9 أبريل، 2024 7:25 م
Search
Close this search box.

سنروض الجاهلون ونحد من خطرهم على المجتمع وعلى انفسهم

Facebook
Twitter
LinkedIn

في عصرنا الحالي أكثر ما يمكن ان يقتل القيم ويفتتها ويذهب بها الى الزوال هو الجهل الذي بات يهدد كل شيء جميل ويُغيب الاخلاقيات، فحين يعم الجهل لم يعد هناك فرصة لتدارك الموقف سيما اذا كانت البيئة المجتمعية تدعم الجهلاء وتمنحهم فرصة للانتشار بصورة ملفتة للنظر ومحبطة للآمال كما هو الحال الآن للأسف.
الجهل ببساطة هو عدم التعرف بالأشياء والوقوف على كنهها وهو ايضاً انعدام التطلع من اجل معرفة حقائق جديدة او حتى قديمة لم تصله، وما يتصف به الشخص الجهل هو انعدام الرغبة في التعرف على الحقيقة الكاملة ودائما ما يتم تلقينه المعلومات من أشخاص غير موثوق بهم وبعلمهم، ودائما ما تجده ليس على يقين بما يعمل من صغار الأشياء وكبائرها.
من دلائل تفشي الجهل في مجتمعنا العربي عموماً انهم لا يقبلون بأية فكرة جديدة، فالفرد العربي في الغالب ان لم يرفض الفكرة الجديدة لم يرحب بها ولم ينصرها وبالتالي يوقفها عند حدود مكان ولادتها لا لشيء بل للخوف منها وهنا يتصدر الرفض غير المبرر.
هل توجد انواع للإنسان الجاهل؟
للجاهل ثلاثة انواع اولها: الانسان الجاهل المنفتح الذي يعي انه جاهل ويتعامل مع نفسه بثقة ورغبة في تغيير نفسه عبر تعلم اشياء جديدة لم يكن يعرفها، ثاني الانواع هو الانسان الجاهل الممانع الذي لا يعترف بجهله ويرفض كل اشكال التعلم والتغير على فرض انه يرى نفسه غير منقوص منه شيء، اما النوع الثالث والاخير فهو الجاهل الظلامي الذي يتخذ من الجهل منهجاً ويعتاش عليه وقد يحارب ويمنع الأخرين من التعلم والاستنارة.
كيف نتعامل مع الجهل والجهلاء؟
احيانا نحاول قدر الممكن ان نبتعد عن التعامل مع الجهلاء لكن لم نشعر الا ونجد انفسنا وقعنا بالقرب منهم فنصبح مجبرين على التعامل معهم بصفة شخصية ومن هذا المنطلق لابد من التعامل معهم بحكمة بأتباع الخطوات الاتية:
1- من غير المنطقي الدخول مع الجاهل المعتد بجهله بحديث عام سيما الاحاديث التي تحمل طابع الجدل وسيما تلك التي تخص العقيدة او العشيرة او كل ما يعتبره مساساً بما يخصه لان الحوار مع الجاهل كالنقش على الماء مهما ابدعت لن تحدث معه شيئاً.
2- اذا كان لابد من التحدث معه لضرورة ما فيجب النزول الى مستوى تفكيره البسيط لأجل إقناعه بما يراد ايصاله من فكرة او معلومة دون اشعاره بأن جاهل او انه بسيط لكون ذلك سيجعله رافضاً للحديث جملةً وتفصيلاً.
3- ليس منطقياً ابداً ان نعامل الناس على وفق تحصيلهم الاكاديمي، اذ ان التحصيل الدراسي العال ليس دليلاً على الثقافة بل ان الكثير من الناس لديهم من السلوكيات التي تنم عن ثقافة وانتظام رغم كونهم ليس لديهم تحصيل اكاديمي والعكس هو الصواب، من هنا يجب ان نتعامل مع الناس على اساس سلوكهم وليس على اي اساس مظاهرهم.
4- على الانسان دائما ان يعمل على تسليح نفسه بالكثير من المعرفة كي يصبح على علم بكافة الأمور التي تحدث وأن يكون على أتم الاستعداد للتغير من طريقته في التعامل مع الشخص الجاهل فالكثير من الجهلاء حين يجدون في محدثهم اطلاع وثقافة وقوة حجة فأنهم يناصعون الى آرائهم ويقتنعون بهم وبما يدعون اليه.
5- لابد لأي شخص يتعامل مع شخص جاهل ان يعي أن امكانية تغيره نحو الافضل لن تحدث بين ليلة وضحاها لذا من الضروري التمتع بمرونة وقابلية للتحمل وهو ما يجعل الصعب ممكناً ولو بعد حين.
6- لابد من التمتع بقدر عال من الادب في التعامل مع الجاهل لكي لا يتخذ من العكس ممسكاً وبالتالي يتمادى في جهله ولا يستجيب لأي امر ويتحول الى جاهلا عنيداً وبذا تعقدت المشكلة بدل ان تحل، تلك ابرز الامور التي ان احسنا القيام بها سنروض الجاهلون ونحد من خطرهم على المجتمع وعلى انفسهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

الاحترام الغير المجدي
برينستون ـ إن الانتصارات القليلة التي حققتها أحزاب يسار الوسط في البلدان الكبرى لا تُشكل اتجاهًا دوليًا. ومع ذلك، يُشير فوز الديمقراطيين الأمريكيين في عام 2020 والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD) في عام 2021 -ناهيك عن الأداء الاشتراكي القوي في الانتخابات البرتغالية الأخيرة- إلى أن أزمة الديمقراطية الاجتماعية التي جرت مناقشتها بشكل مُكثف لم تكن كارثية.
