23 ديسمبر، 2024 1:56 م

8 شباط.. صفين لو نجحت

8 شباط.. صفين لو نجحت

حقق البعثيون “عشم إبليس في الجنة” يوم استغل عبد السلام عارف، تهافتهم المسعور على السلطة، وهو عليم بدمويتهم الفظيعة، لكن الغاية لديه تبرر… خذلانه صديق عمره.. عبد الكريم قاسم، الذي سبق ان انقذه من اعدام مستحق.
استغلهم عبد السلام، في تصفية قاسم، مثلما استغله جمال عبد الناصر، في اقلاق الزعيم، وبعد ان ولغ خطم البعث، ثمانية اشهر غارقا في لذة السلطة التي يتمنونها عاجزين، أهوي بهم، من قبله، إذ استنفدوا مهمتهم، وقد عاش البلد فترة لا شبيه لها في تاريخ الجور، على مر الازمان والامم.. لا مال ظل لأهله ولا أب حفظ بكارة بنته من دون ان يقتل، ثم يفضونها.
طال الصراع بين الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، والمقبور المشير عبد السلام عارف، وحسم في النهاية، لصالح الشر، على حساب الخير؛ لأن طريق الحق مستوحش بقلة سالكيه…
دفع العراقيون ثمنا باهظا، جراء تداعيات ثورة 14 تموز 1958، التي استبدلت الدستور، بالعضلات.. كل مجموعة ضباط، تقود انقلابا، فيدين لها العراق بالولاء، يستحوذون على ثرواته الهائلة، ويصفون أعداءهم، الطامعين بالثروات، وليس هادفين لوطنية حقة.
وهكذا ظل… وما زال دولاب الدم، دائرا، في بلاد القهر.. العراق.
استبيح شعب العراق من قبل العسكر، الذين اختلفوا في ما بينهم، ليس على أفضل الخدمات، انما على من الذي يستحوذ على الحكم والدجاجة البياضة…
دخل على خط الطمع بالمغانم، جمال، بدهائه الذي لا يمكن أن يجاريه لا سلام ولا قاسم؛ فدمر العراق حتى هذه اللحظة.
أؤمن بان التاريخ محوري، يدور حول نقطة ثابتة، يعيد نفسه، من دورة الى أخرى، إذ كلما فرغ  العراقيون من مأساة ترتبت على أخطائهم، ارتكبوا خطأً جر عليهم مآسي مضاعفة “ببو زايد”.
فهم “شلعوا” قلب علي بن ابي طالب، محجمين عن مقاتلة معاوية، حتى استفحل الشام على ارض السواد، لينكل بهم إبن آكلة الكبود، بعد ان استوى على عرش الخلافة، وأحال سنة محمد وابي بكر وعمر وعثمان وعلي، الى رفاه كسروي فائق الرخاء، يتعمد بدم المعارضين… ولم يصحوا من خذلان ابيه، حتى بعثوا للحسين منقذا تبرؤوا منه حال الوصول.. من المدينة الى كربلاء.
لذا أجد بالحال التي انتهينا اليها، بعد تمكن البعث من السلطة في العراق، على دفعتين، ما آل اليه اسلافنا على هذه البقعة الملتهبة، من حيف توارثناه، وظل ينغص حياتنا حتى هذه اللحظة، التي استعير من الآية القرآنية الكريمة: “تبت يدا ابي لهب وتب” تبت اليد التي قتلت قاسما، وعاثت اعتقالات وتنكيلا وقتلا وسجونا بالعراقيين.
معركة صفين لم تنجح ميدانيا، انما فتتت كيان الدولة المركزية، المتمثلة بالخلافة الراشدية المناطة شرعا واخلاقا بالامام علي.. عليه السلام.. فرغم ملامح الهزيمة التي الحقت بمعاوية، في ساحة الوغى، لكن اسفرت ظروف السياسة عن تبوئه العرش والتنكيل بالعراقيين على اعتبارهم اعدائه.. أسرى بين يديه الآثمتين.
وهذا ما وجد العراقيون مرة اخرى، انفسهم واقعين في شباكه، حين حكمهم البعثية، المتشبثين بالسلطة، ومظاهرها ومغانمها في بلد نفطه لا تحيط احدث الاجهزة باحتياطياته، وزراعته تنمو من تلقاء طيران بذور اللقاح في الهواء.. حتى فضاءاته خصبة.. والسياحة بانواعها والمياه والسمك والزجاج والـ… بينما الشعب “ما مر عام والعراق ليس فيه جوع”.
فالفقر أبرز حلقات الرحى الدائرة، تطحن الشعب.. حروبا وعسكرةً وعقوباتٍ دوليةً، جراء حماقات ساسة مهووسين بذواتهم، متصابين في ارذل العمر.
يعيش العراقيون تبعات صفين وتآمر الدول الاقليمية على انتفاضة آذار 1990.. كل ساعة ويوم، دولاب دائر بالدم، كنا نأمل ان يوقفه الامريكان، يوم 9 نيسان 2003، لكن أخطاءنا ضيعت الفرصة من ايدينا.. فتبت ايدينا ايضا، وهي تمارس “مازوخية” تعذيب الذات، كما قال الامام علي.. عليه السلام: “إذا إحترمتهم إحتقروك وإذا احتقرتهم إحترموك”.