19 ديسمبر، 2024 3:02 ص

6 كانون الثاني الكذبة الأكبر في التأريخ العراقي المعاصر

6 كانون الثاني الكذبة الأكبر في التأريخ العراقي المعاصر

في مثل هذا اليوم من كل عام يحتفل العراقيون بيوم تأسيس الجيش العراقي , حيث يعتبرون هذا اليوم يوما أغرا وعيدا وطنيا يقيمون فيه الاحتفالات ويتبادلون التهاني ويستذكرون أمجاد وبطولات هذا الجيش , ولو سألت أي عراقي ماذا يعني لك هذا اليوم ؟ فسيقول لك في مثل هذا اليوم من عام 1921 تم تشكيل أول فوج للجيش العراقي وهو فوج الأمام موسى الكاظم , مع العلم أنّ الدولة العراقية لم تكن قد تشّكلت في هذا التاريخ ولا حتى وزارة الدفاع العراقية , وعلى هذا الأساس تقام الاحتفالات العامة والاستعراضات في البلد ويتم تبادل التهاني والتبريكات في هذا اليوم الأغر , لكنّ أحدا من العراقيين لم يجري في خلده أو يتصوّر أنّ هذا اليوم الذي نحتفل فيه من كل عام ما هو إلا أكذوبة كبيرة أريد لها أن تكون غطاءا لقرار التاسيس الحقيقي .
فالرواية الرسمية تقول أنّ عشرة من الضباط العراقيين قد اجتمعوا في بيت جعفر العسكري واتفقوا على تاسيس الجيش العراقي , وهنالك رواية ثانية تقول أنّ أربعة عشر ضابطا قد اجتمعوا في بيت عبد القادر باشا الخضيري الواقع على نهر دجلة وقرروا تأسيس الجيش العراقي , ولا توجد أي وثيقة تاريخية أو محضر اجتماع يؤكد ويثبت حصول هذا الاجتماع .
فالمصادر التاريخية المعتبرة والرصينة والتي لا يرتقيها الشك كتاريخ الوزارات العراقية للمؤرخ عبد الرزاق الحسني , تثيبت جميعا أنّ قرار تأسيس الجيش العراقي قد صدر في مؤتمر القاهرة المنعقد ما بين 12 – 25 آذار من عام 1921 والذي عقدته وزارة المستعمرات البريطانية برئاسة المستر ونستون تشرشل وبحضور المندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس والجنرال ايلمر هالدن قائد القوات البريطانية في العراق والمسسز بيل السكرتيرة الشرقية لدار الانتداب البريطانية ووزير الدفاع الوطني جعفر العسكري ووزير المالية ساسون حسقيل بصفة مراقبين يستدعيان حينما يرى المجتمعون ضرورة إلى استمزاج رأي أحدهما أو كلاهما , وكذلك مستشاروا وزارت المالية والدفاع والاتصالات البريطانيون .
ويذكر الحسني في تاريخ الوزارات العراقية الجزء الأول صفحة 37 ( أنّ المؤتمر قرر تكوين جيش محلي من خمسة عشر الف مقاتل وتخصيص 15% من إيرادات العراق العامة له على أن تزداد حتى تصل إلى 25% سنويا ) , وبعد انفضاض أعمال المؤتمر في يوم 25 آذار 1921 أبرق جعفر العسكري إلى الأمير فيصل بن الحسين يخبره أنّ قرار قد صدر من المؤتمر بتاسيس الجيش العراقي , وفي 12 نيسان 1921 اعلن بيرسي كوكس لدى عودته إلى بغداد في بيان رسمي , أنّ الترتيبات قد اتخذت لتأسيس الجيش العراقي , وأول خطوة قام بها لتنفيذ مقررات مؤتمر القاهرة القاضي بتأسيس جيش عراقي , هو طلبه من مجلس وزراء الحكومة المؤقتة بكتابه المرقم (9314 ) والمؤرخ في 26 / آيار / 1921 بضرورة الإسراع في تكوين جيش وطني يتوّلى حفظ الأمن الداخلي , وأقرّ المجلس في جلسته المنعقدة في نفس اليوم , قانون التطوع المؤقت للجيش العراقي , وفي 22 / حزيران / 1921 أذاع وزير الدفاع جعفر العسكري هذا البيان ( لقد تشّكلت ولله الحمد وزارة الدفاع  , وقد عيّنت لجميع المحلات ضباطا للتجنيد لأجل تأليف الجيش الوطني الذي هو المستند الحقيقي لحفظ كيان البلاد ) , كما إنّ وزير المستعمرات البريطانية المستر تشرشل قد أعلن في 14 / حزيران / 1921 في مجلس العموم البريطاني عن إنشاء جيش العراق .
ومن خلال استعراض هذا السرد التاريخي يتّضح أنّ قرار تاسيس الجيش العراقي لم يصدر بإرادة ملكية , لأنّ الملك فيصل الأول لم يكن قد توّج بعد , وإنما صدر القرار في مؤتمر وزارة المستعمرات البريطانية المنعقد في القاهرة , أمّا فيما يتعلق بالسادس من كانون الثاني , فهو تزوير فاضح للتاريخ أريد منه إضفاء صفة الوطنية على قرار التأسيس , أمّا أول فوج للجيش العراقي فقد تشّكل في ثكنة الخيالة ببغداد في 28 / تموز / 1921 , وتسلّم قيادته العقيد محمد أمين عبد الغفور , واتخذ من خان ( الكابولي ) في الكاظمية مقرا له , وفي آذار سنة 1922 حمل هذا الفوج أسم الأمام موسى الكاظم بأمر من الملك فيصل الأول , وهذه التسمية قد جائت بمقترح من جعفر العسكري , حيث اقترح كل من الملك فيصل ونوري السعيد تسميته بفوج المسسز بيل , لكنّ التسمية استقرت على تسميته بفوج الأمام موسى الكاظم , وهذه كانت لاسباب ودوافع تتعلق بالوضع آنذاك , وهي تعبير مدروس لنظرية الضد النوعي , فعشائر الفرات الأوسط والجنوب الثائرة في ذلك الوقت ستقف مليا إذا ما أرادت قتال جيش سميّ بإسم أمامهم موسى الكاظم .
ولا أدري كيف تجاهل الباحثون هذه الحقائق مع العلم أنّ كل الوثائق التاريخية تثيب أنّ قرار تأسيس الجيش العراقي كان قرارا بريطانيا بالكامل , وأن أمر التأسيس قد تمّ بأمر من المندوب السامي البريطاني وليس بإرادة ملكية , ولو صدّقنا الرواية الرسمية المزعومة باجتماع مجموعة من الضباط العراقيين في بيت العسكري أو الخضيري ورغبتهم بتأسيس جيش وطني , فهذا الاجتماع لا يعدو كونه أكثر من رغبة لهؤلاء الضباط في تأسيس جيش وطني , فكيف نقبل بهذه الرواية والدولة العراقية ووزارة الدفاع العراقية لم يتشّكلا بعد , فإذا اعتبرنا أنّ يوم تأسيس وزارة الدفاع هو يوم تأسيس الجيش العراقي , فهذا يعني أنّ 22 / حزيران / 1921 هو اليوم الحقيقي للتأسيس , وإذا اعتبرنا أنّ يوم تأسيس أول فوج عراقي هو يوم التأسيس , فهذا يعني أنّ يوم 28 / تموز / 1921 هو يوم التأسيس , فلماذا إذن هذا التزوير للتاريخ ؟ , ولماذا لا نقر بأنّ جيشنا قد تأسس بإرادة المستعمر وليس بإرادة وطنية , وهل سيبقى العراقيون أسرى لهذه الأكذوبة التاريخية الكبرى ؟ أم أنهم على استعداد لتقبل الحقائق حتى وإن كانت هذه الحقائق مرّة ؟ .

أحدث المقالات

أحدث المقالات