ووفقًا لبعض الخبراء الاستراتيجيين من يسار الوسط، يتطلب التجديد السياسي الابتعاد عن أي شيء يتسم بسياسات الهوية. إن موضوع الحملة الناجحة للمستشار الألماني أولاف شولتز الذي كان “الاحترام” يُثبت هذا الأمر. ويبدو أن المعنى الضمني لذلك هو أن “الطبقة العاملة” تستحق الأولوية على الاعتراف بالأقليات التي أصبحت أكثر حزماً والتي تُحدد هويتها بنفسها. ومن هذه الفرضية تنبع حجة أخرى يطرحها النقاد منذ سنوات: يتعين على يسار الوسط استعادة أصوات اليمين المتطرف، ليس فقط من خلال إعادة التركيز على القضايا الحاسمة، ولكن أيضًا من خلال تقديم تنازلات للمشاعر القومية والمناهضة للهجرة (على الرغم من أن هذا الجزء لا يُصرح به علنًا).
ومع ذلك، تُعد هذه الفرضية خاطئة، سواء من الناحية التجريبية أو الأخلاقية. في الواقع، لن تفشل الأحزاب التي تنتهج مثل هذه الإستراتيجية في تأمين أغلبية الأصوات في المستقبل فحسب؛ بل ستعجز عن الوفاء بالالتزامات الأساسية التي تحدد يسار الوسط، والتي يأخذها الناخبون الأصغر سنًا على محمل الجد. ومن المؤكد أن انتصار شولز العام الماضي قد أثبت صحة ادعاء زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابق سيغمار جابرييل، الذي حذر في عام 2016 قائلاً: “إذا خسرت أصوات العُمال في منطقة حزام الصدأ، فلن ينقذك محبو موسيقى الجاز في كاليفورنيا”. كما أخذ شولتز أيضًا بنصيحة الفيلسوف السياسي من جامعة هارفارد مايكل ساندل، الذي كان يحث يسار الوسط على التخلي عن تركيزه على الجدارة.
والفكرة هنا تتمثل في أن القادة السياسيين يجب أن يكُفوا عن إخبار “الخاسرين المزعومين بسبب العولمة” بأن إخفاقاتهم هي بسبب الأخطاء التي قاموا بارتكابها (أو الإشارة على نحو غير لائق إلى أن العُمال النازحين من ذوي الياقات الزرقاء بحاجة فقط إلى المضي قدمًا و”تعلم البرمجة”). يتعين على أصحاب المؤهلات العالية الاعتراف بأن نجاحهم غالبًا ما يكون نتيجة للامتيازات القائمة والحظ فقط، وأن الأشخاص الأقل تعليماً يستحقون قدرًا من الاحترام أكبر مما حصلوا عليه بالفعل.
يتوافق هذا النهج إلى حد كبير مع آراء أكاديمي مشهور آخر: وهو خبير الاقتصاد الفرنسي توماس بيكيتي، الذي يجادل بأن المنافسة السياسية في أنظمة الأحزاب الغربية تُمثل الآن في المقام الأول نخبتين مختلفتين: “يسار البراهمة” (“العاملين في مجال المعرفة” المُثقفين) و”يمين التجار” (كبار رجال الأعمال والمانحون الأثرياء الذين يؤيدون الأحزاب والقضايا المحافظة). وبالتالي، لا يوجد مكان للطبقة العاملة.
يعتقد العديد من المراقبين أن العُمال الذين يشعرون بالتجاهل سيصبحون حتمًا مُنتمين إلى اليمين المتطرف – والذين يُطلق عليهم أحيانًا اسم “أحزاب الطبقة العاملة 2.0”. يتمثل الدرس الذي ينبغي أن يستخلصه يسار الوسط في أنه يجب أن ينتقل لمرحلة ما بعد الليبرالية الجديدة وما بعد الجدارة، ويقدم في بعض الأحيان تنازلات تكتيكية للعاملين ذوي المواقف الاستبدادية والمناهضة للمهاجرين.
ومع ذلك، كما أوضح علماء الاجتماع طارق أبو شادي وريتو ميتيريغر وكاس مود، فإن الافتراضات التي تقوم عليها هذه الصيغة البسيطة المغرية خاطئة. في الواقع، كان هناك دائمًا عُمال يميلون إلى دعم الأنظمة الاستبدادية، ونادرًا ما صوتوا لصالح أحزاب يسار الوسط – ولا حتى خلال فترة الديمقراطية الاجتماعية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لم تكن الطبقة العاملة متجانسة من قبل، بل أصبحت أكثر تنوعًا مع مرور الوقت. لم يعد عامل الفولاذ الأبيض النموذجي من الذكور يمثل عن بعد هذه المجموعة الأوسع. إن أغلبية العاملين في الخدمات هم من الإناث، ونسبة كبيرة منهن من النساء ذوات البشرة الملونة.
ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن أبو شادي وميتيجر ومود يشيرون إلى أن غالبية الناخبين من الطبقة العاملة في أوروبا الغربية – سواء في بيئة الإنتاج التقليدية أو في الخدمات – ليسوا معاديين للهجرة. وفي حين كان أداء اليمين المتطرف أفضل بين العمال في السنوات الأخيرة – مع تجاوز دائرته الانتخابية التقليدية التي تتألف من أصحاب المشاريع الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص – إلا أنه لا يزال يتمتع بحوالي 15٪ فقط من إجمالي أصوات العمال في انتخابات أوروبا الغربية. ووفقًا لأبو شادي وميترجر ومود، كان أداء اليمين المتطرف أفضل بكثير في التعامل مع الناخبين ذوي التعليم المتدني الذين كانوا يؤيدون في السابق الأحزاب المحافظة الرئيسية أو لم يدلوا بأصواتهم على الإطلاق.
صحيح أن شعبية أحزاب يسار الوسط قد تراجعت في العديد من الديمقراطيات في العقود الأخيرة، لكن المستفيدين الرئيسيين كانوا من أحزاب يمين الوسط وحزب الخضر، ومن المرجح أن ينشق المتعلمون تعليمًا عاليًا عن أحزاب الطبقة العاملة التقليدية. ونظرًا إلى أن المواطنين في مختلف أنحاء الغرب أصبحوا أكثر تعليماً – وتدريجيًا – أكثر انفتاحًا، فإن مناشدة رجل أبيض نموذجي يشعر بالاستياء من صعود الليبراليين الجدد ليست إستراتيجية ناجحة.
