 30 يوما ولم يعودوا، من يفهم ان الجنود الاميركان دخلوا المدينة سوى ابناء هذا الشيخ الذين انقطعت اخبارهم، ايها الشيخ مارأيك بالاحتلال؟ كلا كلا التغيير؟، بكى وغادر مجلسه مستصحبا الاطفال، ليبحث لهم عن تسلية اخرى غير عد النجوم، فغدا يكبرون وسيعدونها، لا داعي بان اضجرهم بهذه الليلة، من يبتهج كان قد ذهب ابناؤه واعتاد على غيابهم، ومن يبكي فقد رحل الراحلون للتو، سأل نفسه: من يستطع ان يضع هذه الخارطة بجيبه سوى الله، وكان الجواب الآخر اميركا تستطيع، ولو بعد حين، اول جثة اكتشفت جثة ابو هيله، وآخر جثة، جثة الرجل الذي مزق ابنه صورة احد المرشحين لانتخابات 2014 ، ومن ثم تتابعت الحكايات، قال له جار له: اتستلم بندقية لنحرس مدينتنا، هنالك من يقتل الناس بدون سبب، ضحك ضحكة مغلفة بالبكاء، واخذ معه الاطفال يفتش لهم عن بندقية كلاشنكوف من بقايا اسلحة الجيش، واعاد السؤال: من يستطع ان يضع خارطة البلاد بجيبه سوى الله، واستدرك لا ليس الاميركان من يستطيع، انهم اللصوص، وجد دولارا يحمل اثار الموت ملطخا بالدماء واطلاقة مرمية في الطريق، 9نيسان، الفوضى عارمة وكبيرة لكننا سنقطع الطريق انا وعلي من بعقوبة الى بغداد ونبتسم للعابرين، احدهم كان يبكي والاخر يبتسم للاميركان، اثنان يمشيان في الطريق، قال الاميركي للمبتسم منهما good  ونشج الآخر، سيحمل احدهما بندقية كلاشنكوف، وسيحمل الآخر بندقية جي سي اميركية الصنع، كان في سوريا يرتب اغراضه للعودة الى العراق، لم يكن يعرف عدد الراحلين ولا عدد الداخلين، جل همه ان يعود، كان تاريخهم وسيكون تاريخي الجديد، فوضى في كل شيء، الشوارع مكتظة باللصوص والجنود، والملابس العسكرية الزيتونية، حرائق بكل مكان، احترقت سندات الطابو والجناسي والمدارس والوثائق والجامعات والكتب، كان يحتفظ بوثيقة تخرجه بجيبه منذ سنين طويلة، ماجدوى وجودها، لو انها احترقت مع من احترق، فقط وزارة النفط لم تحترق، احترق كل شيء، ربما سيكون كل شيء جديدا، حتى هوية الاحوال المدنية، وسيكتبون بدل من  احوال ماقبل 9نيسان الى احوال 9 نيسان، لاول مرة في حياته يرى معمما يركب سيارة حديثة، كان يراهم فقط في مجالس العزاء يتكلمون عن الحيض والخرطات التسعة وغسل الجنابة، من اين لهم هذه الامكانية، انهم يوزعون الاسلحة، وتكهن بمعركة مقبلة وفوضى كبيرة، وخارطة سقطت من جيب الله لتكون بجيب اميركا وجيب البعض، وودع بغداد وانحشر باحدى السيارات فالطريق سالكا مايزال….

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب