بداية اقول اي مذكرات لابد ان تحمل بين ثناياها انطباعات شخصية عن مسيرة كاتبها وربما يبتعد عن الموضوعية وبقدر تعلق الامر بالجوانب الشخصية للكاتب وهو حر فيها وكذلك في آرائه للوقائع التي مر بها سواء اكان مسؤولا رسميا او شخصية اجتماعية عامه وربما الاثنان معا بعض الاحيان ، اما ان يكون هناك طرح لوقائع ومرويات تفتقد الى السند او الدليل وفي احيان تجافي الحقيقة والواقع هنا لابد التصويب والتقييم والتصحيح وهذا ما وجدته عند مطالعتي لكتاب الدكتور جواد هاشم بطبعته الثالثة الصادرة عن دار المدى 2019 ويزعم كاتبها انها جاءت بإضافات واحصائيات وتصحيح للأخطاء المطبعية واللغوية واضافة ملاحق ويقول كاتب المذكرات في صفحة (5) :{هذه الملاحق الثلاثة عشر ستكون مصدرا موحدا ودائما للباحثين اولا وللسياسيين ثانيا.} في حين لم نجد ذلك في ملاحقه وفي متن مؤلفه بدليل وجود الكثير من التناقضات والاخطاء التي اضافها الى هذه الطبعة وادناه بعض منها :
يقول المؤلف عملت وزير للتخطيط ومستشار في مجلس قيادة الثورة وكنت قريبا من البكر واول وزير للتخطيط بعد انقلاب 68 وكلف بأكثر من وزارة في ان واحد ويذكر علاقته بحزب البعث من اول الكتاب الى نهايته ولكن لم يذكر مستواه الحزبي وهل انتمى الى حزب البعث من عدمه اذا ما علمنا بعد اعفائه من وزارة التخطيط اصبح قريب جدا من صدام حسين وغرفته قريبة من غرفة صدام حسين ولو انه يشير ضمنا وعلى استحياء وبصورة غير مباشرة الى انتمائه لحزب البعث كما وارد في الصفحة (71) من الكتاب .
وجدت ان المؤلف استخدم صيغ مبهمة لا تنسجم مع منهجية واصول البحث بعدما وصف كتابه بالمرجع والمصدر للباحثين ومن هذه الصيغ المتكررة (قال لي صديق او تحدثت مع احد الاصدقاء او صديق مشترك او قال لي احد الحضور ) وتكررت كثيرا هذه العبارات دون الافصاح عن الاسماء ونعتقد ان مثل هذه المذكرات المهمة والوقائع التي يشير اليها من مرحلة تاريخية مهمة لابد واسناد الكلام الى قائله والفعل الى فاعله من باب الامانة العلمية واصول البحث وبالإمكان ملاحظة الصفحات (17,19,73,172,398,431,441,468).
تحدث الدكتور جواد هاشم عن العديد من الشخصيات وعن سيرهم السياسية والادارية ولكنه اخطأ في في توصيف الكثير منها وعلى سبيل المثال يذكر طه ياسين رمضان الجزراوي ولد في الموصل عام 1929 وهذا خطا كونه مولود سنة 1939 ويقول عنه عمل عريفا في الجيش ثم موظفا في مصرف الرافدين والصحيح انه ممن عزلوا واخرجوا من الكلية العسكرية بعد ما يسمى الردة وعمل موظفا في مصرف الرافدين في الموصل (صفحة 59) ويعود في صفحة 161 ليصف طه الجزراوي (فهذه الشخصية المجهولة الاصل والديانة والمستوى العلمي التي بدأت من القاع لتتسنم في غفلة من الدهر ارفع المناصب الرسمية كانت كل مؤهلاتها رتبة نائب ضابط في الجيش وانتماء لحزب يتلفع بالجلباب القومي العربي ورغم انها تنتمي في الظاهر الى القومية الكردية.) ونلاحظ هنا تغيرت رتبة الجزراوي خلال صفحات اما موضوع قوميته وديانته سنراه في صفحات اخرى يتناقض تناقضا صارخا لا يليق بشخصية وزارية وبحثية تدون التاريخ ، اما الخطأ الجسيم والقاصم الذي ارتكبه الوارد في صفحة (329) عندما يدرج اسماء القيادة القطرية ويذكر في التسلسل (4) طه ياسين رمضان الجزراوي (يزيدي) ويقصد ان ديانته هي اليزيديه والكارثة يعود في الصفحة (463) ليدون امام التسلسل (6) من اعضاء القيادة القطرية لحزب البعث في تموز 1968 (طه ياسين الجزراوي_ سني _ ) وفي الصفحة 476 والتسلسل 19 من الجدول وزير الصناعة/طه الجزراي/عسكري سني ونسال هل كان هذا الرجل مدني ام عسكري وهل كان يزيدي ام مسلم ام عديم الديانة كما يوحي بذلك كاتب المذكرات ونعتقد التساؤل وارد ومشروع لأي باحث بغض النظر عن شخصية الجزراوي وانتمائه .
اشارة الكاتب الى النظام المؤسسي الذي كان يسود في زمن البكر وحتى عندما كان صدام الشخص الثاني في الدولة والحزب والذي كان يعتمد على الخبرات واختيار الشخصيات المهنية وهذا ما يتحدث عنه الدكتور جواد هاشم وكيف كان يستعين البكر وصدام بخبرته هو والدكتور فخري قدوري حتى بعد اعفائهما كوزيرين وانتقالهما للعمل مع صدام حسين وان ما يرفع من تقارير فنية عن طريقهم يأخذ مساره عبر صدام حسين لمجلس قيادة الثورة والوزراء وتحصل الموافقة هذه الاشارة اكدها الكاتب في اكثر من صفحة في مذكراته كما في صفحة 174 وغيرها من الصفحات وهذه تحسب للكاتب وربما اراد ان يبرر سبب اختياره واسناد مناصب رفيعة له .
ينسب الدكتور جواد هاشم لنفسه الاخبار عن المحاولة الانقلابية للعميد عبد الغني الراوي وكيف سارع الى الاخبار عنها عندما اخبره احد اقاربه والذي كان متورطا معهم وكيف كان حلقة الوصل بين قريبه والبكر وصدام لقمع هذه المحاولة وبالتالي بدلا من تكريم قريبه الذي وشى بجماعته اعدم معهم بدل العفو عنه وليكون التكريم للدكتور جواد هاشم ببندقية وليذهب قريبه نتيجة خطا غير مقصود ونعتقد ان الكاتب يحاول تبرأة نفسه من عملية اعدام قريبه ليس الا .
ومن المفيد في المذكرات موضوع مهم لم ينشر الا على لسان الدكتور جواد الا وهو مضوع تأميم النفط حيث يشير الى ان الفكرة ومن عمل عليها ونادى بها اولا هو القيادي العسكري والبعثي صالح مهدي عماش ولكنه لم يكمل ما بدأ به لإعفائه من مناصبه وارساله كسفير الى موسكو وليتولى صدام حسين اكمال البقية وينسب هذا الانجاز الكبير الى نفسه وليصدر التقرير السياسي للمؤتمر القطري التاسع سنة 1982 والذي اعتبر صدام حسين بطل عملية التأميم برمتها ومهندسها واذا صحت هذه المعلومة فيكون اول من يكشفها هو الدكتور جواد هاشم ولم يسبق ان نشرت في وسائل الاعلام والمؤلفات المعتمدة بشأن تأميم النفط العراقي ويورد المؤلف مقولة غير مسندة وهي ان سبب تاخر او تعثر المفاوضات مع الشركات في مرحلة من المراحل هو : (ان صدام كان يريد ان ينسب التأميم – ان حصل – الى جهوده الشخصية.) وبالفعل هذا الذي حصل لاحقا .
ومن الامور الملفته للنظر اشارة الدكتور جواد هاشم الى تاريخ موافقة ايران على القرار 598 لمجلس الامن حول ايقاف اطلاق النار الشهير ويذكر شهر تموز سنة 1988 في حين المعلن من الجانب العراقي وبصورة رسمية هو 8/8/1988 واتذكر انني قرات مذكرات الناشطة والمعارضة الايرانية شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل والتي تورد تاريخ مغاير لما اعلنه العراق ايضا واعتقد مثل هذه القرارات وتواريخها ووقت الموافقة عليها مهمة لكل باحث متخصص فضلا عن عموم الناس .
ومن المغالطات التي يذكرها الكاتب ان تكريت هي المدينة التي تخصصت في تزويد الجيش العراقي بكبار ضباطه صفحة (391) وما تفضل به الدكتور مجانب للحقيقة من حيث الحجم السكاني لمدينة تكريت فضلا عن الجانب التعليمي وفي مقارنة سريعة نجد ان الضباط بمستوى القيادة قبل البعث وبعده لم يكن لتكريت هذا الكم من القادة بدليل ايام الحرب العراقية الايرانية وما بعدها وكان الجيش العراق يضم سبعة فيالق عدا قوات الحرس الجمهوري لم يكن من قادة الفيالق والفرق الا عدد قليل جدا جدا من تكريت وليس كما يذكره الكاتب .
عملية اقالة البكر واستلام صدام حسين مقاليد الدولة والحزب ورغم كثرة الروايات عن هذا الموضوع والالية التي تمت بها وما تلا ذلك من حملة تصفيات واعدامات وسجن لقياديين في الحزب والدولة يورد الدكتور جواد هاشم في الصفحة (245) وما بعدها وكانه حاضرا وشاهدا على ذلك ودون ان يسند الرواية الى مصدر او شخصية معينة لكي تعتمد روايته كمصدر موثوق والروية باختصار تتخلص في دعوة خير الله طلفاح لاجتماع في داره الساعة العاشرة صباحا من يوم 16/تموز/ 1979 وضم الاجتماع احمد حسن البكر , صدام حسين ,عدنان خير الله ,هيثم الابن الاكبر لأحمد حسن البكر والموضوع هو تنحية البكر من جميع مناصبه واحلال صدام حسين محله وكان هناك اعتراض من البكر على هذه الطريقة ولم يوافق وسحب هيثم مسدسه واطلق رصاصة اصابت عدنان خير الله بخدش بسيط وبعد ان افهم صدام البكر انه لم يمتلك اي سند او سلطة لافي الجيش ولا في اجهزة المخابرات ولاحتى في الحرس الجمهوري وافق البكر ووقع على خطاب كان معد له ليذيعه شخصيا . هكذا يورد الرواية المؤلف واذا كانت الرواية توحي بشي من القناعة على المستوى الاعلامي الا انها لا تصلح ان تكون رواية معتمدة لأي باحث او دارس طالما لم يسندها المؤلف لمصدر شخصي او وثيقة معتبرة لاسيما وانه يذكر تفاصيل دقيقة عن هذا الاجتماع هذه اسئلة تحتاج الى اجابات مقنعة لاعتمادها .