وعلاوة على ذلك، من الخطأ النظر إلى السياسة على أنها تتعلق إما بالاعتراف بكرامة الناس أو بإعادة التوزيع المادي. هذا خيار خاطئ، ومن الوهم الاعتقاد بأن السياسة في الماضي كانت تدور حول التوصل إلى تسويات منطقية بين جماعات ذات مصالح اقتصادية متنافسة. لم يكتف الاشتراكيون السابقون بممارسة الضغوط من أجل الحصول على أجور أعلى؛ كما ناضلوا من أجل الاعتراف بكرامة العاملين.
يزعم منتقدو سياسة الهوية أنها تؤدي إلى شكل جديد من أشكال الإقطاعية، مع تقسيم النظام السياسي إلى “مجموعات فرعية منفصلة”. ومع ذلك، فإن الأمثلة النموذجية لسياسات الهوية – مثل حركتي “حياة السود مهمة” و “مي تو/ أنا أيضا” (وهي حركة نسائية اجتماعية مناهضة للتحرش الجنسي) – لا تتعلق في الواقع بفصل المجتمع إلى فئات تتسم تجربة حياتها بالغموض التام بالنسبة لأعضاء المجموعات الأخرى. وبعد كل شيء، هناك تركيز قوي على التوزيع: إن الحقوق التي يعتبرها العديد من المواطنين أمرًا مسلمًا به – مثل عدم إطلاق النار من قبل الشرطة أو التعرض للاغتصاب من قبل أشخاص ذوي نفوذ – يجب أن يتم تأمينها للجميع. إن الشباب أكثر حساسية في التعامل مع هذه التحديات، وقد كان أداء الديمقراطيين الاجتماعيين ضعيفًا في السنوات الأخيرة بين الفئات الأصغر سنًا، وليس العُمال الأكبر سنًا.
ووفقًا لمستشاري شولتز، فقد نجح في الإصرار على عدم اعتبار أي شخص “مؤسفًا” – وهو المصطلح المُعيب الذي استخدمته هيلاري كلينتون لوصف أنصار دونالد ترامب في عام 2016. صحيح أن الاحترام بالتساوي يُعد عنصرًا أساسيًا من عناصر الديمقراطية. لكن هذا لا يعني أن الشخصيات اليمينية المتطرفة – ممثلو “البائسين” الذين نصّبوا أنفسهم – محقون في الإشارة إلى أن المهنيين ذوي التعليم العالي يقضون معظم وقتهم في السخرية والاستهزاء من المُتخلفين أو ذوي التعليم المُتدني. إن التواصل مع الجميع شيء؛ وتصوير السياسة باعتبارها حربًا ثقافية بين الأشخاص الأقل تعليماً وبين النخب المُتكبرة هو أمر مُختلف تمامًا.
لم ينجح الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان في الفوز بأصوات ناخبي اليمين المتطرف، وذلك لأن ناخبيهم لم يتحركوا على نحو جماعي في هذا الاتجاه. ومن خلال تقديم تنازلات لليمين المتطرف، سوف تعمل أحزاب يسار الوسط على عزل الفئات الديموغرافية الحالية والمستقبلية التي تحتاج إليها للفوز.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نيويورك ــ طرأ على سعر البتيكوين تحولا جامحا آخر، حيث ارتفع من 41 ألف دولار تقريبا في التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول 2021 إلى 69 ألف دولار في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قبل أن يهبط إلى 35 ألف دولار تقريبا في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني. هذا هو ثاني أكبر انخفاض في قيمته المطلقة، وإن كان عانى من انخفاضات أكبر بالنسبة المئوية، كما حدث خلال الفترة من الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما هبطت قيمته بنسبة 83.8%. على نطاق أوسع، قُـدِّرَت قيمة سوق العملات الرقمية المشفرة (التي تضم نحو 12278 عُـملة معدنية) بنحو 3.3 تريليون دولار في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قبل أن تنخفض بشدة إلى 1.75 تريليون دولار اعتبارا من الثلاثين من يناير/كانون الثاني.
عُـملة البيتكوين عبارة عن أصل رقمي خاص يقوم على تكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع المعروفة باسم “سلسلة الكتلة”، وهي تستخدم كعملة رقمية لا مركزية ــ نظام نقدي إلكتروني من نظير إلى نظير. ولأنها بلا قيمة جوهرية، فإن تقييمها السوقي (بالدولار الأميركي) ليس أكثر من فقاعة.
إذا كنت ممن دخلوا هذه السوق في مرحلة مبكرة و”تمسكت بها وكأن حياتك تعتمد عليها” ــ كان سعر البيتكوين 327 دولارا في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ــ فهذا يعني أنك حققت مكسبا رأسماليا قدره 11521.5 دولارا في الثلاثين من يناير/كانون الثاني. ولكن برغم أن قيمة البيتكوين قد ترتفع إلى 200 ألف دولار بحلول نهاية هذا الشهر، فإنها قد لا تساوي شيئا. فهي بلا مرساة.
إذا حققت عملة البيتكوين، من خلال تقارب عشوائي لعوامل عشوائية، تقييما إيجابيا عند نقطة ما من الزمن، فمن المفترض أن تكون تقييمات الأصول مدفوعة بشرط المراجحة الذي يتطلب أن تكون العوائد المعدلة حسب المخاطر على الأصول المختلفة متساوية. ولأن الصِـفر تقييم محتمل دائما لعملة البيتكوين، فيمكننا أن نتوقع تقلبات جائحة في أسعارها.
صحيح أن ذات الأمر ينطبق على تقييم النقود الورقية التي تصدرها البنوك المركزية. ورغم أن استخدامها في سداد الضرائب ووضعها كعملة قانونية يمنحها ميزة فوق العملات الرقمية المشفرة، فإن علم الاقتصاد يعجز عن تحديد القيمة السوقية لهذه المسؤولية التي تقع على عاتق البنوك المركزية. إن افتقار هذه العملة إلى قيمة جوهرية يجعلها قابلة للتحويل بحرية إلى نفسها فقط. ورغم أن المرء قد يفترض وجود دالة طلب حسنة لأرصدة الأموال الحقيقية، فإن هذا يرقى إلى افتراض عدم وجود مشكلة في الأساس.
