تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في ظل اوضاع شائكة وصراعات بين الدول الكبرى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي ظروف صعبة للغاية وبالاخص بعد انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد في عام 1945،إذ كان السادس عشر من آب عام 1946 ولادة فكروطني قومي جديد يؤمن بالديمقراطية الحقيقية وحقوق الأنسان والحريات الفردية تمثل في تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد مخاض عسير وبجهود جبارة من قبل القادة والمفكرين الكورد وعلى رأسهم الخالد مصطفى البارزاني.
لم يتشكل الحزب كتنظيم سياسي اعتيادي في تلك المرحلة،اذ حمل هموم امة مزقتها مصالح ومعاهدات واتفاقيات الدول الكبرى،وكان لابد من تشكيل تنظيم سياسي يعمل وفق منهج علمي مدروس لأستعادة ثقة الجماهير بنفسها بالاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى بما ينسجم مع الواقع الكوردستاني،ومرّ الحزب خلال مسيرته النضالية بين 1946 و 2022 بمراحل مختلفة من المد والجزر املتها عليه ظروف ذاتية وموضوعية.
خلال مسيرته الشاقة والطويلة ،حقق الحزب مكتسبات كثيرة على مستوى كوردستان والعراق،لايتسع المجال القاء الضوء عليها في هذا المقال،كونها تحتاج كتب ومجلدات لتدوين جميع تلك المكتسبات، لكنني سأشيرهنا الى المكتسبات الكبرى التي تحققت لمصلحة الأمة الكوردية والعراق بشكل عام.
من اهم تلك المنجزات هو اعتراف الدستور العراقي المؤقت الذي كتب في عهد الرئيس عبدالكريم قاسم بشراكة الكورد في العراق والتي نصت المادة(4) منه على أن (العرب والكورد شركاء في الوطن) اذ كان هذا الاعتراف الدستوري بمثابة اهم منجز للحزب خلال السنوات الأثنتي عشرعاماً الأولى التي مرت على تأسيسه.
اتفاقية 11 آذار لعام 1970 التي وقعت بين الحكومة العراقية والقائد الرمز الخالد مصطفى البارزاني كانت احدى المنجزات الوطنية الكبرى للحزب والذي كان أعترف بحقوق الشعب الكوردي في العراق،فضلا عن تقديم ضمانات للكورد للمشاركة في الحكومة العراقية والاهم اعتبار اللغة الكوردية اللغة الرسمية الثانية في البلاد ويلزم تدريسها في مدارس منطقة الحكم الذاتي وجميع المؤسسات التعليمية العليا، لكن قضية كركوك التي كانت احدى اهم بنود الأتفاقية لم يتم التوصل إلى حل حاسم لها،ما أدى الى أنهيار الاتفاقية المذكورة واندلاع القتال في كوردستان من جديد.
إتفاقية الجزائر لعام 1975 التي وقعت من قبل شاه ايران وصدام حسين في الجزائر كانت بمثابة كارثة حلت بالثورة الكوردية،لكن الحزب لم يستسلم للضغوطات التي مارستها طهران وبغداد ضده بل صمد ولملم جراحه من جديدة لمجابهة الظروف القاهرة التي تلت الأتفاقية،حيث كانت ثورة كولان التي اندلعت في (26/ أيار/ 1976)بمثابة زلزال كبير للنظام العراقي بعد ان خيم اليأس والأحباط على نفسية المواطن الكوردي جراء انتكاسة عام 1975،اذ يعد تلك الثورة مكسباً كبيراً آخراً للحزب واعادة الثقة لقاعدته الجماهيرية الكبيرة.
انتفاضة عام 1991 التي خطط لها الحزب مع القوى الكوردستانية الاخرى هي احدى المنجزات الكبرى للحزب،حيث كانت تلك الانتفاضة الشعبية بمثابة بركان هز اركان النظام في بغداد وانهارت قواته العسكرية الجبارة امام صولات وهتافات المنتفضين،لتتحرر جميع القرى والقصبات والمدن الكوردية من براثن النظام البعثي الدكتاتوري والشروع بعمليات الأعمار وبناء المؤسسسات والدوائر الحكومية واعادة الحياة اليها بعد قرار النظام سحب دوائره ومؤسساته منها.
كما كان للحزب الديمقراطي الكوردستاني دوراً كبيراً في بناء كيان أقليم كوردستان وتشكيل برلمان كوردستان وحكومة الأقليم بالتعاون مع مختلف القوى السياسية الكوردستانية الأخرى، إن مايشهده اقليم كوردستان اليوم من تطورات كبيرة على مختلف الصعد ودوره المؤثرعلى المستويات المحلية والاقليمية والدولية يعد منجزاً اخراً يضاف للمنجزات والمكتسبات التي حققها الحزب.
المشاركة القوية والمؤثرة للحزب في الاعداد والاسهام في التخطيط لعملية اسقاط النظام الدكتاتوري من خلال المشاركة في المؤتمرات الكبيرة التي عقدتها المعارضة العراقية برعاية الولايات المتحدة في واشنطن ولندن وصلاح الدين،تعد من المنجزات المهمة للحزب في تأريخه النضالي المشرف.
كان للحزب الدور الأكبر والريادي في السعي والتخطيط لأجراء الأستفتاء على استقلال أقليم كوردستان التي جرت في 25 أيلول سبتمبر من عام 2017والذي يعد من اهم المنجزات الوطنية لشعب كوردستان،واصبحت هذه الوثيقة الشرعية الشعبية من اكبر المكاسب التي حققها الشعب الكوردي خلال القرن الماضي،حيث صوت 92% من ابناء شعب كوردستان لصالح الأستقلال واجراء حوارات مكثفة مع الحكومة الأتحادية،ورغم المشاكل والصعوبات والضغوطات المحلية والأقليمية التي واجهها اقليم كوردستان بعد هذا العرس الديمقراطي الكبير، الا انه يمثل تحولا جذرياً للقضية الكوردية في العراق والشرق الاوسط بشكل عام.
دور الحزب الديمقراطي الكوردستاني وشخص الرئيس مسعود بارزاني في العملية السياسية بعد اسقاط النظام وكتابة الدستور وتشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة والسعي لبناء عراق ديمقراطي حر مستقل،كان ومايزال دوراً رئيسياً بحيث لايمكن تجاوز الحزب في المعادلات السياسية المحلية والاقليمية والدولية.
ان تلك المكاسب والمنجزات التي تحققت خلال 76 عاماً من النضال والتضحيات الجسام والدور الاساس الذي يلعبه اليوم في العملية السياسية العراقية،ان دل على شيء انما يدل على أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني مايزال مؤثراً في أية متغيرات تطرأ على الساحتين الكوردستانية والعراقية وعاملاً مهما لأستقرار العراق والمنطقة.