اوغل الدكتور جواد هاشم في مسالة الطائفية والمذهبية في هذه الطبعة عند حديثه عن قيادات حزب البعث المنحل من الذين اعدموا في سنة (1979) والكل يعلم ان البعث لا شان له بهذا الموضوع وان البعث حزب علماني فمن غي الصحيح قوله المتآمرون هم (عدنان حسن الحمداني –هكذا مكتوب- شيعي غانم عبد الجليل شيعي محمد عايش سني ومحمد محجوب سني ) واعتقد اي عراقي في ذلك الوقت لم يكن يهتم او يعلم هذه الامور الا اذا قصد المؤلف ان صداما كان يعدم ويصفي بالتساوي بين السنة والشيعة واخطأ المؤلف ايضا في توصيف بعض الشخصيات وهي التي لازمت المؤلف من بداية الكتاب الى نهايته فيقول (اعدم صدام قياديون اخرون في الحزب والجيش منهم اللواء الركن وليد محمود سيرت امر القوات المسؤولة عن حماية بغداد ) وهذه المعلومة مغلوطة وغير صحيحة في جزئها الاخير كون وليد سيرت كان قائد فيلق في السليمانية وجلب من هناك مخفورا الى بغداد ولم يكن في بغداد اساسا وتكررت مثل هذه الاخطاء ايضا في الملحقات التي الحقها في طبعته الاخيرة للكتاب ويزعم المؤلف انها مفيدة ومصدر لأنها معززه بإحصائيات ومعلومات ولكن عندما تكون الملومات خاطئة سيقع في الغلط من يعتمد عليها وبالتالي تنتفي الفائدة العلمية والبحثية منها فليس من الصحة ان يذكر الديانات والمذاهب بجانب كل اسم وزير او رئيس وزراء عند تأسيس الدولة العراقية والعهد الملكي وما تلاه من الجمهوريات لغاية 2003 ورغم ذلك اخطأ كثيرا في التوصيف لعدد غير قليل من الشخصيات وكان الافضل الابتعاد عن هذا الاسلوب او ان يسال ويستبصر الامور قبل كتابتها ويقول على سبيل المثال ان تايه عبد الكريم وزير النفط الاسبق والقيادي في حزب البعث سني في حين الرجل لم يكن سنيا وانما كان نُصَيرياً اما بالنسبة للوزراء ما بعد 2003 فلم يوفق في التوثيق بالنسبة اليهم واخفق ايضا عندما ركز على قومياتهم ومذاهبهم ففي صفحة 482 يذكر وزيرة البيئة مشكاة عمر وبجانبها كلمة شيعية في حين انها سنية وكوردية وكذلك يذكر الوزيرة ليلى عبد اللطيف وزيرة العمل ويوصفها انها سنية في حين الدكتوره ليلى عبد اللطيف التميمي هي شقيقة النائب ماجدة التميمي عن التيار الصدري وهي شيعية اما الكارثة عندما يورد اسم شخصية تولت مناصب رفيعة في الدولة العراقية على انه انثى في حين هو ذكر ومن قيادي الحزب البارتي ففي صفحة 485 يدرج اسم نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس وبجانب اسمه (سنية كرديه) وكذلك في الصفحة 486 يذكر الوزير جاسم محمد جعفر ويصفه ان سني تركماني في حين الرجل شيعي تركماني ومحسوب على الائتلاف الوطني الشيعي وشغل منصب وزير في اكثر من وزارة منها الشباب والاعمار ونفس الشي بالنسبة للنائب والوزير رائد فهمي جاهد يصفه بالسني في حين الرجل مسيحي الديانة ونفس الخطا يتكرر عندما يصف في الصفحة 495 وزير المجتمع المدني دخيل قاسم حسون انه سني في حين الرجل ليس مسلم ليكون سنيا اوشيعيا انما هو يزيدي الديانة .
الى هنا واكتفي بهذه الملاحظات التي سجلتها على مذكرات الدكتور جواد هاشم واعتقد ان مثل هذه الملاحظات عندما تؤشر على كتاب لشخصية مرموقة عاصرت شخصيات سياسية مؤثرة في مسيرة العراق لابد ان تتوخى الدقة في السرد والتوثيق مع اتفاقنا ان المذكرات دائما تحمل طابعا شخصيا وكان الافضل للسيد جواد ان يبتعد عن كثير من التفاصيل التي افقدت مذكراته الدقة والموضوعية .