وليس من المفيد أن نفترض بدلا من ذلك أن المخزون الحقيقي من النقود الورقية لدى البنوك المركزية يقدم خدمات إنتاجية غير محددة أو استخدامات غامضة للأسر. كان أفضل ما أتت به الاجتهادات في علم الاقتصاد هو افتراض مفاده أن المقايضة الفعالة مستحيلة، وبالتالي فإن النقود الورقية ضرورية لتنفيذ المعاملات الأساسية، مثل مشتريات المستهلكين.
ولكن حتى لو تمكنا من الدفع بطلب حقيقي على أرصدة نقود حقيقية إلى خارج عالم النقود الورقية التي تفتقر إلى قيمة جوهرية، فإن تحديد سعر النقود (عكس مستوى السعر العام للسلع والخدمات) سيظل أمرا مُـعضِـلا، لأن عالم الأسعار المرنة سيشتمل دوما على توازنات متعددة.
لنفترض على سبيل المثال أن مخزون النقود الاسمي (إجمالي المعروض من العملة في الاقتصاد) وكل العوامل الأخرى ذات الصلة ظلت ثابتة. حتى في ظل هذه الظروف المبسطة، لا يوجد ما قد يفيد في تحديد القيمة الأولية لمستوى السعر. هناك دوما توازن بسعر الصفر للنقود (مما يعني مستوى أسعار عام غير محدود). علاوة على ذلك، في الظروف الأولية المختلفة، قد تنشأ فقاعات تضخمية عقلانية أو فقاعات انكماشية، أو دورات للحدود، أو سلوك فوضوي. هناك أيضا توازن “أساسي” فريد حيث يكون سعر النقود موجبا وثابتا. أخيرا، من الممكن أيضا أن تكون التحولات العشوائية بين التوازنات المختلفة بمثابة توازن في حد ذاتها. ومع السلوك غير العقلاني والأسواق غير الفعالة، يزداد مجال الاضطرابات في السوق.
يؤكد علم الاقتصاد النيوكلاسيكي أن الـغَـلَبة تكون للتوازن “الأساسي”، في حين يتجنب علم الاقتصاد الكينزي معضلة التوازن المتعدد بالإصرار على أن مستوى السعر العام ليس سعرا مرنا للأصول مدفوعا بالمراجحة. بل هو بدلا من ذلك مستوى لزج أو جامد. يعين التاريخ قيمة أولية لمستوى الأسعار العام، والذي يجري تحديثه بعد ذلك بمعادلة تضخم ديناميكية مثل منحنى فيليبس (الذي يؤكد وجود علاقة عكسية مستقرة بين التضخم والبطالة). هذا النهج ليس رائعا، ولكن يمكنني التعايش معه.
عندما يكون للعملة الورقية التي يصدرها بنك مركزي قيمة، فإن هذا ينطبق أيضا على الأصول الخاصة التي يُـتوقع بقدر كبير من الثقة أن تكون قابلة للتحويل إلى نقود يصدرها بنك مركزي عند الطلب وبسعر ثابت (مثل ودائع البنوك التجارية). ويعمل التأمين على الودائع الحكومية على تعزيز هذه الثقة حتى عندما تكون معظم الأصول التي تحتفظ بها البنوك غير سائلة.
على النقيض من ذلك، تُـعَـد العملات الرقمية المستقرة ــ عملات رقمية يفترض أنها قابلة للتحويل إلى دولارات عند الطلب بسعر ثابت ــ فعليا ودائع بدون تأمين. وعندما ــ وحيثما ــ تُـقـبَـل، فيمكنها أن تعمل على تسهيل المدفوعات الرقمية. لكنها تنطوي على مخاطر حتى لو كانت الأصول المحتفظ بها مقابلها ذات قيمة جوهرية. وإذا استُـثــمِـرَت العائدات من إصدار عملة مستقرة في أصول رقمية مشفرة عديمة القيمة جوهريا، فمن المحتم أن تتحدى الأسواق استقرار هذه العملة المستقرة.
من الصعب فهم الشعبية التي تتمتع بها عملات رقمية مشفرة محفوفة بالمخاطر بدرجة مذهلة ولا قيمة لها جوهريا، وقريبا قد تخضع ثقة المشترين في قدرة سلسلة الكتل على الحفاظ على سجل غير قبل للتغيير للمعاملات للاختبار بوصول الحوسبة الكمية، مما يخلق المزيد من المخاطر. علاوة على ذلك، تصبح كمية الطاقة المستهلكة من خلال دفاتر الأستاذ الموزعة لإثبات العمل ــ مثل سلسلة كتل البيتكوين ــ أكثر ضخامة مع كل معاملة، مما يؤكد على رجاحة الحجة لصالح تسعير الكربون المناسب، أو في حال فشل ذلك، فرض ضريبة على تعدين العملات الرقمية المشفرة.
أخيرا، يثير عدم الكشف عن الهوية والمتاح لحاملي العملات الرقمية المشفرة مخاوف جدية بشأن الاستخدامات غير القانونية للأموال، بما في ذلك التهرب الضريبي، وغسل الأموال، وإخفاء العائدات من هجمات برامج الفدية وغير ذلك من الجرائم السيبرانية، وتمويل الإرهاب. لقد أصبحت القضية شديدة الإلحاح ــ وقد لا يكون التنظيم كافيا.

 

 

 

الإنسانية الواقعية العظيمة عند تشيخوف

177
قصةالفقرأدبالانسانالكتابةالواقعيةانطون تشيخوف
اشتهر تشيخوف بكونه كاتباً مسرحيًا، ولكنه أيضاً أستاذ في فن القصة القصيرة ويستند إلى الإنسانية الواقعية.
