” إن الذين لا يعتبرون من أخطاء الماضي مكتوب عليهم تكرارها مرة أخرى” (ويتني جريسولد)
كثيراً ما نتحدث عن التاريخ وحوادثه ونتداول فيما بيننا صفحاته بالسلب والإيجاب وكلٌ حسب رؤيته الممزوجة بالتأثيرات والتراكمات التي تكون الفيصل في تقييم المراحل والحب التاريخية، إلا أن القليل من يفكر في الإستفادة من قراءة التاريخ لاستخلاص العبر والدروس التي تكون عاملاً أساسيا في تجنب أخطاء الماضي وتكرار أحداثه بصور مستحدثة وأشخاص مختلفين إلا أنها تكاد تكون نسخة طبق الأصل للشعوب من حيث تكرار نتائجها المتمثلة بمزيد من المرارة والخيبة والألم..
يشكل يوم (4/9) يوما بارزاً في تاريخ العراق المعاصر ، فلقد شهد هذا اليوم سقوط اعتى دكتاتورية شهدها العراق على صعيد الزعامة السياسية ، لقد كان يوم التاسع من نيسان 2003 يوم سقوط نظام صدام القمعي وإعلان لنهاية حكم البعث الدموي وهو مناسبة سعيدة لكل من اكتوى بجحيم صدام وحزبه القذر وأجهزته المجرمة ، ويشكل ذكرى مريرة لايتام البعث وللمتضررين من نهاية حقبته السوداء ..
ويشكل هذا اليوم من جهة أخرى بداية لتأسيس نظام فوضوي من صناعة الادارة الامريكية التي احتلت العراق ونصب حاكما عسكرياً وأخر مدنياً لتخطيط وتنفيذ مشروع ما بعد صدام في العراق الجديد ، وكانت معالم هذا المشروع هو لبننة العراق وخضوعه لنظام المحاصصة القومية والطائفية فقط دون اي معايير أخرى بناءة لاعادة بناء الدولة وانما زادت الادارة الامريكية للعراق من هشاشة الأسس للدولة العراقية بمجموعة من القرارات الهدامة كحل الجيش العراقي وتأسيس هيئات مستقلة بديلا عن الوزرات وغيرها من الممارسات المقصودة لتدمير البنى التحتية مؤسسات الدولة ..
وهكذا ولد من رحم تلك الادارة الامريكية المشؤومة مشروع المحاصصة بين حيتان الفساد الجائعة للمال والسلطة والاستبداد والقائم الى اليوم على أساس القوة والعنف لحيتان السياسة وعصابات الإرهاب والفساد المنضوية تحت لوائها ..
وكلا النظامين السابق (المجرم) واللاحق (الفاسد) هما صنيعة حكومات الولايات المتحدة الأمريكية التي لا زالت إلى اليوم تمارس تدخلها ودول الجوار فتنصب من تشاء رئيساً ووزيراً ومديراً وقائداً وزعيماً ، ولا حول لكتل الفساد الكبيرة ولا قوة الا على المواطنين الأبرياء الذين يخرجون أحياناً للمطالبة ببعض حقوقهم المنهوبة تمارس ضدهم كل أنواع القمع من أجل حفاظها على (بيت المال)..
الشعب العراقي هو ضحية في كل الأحوال والحكومات وان كان الكثير من شرائحه يتحملون جزء كبير من تمكن المجرمين والفاسدين بالسلطة من خلال التصفيق لكل ناعق ومسعول، بل والتعصب للمسؤول في أكثر الأحيان يكون بدوافع قومية أو طائفية أو حزبية أو عشائرية وبالنتيجة تحزب اغلب فئات المجتمع وان لم تنتمي للتوجهات السياسية المختلفة والمتعددة الولاء بحسب الانتماء ..
وربما يتشأم الكثير من وجود فرص حقيقية لتغيير الوجوه الكالحة التي تتلاعب بمقدرات العراق وشعبه نتيجة مكر الزعامات السياسية في تثبيت وجودها السياسي من خلال سن القوانين والتشريعات التي ترسخ وجودها في الإنتخابات وتعيد تدوير كياناتها واشخاصها على مستوى العناوين والأفراد بين الحين والآخر وبما تقتضيه مصلحتها ومشاريعها المتلاعبة بالعقول، إلا أن الأمل في التغيير معقود على الشباب في تغيير نتائج اللعبة القائمة في الساحة السياسية العراقية، والتغيير ممكن ومتاح في حال أراد الشعب القيام بثورة حقيقية لاقتلاع جذور ورموز الفساد والاستبداد، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال من خلال انبثاق انتفاضة وطنية بحتة وبعيداً عن التأثيرات والتدخلات الخارجية والحزبية ، وتحت قيادة واعية مستقلة همها الأول فقط العراق والعراقيين، أو اللجوء إلى الخيار المتاح الآخر والمتمثل في التغيير عبر المشاركة الواسعة والفاعلية بالانتخابات لإختيار الشخصيات الوطنية الكفؤة المستقلة وازاحة كتل الفساد السياسي ونبذها إلى الأبد وهو ما نعقد عليه الآمال في كل موسم انتخابي .