27 ديسمبر، 2024 3:44 م

8 شباط أولى دفقات جهنم التي فتح بواباتها الضباط الاحرار

8 شباط أولى دفقات جهنم التي فتح بواباتها الضباط الاحرار

· أردنا مدحا بذاك الزمان فانشغلنا بذم هذا الزمان
 
كثيرا ما كتبت أعمدة هنا وفي مواضع عدة، وتحدثت في ندوات، عبر وسائل الاعلام والمحافل الفكرية، عن سلسلة تضادات، تأسرني.. تشدني الى نوع ناضج من مراهقة “صدمة الوعي” التي يعانيها مثقفو العراق؛ لأنهم نتاج مجتمع ضاغط بتناقضاته، تأسس على مجابهة الحسين بن علي: “قلوبنا معك وسيوفنا عليك”.
وظلوا يناقضون انفسهم، بالضد من الاقدار، تتابعا، مثلما دعوا الحسين وتنكروا له، عام 61 للهجرة، دعموا هولاكو، ومن ورائه بريطانيا التي حررتهم عام 1917 من العثمانيين، وثاروا عليها بعد ثلاث سنوات، متنكرين لقدرهم، كما لو اشتاقوا للخازوق العثماني مأبونين!
وحولوا تحرير امريكا لهم احتلالا، مع اننا كنا نتمنى ان يحكمنا الشيطان الازرق، بس نخلص من صدام! نسينا وتنصلنا من أحلامنا، كأن الواحد منا “يحمل في الداخل ضده”.
وأنا لست مع انقلاب 14 تموز 1958 ايضا، لكني ضد أن تجهض الثورة نفسها، ويتحول عبد السلام عارف الى صبي جاسوس لدى جمال عبد الناصر: “حاضر يمعلم” ثم وجده جمال لا يستحق الرهان فلم يبالِ به، وربما اراد به اسقاط اسطورة قاسم؛ كي يظل هو البطل القومي الاوحد، نظير عبد الكريم الزاهد بما يطمح اليه ناصر.
فيجيء عارف بالبعثية المعروفين بدمويتهم الفظيعة، غباء يزكم الضمائر، تناغم به كلاهما “تدهدى القدر فوجد قبقه” يلجآن للحلول الجهنمية، بمواجهة المعضلات المنطقية؛ ما جر علينا كل ما آلت اليه حالنا في ما بعد.
تنكر عارف لفضال قاسم عليه، بوقاحة تشبه أسلافه الذين خاطبهم الحسين: “أليس فيكم رجل رشيد” وقالوا: “كلا” حين قال له: “خلصني من هاي مثل ما خلصتك من ذيج”.
لكن لا رجولة لمن يستغل فظاعة البعثية ضد شعبه، مطلقا ايديهم ثمانية أشهر يعاقبون الشعب، مثلما صدام المنسول من مشيمة قيحه عاقب العراقيين طيلة التسعينيات، لأنهم انتفضوا عليه في آذار 1990.
سقط العراق، بسقوط قاسم شهيدا؛ كما تقول الحكاية الشعبية: “أكلت يوم أكل الثور الابيض” فعارف حقق مراد القوى الاقليمية التي ارادت ثلم ماسة العراق.
يا بئس ما شوه به المشير صفحة تاريخ البلد، ولكم عظيم الزعيم الذي لم ترهبه لحظات الموت، حين حوصر بالمنية، وفرص النجاة من حوله تجيء من الشعب الذي تجمع ملتفا حوله بما يكفي لاجهاض الانقلاب، فخاف عليهم من بطش البعثية، وعرضت عليه السفارة الروسية، انتشاله وانزال الجيش الروسي، في البصرة فورا، فرفض قائلا: “صنعنا المستحيل للتخلص من الاحتلال البريطاني، والان تريدون استغلال لحظة انهياري لتجعلونني القناة التي ينفذ منها الاحتلال الروسي”.
هل يتوفر ملاك بهذه المثالية في الوجود فعلا؟ يحمي قاتليه!
لن يتغير رأيي المتضاد مع ثورة العشرين، لكنني أحببت الشرعية الدستورية التي أسس لها الحكم الملكي، وأكره انقلاب 14 تموز 1958، وأحب شخص عبد الكريم، وتواضعه المثال الجاد بالوطنية كما يراها من وجهة نظره، التي اختلف معه فيها.
لكننا نتفق جميعا على ان كل جريمة ارتكبها صدام، واودت بنا الى الحجيم، يتحمل إثمها عبد السلام عارف!!!