“أنطون تشيخوف” Anton Chekhov (1860-1904) طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي، يُعتبر من أفضل كتاب القصص القصيرة على مدى التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس. كتب المئات من القصص القصيرة، ومسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين. بدأ “تيشيخوف” الكتابة عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة موسكو، ولم يترك الكتابة حتى أصبح من أعظم الأدباء. استمر في مزاولة مهنة الطب. عُرف عنه قوله “إن الطب هو زوجتي والأدب عشيقتي”.
حول الواقعية الإنسانية لأنطون تشيخوف
“خارج كل أبواب السعادة والرضا، يجب أن يكون هناك رجل يحمل مطرقة، والذي كان يذكرهم باستمرار بأن هناك أشخاصاً غير سعداء، بغض النظر عن مدى سعادتك، ستقلب الحياة جوانبها المظلمة عاجلاً أم آجلاً إلى/ وسوف تتأثرون بالمحن، والمرض، والفقر، والخسارة، وبعد ذلك لن يراك أحد أو يسمعك، تماماً كما أنك الآن لا ترى أو تسمع الآخرين”
الاقتباس أعلاه مأخوذ من الكاتب الروسي “أنطون تشيخوف” الذي تواصلت كتاباته عتبة القرن العشرين، في مجتمع روسي يتسم بالفقر والقمع السياسي والتفكير الشمولي.
صورة المؤلف كرجل بمطرقة تكسر جدار الجهل والقمع بطريقة مناسبة، لكنها أيضاً صورة تعبر عن حب الإنسانية الذي هو جزء مهم من رؤية “تشيخوف” للحياة، يجعلك تشعر بالصدق الذي يُبنى على الإنسان كما هو، وليس كما ينبغي.
تكمن موهبة “تشيخوف” الخاصة في أنه تمكن من وصف الناس بعقلانية وبإحساس مميز بتعقيدهم وتشابكهم. إنه مؤلف متحرر من إبهار السبابة الأخلاقي.
طفولة تشيخوف
ولد “أنطون تشيخوف” في يوم عيد القديس بطرس أنتوني العظيم St. Anthony (17 يناير التقويم القديم) 29 يناير 1860 في تاغانروغ Taganrog وهو ميناء على بحر آزوف Azovhavet في جنوب روسيا.
كان هو الثالث من بين ستة أطفال على قيد الحياة. كان والده “بافل يغوروفيتش تشيخوف” Pavel Yegorovich Chekhov ابن عبد سابق، وزوجته الأوكرانية من قرية أولهوفاتكا Olhovatka، محافظة فورونيج Voronezh وكان يدير محل بقالة.
اعتبر بعض المؤرخين “بافل تشيخوف” قائد جوقة الرعية، ومسيحي أرثوذكسي متدين، وأب مسيء جسدياً، ويشكل نموذجاً لصور ابنه العديدة، التي تشكلت فيما بعد عن النفاق في كتاباته.
كانت والدة “تشيخوف” “يفغينيا موروزوفا” Morozova Yevgeniya راوية لقصص ممتازة، وقد أمتعت الأطفال بقصص عن رحلاتها مع والدها تاجر الملابس في جميع أنحاء روسيا.
يتذكر “تشيخوف”: “لقد حصلنا على مواهبنا من والدنا، ولكن روحنا من والدتنا.”
كان الاستبداد والكذب هو الذي أفسد شباب والدتنا. الاستبداد والأكاذيب شوهت طفولتنا لدرجة أنه من المخيف والمثير للغثيان التفكير في الأمر. أذكر الرعب والاشمئزاز الذي شعرنا به في تلك الأوقات، حيث ألقى الأب بنوبة غضبه على الوالدة أثناء العشاء، بسبب وجود الكثير من الملح في الحساء وأطلق عليها لقب الأم الحمقاء”.
التحق “تشيخوف” بمدرسة يونانية في تاغانروغ Taganrog حيث تم احتجازه لمدة عام بسبب إخفاقه في امتحان اللغة اليونانية القديمة. غنّى في دير الروم الأرثوذكس في تاغانروغ بجوقة والده. وفي رسالة من عام 1892، استخدم كلمة “معاناة” لوصف طفولته وذكر:
“عندما اعتدت أن أقف أنا وإخوتي في وسط الكنيسة ونرنّم الثلاثي “لتُعَلَى صلاتي” أو “صوت رئيس الملائكة”، نظر إلينا الجميع بعاطفة وحسد، لكن في تلك اللحظة شعرنا أننا سجناء صغار”
في عام 1876، أُعلن والد “تشيخوف” إفلاسه بعد أن أفرط في إنفاق موارده المالية على بناء منزل جديد، بعد تعرضه للخداع من قبل مقاول يُدعى “ميرونوف”. Mironov
ولتجنب السجن بسبب الديون هرب إلى موسكو، حيث ذهب ابناه الأكبر “ألكسندر ونيكولاي” Alexander، Nikolay إلى الجامعة.
عاشت الأسرة بفقر في موسكو. كانت والدة “تشيخوف” محطمة جسدياً وعاطفياً بسبب هذه التجربة. تُرك تشيخوف لبيع ممتلكات العائلة وإكمال تعليمه.
في عام 1879 أكمل “تشيخوف” دراسته وانضم إلى عائلته في موسكو بعد التحاقه بكلية الطب في آي. م. سيتشينوف I.M. Sechenov أول كلية طبية في موسكو.
كتابات مبكرة
تولى “تشيخوف” الآن مسؤولية الأسرة بأكملها. ولدعمهم ودفع رسومه الدراسية، كان يكتب يومياً رسومات قصيرة ومضحكة ومقتطفات صغيرة من الحياة الروسية الحديثة، والعديد منها تحت أسماء مستعارة.
أكسبه إنتاجه الرائع شهرة تدريجية باعتباره كاتباً ساخراً لحياة الشوارع الروسية، وفي عام 1882 كتب لأوسكولكي Oskolk المملوكة لنيكولاي ليكين Nikolai Leykin أحد الناشرين البارزين في ذلك الوقت. كانت نبرة “تشيخوف” حينها أقسى من تلك المعروفة في أعماله الروائية اللاحقة.
في عام 1884 تأهل “تشيخوف” طبيباً، واعتبره مهنة الطب عمله الرئيسي، وجنى بعض المال منها، وعالج الفقراء مجاناً.
في عامي 1884 و1885 وجد “تشيخوف” نفسه يسعل دما، وفي عام 1886 تفاقم وضعه الصحي، لكنه لم يخبر أسرته أو أصدقائه بمرض السل الذي أصيب به.
في أوائل عام 1886 تمت دعوته للكتابة في إحدى الصحف الأكثر شهرة في سانت بطرسبرغ، نوفوي فريميا Novoye Vremya “نيو تايمز” التي يملكها ويحررها المليونير أليكسي سوفورين Alexey Suvorin الذي أصبح صديقاً مدى الحياة، وربما كان أقرب أصدقاء “تشيخوف”.
الحياة والعمل
لم يكن فهم “تشيخوف” للطبائع البشرية يعود فقط إلى عمله كطبيب. بفضل عمله، سافر إلى بقاع متعددة في روسيا والتقى بأشخاص من جميع مناحي الحياة. يتم التعبير عن هذا الأمر في مؤلفاته، التي تغطي في معرض شخصياته كل شيء، من أغنى برجوازية إلى أكثر الفلاحين والفقراء هزالًا وفقراً.
بالإضافة إلى عمله طبيباً، كانت رحلته إلى جزيرة “سخالين” Sakhalin Island العقابية، التي قام بها “تشيخوف” في عام 1890 وهي التي ساعدته على إثارة سخطه الاجتماعي. هناك لاحظ الظروف الرهيبة التي تعرض لها السجناء في الجزيرة، لكنها كانت أيضاً رحلة لها عواقب جسدية وليست نفسية فقط، حيث كان عليه بعد الرحلة أن يخوض معركة متزايدة مع مرض السل الذي كان يعاني منه منذ سن مبكرة، وأدى في النهاية إلى وفاته عن عمر يناهز 44 عاماً.
جزيرة “سخالين” هي أكبر جزيرة في روسيا تقع شمال الأرخبيل الياباني في المحيط الهادئ، وهي محصورة بين بحر أوخوتسك من الشرق وبحر اليابان من الغرب. تقع قبالة خاباروفسك كراي، شمال هوكايدو في اليابان. يبلغ عدد سكان الجزيرة حوالي 500000 نسمة، غالبيتهم من الروس. بعد الحرب الروسية اليابانية عام 1905، سيطرت روسيا على الجزيرة بأكملها.
قبل وفاته، كان المؤلف قد حقق حب حياته مع الممثلة “أولغا نيبر” Olga Knipper التي تزوجها عام 1901، وتمكن من تحقيق الاعتراف به واحداً من أهم الرموز في الأدب الروسي.
في بداية حياة “تشيخوف” كان الأدب بالنسبة له في المقام الأول وسيلة لكسب المال من أجل إتمام دراسته في كلية الطب. إن العديد مما يسمى بالنكات الفكاهية والتي كان لدى “تشيخوف” فيما بعد بعض الشكوك حولها، كانت قصصاً قصيرة مخصصة للترفيه الخفيف، ولكن في عام 1885 تلقى رسالة من المؤلف الروسي الشهير “ديمتري غريغوروفيتش” Dmitry Grigorovich الذي قرأ بحماس قصته القصيرة “الصياد” The Huntsman الذي كتبها عام 1873، ويحكي بطل القصة عن رحلة صيد للسمك في الريف قام بها مع شاب ريفي قوي البنية وكسول جدا وتحبه معظم نساء القرية.
كتب غريغوروفيتش مخاطباً “تشيخوف” أن “لديك موهبة حقيقية، موهبة تضعك في طليعة الكتاب من الجيل الجديد” كما نصحه بالتمهل والكتابة أقل والتركيز على الجودة الأدبية.
وشجعه على العمل بجدية مع موهبته. أصبحت هذه الرسالة نقطة تحول بالنسبة لتشيخوف حيث ذكر ما يلي:
“لقد تركت رسالته آثاراً عميقة في روحي. حتى الآن، تعاملت مع أعمالي الأدبية بشكل تعسفي وخفيف وطائش، لا أستطيع أن أتذكر قضاء أكثر من يوم واحد على أي من قصصي، وقد كتبتها مثل صحفي يكتب خبراً عن الحرائق، بطريقة ميكانيكية، وبشكل روتيني، دون التفكير في نفسي ولا في القارئ ”
سرعان ما ابتعد تشيخوف عن الأدب كعمل روتيني، وأولى اهتماماً للأنواع الأدبية الأخرى غير القصة القصيرة والدراما، حيث أصبح سيداً لهذا النوع الأدبي، لا يزال تأثيره محسوساً حتى يومنا هذا.
عُرف “تشيخوف” أيضاً بكونه كاتبًا مسرحياً، لكن أعماله في القصة القصيرة له وزنها المتميز. وقد طور نموذجاً بسيطاً كان له تأثيراً هاماً على كتاب مثل “إرنست همنغواي” Ernest Hemingway و”ريموند كارفر” Raymond Carver.
قصة تشيخوف القصيرة. مثال: “السيدة مع الكلب”
إن الإنتاج القصصي القصير لتشيخوف مكثف للغاية، ولحسن الحظ هناك مجموعة كبيرة من قصصه مترجمة إلى الدنماركية. ومن أشهر القصص قصة “السيدة مع الكلب” التي وصفها المؤلف “فلاديمير نابوكوف” Vladimir Nabokov بأنها “واحدة من أفضل القصص المكتوبة على الإطلاق”. يمكن القول بأن القصة القصيرة، التي ترجمها إلى الدنماركية الكاتب والمترجم الدنماركي “إيفان مالينوفسكي” Ivan Malinowski في عام 1958، هي خلاصة قصة “تشيخوف” القصيرة.
هنا يصادف القارئ عدداً من الموضوعات التي تم عرضها في المؤلف في أشكال مختلفة: الانقسام بين العبودية البرجوازية والحب الحر، والكآبة والشوق الذي لم يتحقق، وخداع الذات والهروب من مجتمع الطبقة العليا.
كُتبت القصة في يالطا، بعد أن انتقل “تشيخوف” إليها بناءً على نصيحة طبيبه للنقاهة بسبب المناخ الدافئ فيها، لتقدم حالته بمرض السل. تم نشرها لأول مرة في عدد ديسمبر 1899 من مجلة Russkaya Mysl “الفكر الروسي” بعنوان قصة “راسكاز” Rasskaz.
كما هو الحال في كثير من الأحيان مع “تشيخوف”، فإن القصة الأساسية نفسها بسيطة.
أثناء إقامته في منتجع صحي في جزيرة القرم، يلتقي المصرفي “دمتري غوروف” Dmitriy Gorev بالشابة الجميلة “آنا سيرجيفنا” Anna Sergeevna التي غالباً ما كان يراها على مسافة تتجول بمفردها مع كلبها.
كان الاثنان متزوجان، لكنهما يبدآن علاقة كان من المفترض أن تكون مجرد علاقة مختصرة وعابرة، ولكن سرعان ما اتضح أن “غوروف” لا يستطيع أن ينسى آنا. لذلك يبحث عنها في “سانت بطرسبرج” والنتيجة هي سلسلة لقاءات في مسقط رأسه “موسكو”.
كلاهما مصمم على السعي وراء الحب، لكن النهاية تشير إلى أن الأمر ليس بهذه السهولة: “كان الأمر كما لو أن الأمر استغرق لحظة واحدة – عندها سيتم إيجاد الحل، وبعد ذلك تبدأ حياة جديدة رائعة، وأدرك كلاهما أنه لا يزال هناك طريق طويل، وأن الأمر الأكثر صعوبة وتعقيداً هو البدء أولاً “.
النهاية بانفتاحها النابض بالحياة وشوقها المميز الذي لم يتحقق، تجسد بالضبط حالة النسيان التي يجد العديد من شخصيات “تشيخوف” أنفسهم فيها. كما هو الحال عندما توصف علاقة “غوروف” بزوجته على النحو التالي: “لقد قرأتْ كثيرًا ولم تكتب “الـ” في رسائلها، لم تتصل بزوجها ديمتري، واعتبر أن شخصيتها ضيقة الأفق، وخالية من الذوق، كان يخاف منها ولا يحب أن يكون في المنزل “.
باختصار، يرسم “تشيخوف” صورة لرجل أعمق كيانه هو التظاهر. مع “غوروف” يكون الخط الفاصل بين خداع الذات والإغواء دقيقاً، وهو ما تم التأكيد عليه أيضاً في علاقته مع “آنا”.
فيما يتعلق بهذا الأمر يشير “إيغيل ستيفنسن” Egail Stevenson الخبير بأعمال “تشيخوف” إلى ما يلي: “لم يتم تسجيل أي تطور في وصف مشاعرها ـ يقصد آناـ كما حدث في حالة “غوروف”. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن التحول الذي يحدث له يحدث في غيابها. إنه يقوم على مفاهيم رومانسية إلى حد ما، حيث يكون التطور العاطفي المماثل أثناء اللقاء مشروطاً بتجارب ملموسة”.
بعبارة أخرى، إن الحب الموصوف سريع الزوال والحب نفسه هو أحد أعراض الشوق وليس الإشباع الفعلي للشوق.
حيث تكافح العديد من الشخصيات الرئيسية في قصص “تشيخوف” القصيرة مع مشاكل ملموسة للغاية مثل الفقر، والإقصاء، والجوع.
يُظهر فيلم “السيدة مع الكلب” الفراغ الوجودي الكامن في ظل الحياة الميسورة التي تعيشها “آنا وغوروف” إن المجتمع سواء في شكل استغلال للفقراء، أو خداع الذات للوجود البرجوازي، هو العدو الحقيقي لتشيخوف، وكقوة موازنة لمعاناة الإنسان الذاتية، يجد المرء أوصافاً للطبيعة تلقي بصيصاً من الخلود على المعاناة الزمنية.
يعتبر وصف الطبيعة بدقة، وهو رسمياً وديعة غير ذات أهمية، أحد أقوى المقاطع في فيلم “السيدة مع الكلب”.
“يمكنك فقط رؤية يالطا من خلال ضباب الصباح، والغيوم البيضاء الثابتة التي تبحر فوق قمم الجبال. لم تتحرك أوراق الأشجار، وغناء “السيكادا” Cicadaـ حشرة الزيزـ وصوت البحر الباهت الرتيب، الذي كان يُحمل عليها، يُخبر عن الهدوء، والنوم الأبدي الذي ينتظرنا.
هذه هي الطريقة التي هدرت بها هناك، قبل حتى أن يكون هناك شيء اسمه يالطا أو أوريندا، هذه هي الطريقة التي تزمجر بها الآن، وهذه هي الطريقة التي ستزأر بها، بطريقة غبية وغير مبالية، عندما لم نعد موجودين.
وفي هذا الديمومة، هذه اللامبالاة الكاملة بحياة وموت أي إنسان، قد يكون هناك تعهد خفي بخلاصنا الأبدي، الحركة المستمرة للحياة على الأرض، الإكمال المستمر. ”
يمكن القول إن وصف الطبيعة يفتح أمامنا استنتاج بديل له علاقة بوقت الحياة البشرية، والتعزية المتناقضة التي قد تكمن في هذا. حيث تظهر النهاية السعيدة، حيث (ربما) يجد الزوجان بعضهما البعض كمسلمة، فإن القصة الإنسانية محاطة بسرد أكبر، والذي يدور حول قوة الطبيعة ضد الإنشاءات البشرية الهشة في مدينتا “يالطا” و”أوريندا”، وأن هناك في هذه القوة شكلاً من أشكال التوازن الاجتماعي والأخلاقي تتساوى فيه جميع الاختلافات البشرية في نهاية المطاف.
الدراما العظيمة
تم العثور على كثافة القصص القصيرة، والقدرة على التقاط أي فارق بسيط في الكلمات، إلى جانب الفكرة الوجودية، في “دراما تشيخوف” العظيمة:
“النورس” The Seagull، و”العم فانجا” Uncle Vanja، و”ثلاث شقيقات” Three Sisters و”بستان الكرز” The Cherry Orchard. أعاد المترجم الدنماركي “إجنار توماسن” Ignar Thomassen صياغة جوهر هذه القطع بدقة غنائية:
“في هذه المسرحيات الحد الأدنى من الحركة، ليس كلام الفرد هو الأهم. هنا، على المسرح المفتوح، يتم عزف نفس اللحن الحزين، الذي يحمل رواياته، فقط بشكل أعمق وأقوى في الصوت. لم يتم العثور على تحول جدلي فعلي يدفع بالتكامل. يمكن لفن الحوار التعبيري الغريب “لتشيخوف” أن يقدم للممثلين أكبر الصعوبات. لا تعطي الحوارات أي تبادل للأسئلة والأجوبة، أو الأفكار أو الآراء، فهي مثل النغمات المنفردة التي ترن وتسقط، والتي تشير فقط إلى الحالة العقلية التي تكون فيها الشخصيات في لحظة معينة، وجميع العناصر الخلابة في العمل، لذلك يجب توجيه الشخصيات إلى وضع المتفرج في نفس الحالة. لكن خلف القليل الذي يحدث، والذي يبدو عادياً جداً، لا يزال هناك شيء يغلي على نار هادئة، والحياة الحامل بالحركة – بين الحين والآخر ـ تندلع في القبعة، في صرخة صاخبة، ومرة أخرى تستمر الاضطرابات في صمتها. ومع ذلك، عندما سقط الستار في نهاية المسرحية، على الرغم من عدم حدوث أي شيء حاسم، فقد تغير كل شيء، واضطربت الحياة، وانكسر العالم”.
بنفس الطريقة التي كان فيها “تشيخوف” رائد القصة القصيرة الحديثة، وأكمل نهجه كلاً من “إرنست همنغواي” Ernest Hemingway و”ريموند كارفر” Raymond Carver، فإن أعمال “إنغمار بيرغمان” Ingmar Bergman و”صمويل بيكيت” Samuel Beckett لم يكن من الممكن تصورها أيضاً بدون الأديب الروسي، الذي تمكن من تحويل مركز الثقل الدرامي من التطور الملحمي للغة، إلى الشخصية القريبة التي ترسم الدراما اللطيفة.
وبصورة مميزة، فإن الشخصية الجانبية، الخادم “فيرس” Firs البالغ من العمر 87 عاماً، الذي يُسمح له بإنهاء أشهر مسرحية “تشيخوف” وهي “بستان الكرز” The Cherry Orchard بالمونولوج التالي:
“ما مدى السرعة التي مرت بها الحياة!…. كما لو أن المرء لم يعش على الأرض إطلاقاً ـ يبذل بعض الجهد للتكيف… سأبقى هنا…لا قوة فيك…. انتهيت منك.. انتهيت! … آه، أنت كائن قديم … تظل بلا حراك”
هناك ما لا نهاية لمونولوج “هاملت” Hamlet البليغ أن يكون أو لا يكون لجُمل “فيرس” Firs المكسورة، لكن الشفقة الموجودة بين السطور هي نفسها التي تم التعبير عنها صراحةً في شكسبير. يوضح استخدام الفاصل المميز بالنقاط، كيف يتم تمديد الوقت حرفياً إلى أقصى حد. إن اللغة والإنسان في طريقهما إلى الانحلال والنهاية سوداء ومأساوية مع عبارة “الكائن القديم” كخط البداية.
لحسن الحظ، لم يمت “تشيخوف” وحيداً ومعزولاً. فقد كانت محبوبته أولغا بالقرب منه. سكبت له كأساً من الشمبانيا على فراش الموت، مصاباً بمرض السل، وأفرغه بابتسامة متبوعة بالكلمات: “لقد مر وقت طويل منذ أن شربت الشمبانيا”. ثم استدار ونام حتى الموت.
لماذا تقرأ تشيخوف وكيف؟
قد يسأل المرء نفسه ما الذي يجب أن يحفزه على قراءة مؤلف قد يبدو على الفور قاتماً نوعاً ما؟ والإجابة هي أن “تشيخوف” يصف الناس كما هم دون إدانتهم.
يعتمد الكثير من الكتّاب على النزعة الإنسانية وفقاً لمثالية لا يمكن الدفاع عنها، لكن “تشيخوف” يقوم على الإنسانية الواقعية.
قلة مثله لديهم بصيرة وفهم لقدرة الإنسان على الكفاح في الظاهر وفي العمق. كان الغرض من رواياته هو التنوير. حتى أنه لم يكن يفهم تصنيف كتاباته على أنها متشائمة.
من ناحية أخرى، كان يعتقد أنه من خلال إظهار الحياة كما هي فقط، سوف يتمكن المرء من تغييرها إلى السياق الإيجابي.
يشكل الأدب لغة متميزة، لديها القدرة على الحفر تحت سطح العادات والمواقف الاجتماعية، التي يمكن أن تساعد في تحجر الفرد البشري.
واحدة من أجمل قصص “تشيخوف” وإحدى قصصه المفضلة بعنوان “الطالب” the student تدور حول كيف يمكن للقصة أن تساعد في جعل الشخص يواجه ألمه بطريقة بناءة. يمكن أن تساعد قراءة “تشيخوف” في تقريبنا من الحياة. هذه العقيدة التي تتدفق في جميع أنحاء أعمال “تشيخوف” هي التي تجعل كتاباته حديثة إلى الأبد.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب