18 ديسمبر، 2024 10:51 م

لاعب مبتدئ باوراق مكشوفة

لاعب مبتدئ باوراق مكشوفة

بالامس هدد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في مؤتمر صحفي، المواطن العراقي بقوله “اذا خرجت امريكا من العراق كيف نعيش، لان اموالنا ونفطنا بيدها” في اشارة الى “الميليشيات المسلحة التابعة لايران التي تقوم بتوجيه ضربات صوتية الى محيط السفارة الامريكية والقواعد العسكرية لاجبارها على الانسحاب من العراق!!. ولم يكن مؤتمر الكاظمي بمعزل عن مؤتمر وزير الخارجية الامريكية جورج بومبيو الذي سبقه بعدة ايام. فهو جاء مكملا له، حيث قال بومبيو : “أنّ استمرار هجمات الميليشيات غير الخاضعة للرقابة، قد يدفع الولايات المتحدة الامريكية إلى إغلاق سفارتها في بغداد ، وفرض عقوبات قاسية على العراق”.
هنا اجد من المعيب بذل اي جهد لدحض هذه المسرحية البائسة التي يجري الترويج لها بين بومبيو والكاظمي في محاولة لارهاب العراقيين بنتائجها، فهي ببساطة شديدة جدا مسرحية يجري عرضها كلما واجه الاشرار في العملية السياسية مازقا حادا او استياء عاما، او انتفاضة شعبية قد تؤدي بهم الى السقوط. خاصة وان هؤلاء الاشرار ادركوا بان ثورة تشرين مستمرة وان ابناءها جادون في اسقاط العملية السياسية برمتها بل انهم وجدوا في عودة الثوار الى ساحات التحرير بمناسبة الذكرى الاولى لانطلاقة ثورة تشرين علامة بارزة على اصرارهم على اسقاط العملية السياسية برمتها. وهذا ما يفسر تركيز الكاظمي على ثورة تشرين والاشادة بها والاقرار بمشروعية مطالبها والتعهد بتحقيقها، وبالذات فيما يتعلق باجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة، وباشراف دولي محايد . ولم ينس الكاظمي التذكير بالدعم الامريكي له ومساعدته على انهاء النفوذ الايراني وحصر السلاح بيد الدولة، عبر الاشارة الى انزعاج امريكا من تمدد النفوذ الايراني في العراق على حساب نفوذها، ظنا منه بان الثوار معنيون بانهاء النفوذ الايراني فحسب، متناسيا بان من بين اهم شعارات الثورة طرد امريكا وايران من العراق بصفتهما دولتي احتلال. بمعنى اخر اراد الكاظمي اقناع الثوار بانه قادر على تحقيق مطالبهم مستمدا قوته من امريكا.
ليست وهما قدرة الثورة على تغيير المعادلة في العراق. فلو لم تندلع هذه الثورة لبقى عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة حتى انتهاء ولايته على غرار اسلافه، واستمرت عملية السرقة والجرائم وبيع العراق في وضح النهار دون الاكتراث بالشعب العراقي، واستمر استهتار المليشيات المسلحة وقتل الثوار بدم بارد دون تكليف نفسها بتبرئة ساحتها والقاء التهم على جهات مجهولة، او ما اطلق عليه “طرف ثالث”. بمعنى اخر، ان هؤلاء الاشرار اجبروا بعد اندلاع الثورة على تقديم مثل هذه المسرحيات البائسة، او اجراء بعض الاصلاحات الترقيعية، على امل الالتفاف على الثورة وخداعها لانقاذ العملية السياسية من السقوط الحتمي، بعد ان عجزت عن انهائها باستخدام القوة العسكرية والاغتيالات والخطف والتغييب القسري. ولا يغير هذه الحقيقة وجود خلافات بين امريكا وايران، بسبب تمدد نفوذ ملالي طهران الاقليمي عبر المليشيات المسلحة الموالية لها في سوريا ولبنان واليمن، الامر الذي يزعج حلفاء امريكا في المنطقة وعلى وجه التحديد، السعودية والكيان الصهيوني. حيث اثبتت الوقائع بان هذه الخلافات مهما بلغت من حدة بين الطرفين هنا او هناك، فانهما لا يختلفان الى درجة القطيعة في العراق. لان مخطط تدمير هذا البلد يشكل القاسم المشترك الاعظم بينهما. وما دام مخطط تدمير العراق الغادر لم يكتمل بعد، فسيظل التعاون قائما بين البلدين.
لقد كانت هذه المليشيات المسلحة الموالية لايران علنا هي اداة مهمة بالنسبة لامريكا لتنفيذ مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. فلا عجب ان تولد هذه المليشيات وتكبر وتتغول تحت سمع امريكا وبصرها. وان تعيث في ارض العراق فسادا وقتلا وتهجيرا بمباركة منها؟ وان تغض النظر عنها وهي تقوم باطلاق صواريخ الكاتيوشا في محيط سفارتها، في حين تستطيع امريكا معاقبة قادتها كما عاقبت قاسم سليماني وابو مهدي المهندس باغتيالهما ببغداد في عز النهار. ثم هل بقيت طي الكتمان العلاقة الحميمة بين قادة هذه المليشيات والسفير الامريكي الذي يسهرون معه ليلا بعد مهاجمة امريكا نهارا؟
ان التعاون الامريكي الايراني ليس حديث الولادة فيما يخص العراق. حيث وضعت اسسه بعد العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991 وتطور هذا التعاون الى اتفاقات شبه مكتوبة عنوانها الخلاص من العراق كقوة اقليمية فاعلة لا يخضع للتبعية او الاملاءات الاجنبية. ليتحول بعد الاحتلال الى شراكة لتقاسم الكعكة العراقية كما يقال . حيث تعهد كل طرف القيام بجانب من مهمة تدمير العراق. ففي الوقت الذي تمتلك فيه امريكا القدرة على تدمير العراق وبنيته التحتية وهدم الدولة ومؤسساتها، فان ايران اخذت على عاتقها تدمير المجتمع العراقي وتمزيق وحدته وزجه في حروب طائفية لما تمتلكه من تاثير مذهبي ومرجعيات دينية واحزاب موالية. فليس غريبا والحالة هذه ان يتصدى الطرفان لمواجهة الثورة العراقية، لان انتصارها يعني دون شك افشال مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا.
لقد اثبت الثوار هذه الحقيقة باحيائهم الذكرى السنوية الاولى للثورة. حيث خرج الالاف وفي العديد من المدن العراقية وخاصة في بغداد والنجف، يهتفون بشعارات عديدة حملت من خلالها رسائل في غاية الاهمية. منها ان الثورة مستمرة وان من اشاع اخبار نهايتها، اما ساذج او مرتزق. حيث علا هتاف ” وين الكال الثورة انتهت”. ومنها ان مطلب الثورة السياسي، المتمثل في اسقاط العملية السياسية برمتها، لا رجعة عنه، او المساومة عليه او القبول بانصاف الحلول. فكان هتاف الشعب يريد اسقاط النظام عاليا ومدويا. وان التمسك بسليمة الثورة سيبقى عنوانها الرئيسي. فعلى الرغم من استخدام الهراوات الكهربائية والقنابل الدخانية واطلاق الرصاص، كان الرد “سلمية سلمية للابد”. وكذلك اراد الثوار تاكيد الثوابت الوطنية للثورة. حيث كان الهتاف ما نريد غير الوطن واستعادته من يد الاشرار مهما كانت التضحيات. اما الاطار العام للثورة فقد اكدت هذه المناسبة، وحدة الشعب العراقي ورفضه الطائفية والعرقية، التي حاول المحتل ترسيخها طيلة هذه السنين، كما اكدت مشاركة جميع فئات الشعب، وكان لافتا حضور المراة في ساحات التحرير، ليسجل للثوار هذا النجاح الباهر. وفعلا نجح الثوار في ايصال جميع هذه الرسائل لشعوب العالم، على الرغم من تجاهل هذا الحدث العظيم من قبل معظم وسائل الاعلام العربية والعالمية.
تستمد هذه الثورة قوتها ونجاحها من تراكمات هائلة من المعاناة والالام والمحن والمؤامرات، التي يندر ان تعرض له شعب عبر عصور التاريخ المختلفة. بدءا بماسي الحرب العراقية الايرانية ومرورا بالعدوان الثلاثيتي على العراق سنة 1991 الذي استخدم فيه كل ما انتجته المصانع الحربية من سلاح مدمر اعقبه حصار ظالم مدة ثلاثة عشر عاما، وانتهاءا باحتلال العراق وتدميره بكل انواع الاسلحة الحديثة من ضمنها الاسلحة ذات الدمار الشامل ثم حل الجيش العراق والمؤسسات الامنية وتفكيك مؤسسات الدولة وتسيلم البلاد بيد احزاب وكتل وتجمعات ومرتزقة تابعة للمحتل مدعومة من ميليشيات مسلحة موالية لايران مهمتهم تنفيذ مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. وقد قام هؤلاء الاشرار بتنفيذ مشروع الاحتلال الغادر بتدمير بناه التحتية وحرمانه من ابسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء والدواء، ثم مارسوا بحقه القمع والارهاب والقتل. اضافة الى التجهيل وتمزيق وحدته المجتمعية وزجه بحروب طائفية. والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة. بمعنى اخر، فاذا احصيت ما تعرضت له شعوب العالم من مساويء على يد حكامها او من قبل معتدي او غازي، فانها لا تعادل مساويء هؤلاء الاشرار في العراق، فسادا وسرقة وقتلا وتهجيرا وتجهيلا وتجويعا، وشطبا على ابسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء والدواء. حتى حق القول ان الشعب العراقي تعرض لما لم يتعرض له شعب من قبل. فقد تم تدمير البلاد والعباد.
ان عوامل انتصار الثورة اصبحت ظاهرة للعيان، فبالاضافة الى الاصرار والعزيمة والارادة الحديدية والشجاعة الفريدة للثوار، فان الثورة اصبحت منيعة ضد جميع محاولات الاشرار للعب عليها او خداعها او الالتفاف عليها، مقابل بعض الوعود الوردية او الاصلاحات الترقيعية. مثلما اصبحت قوية ضد العدوان عليها بمختلف انواع الاسلحة، على الرغم من سقوط مئات الشهداء والاف الجرحى. بل اصبحت ايضا محصنة ضد اشرس الحملات الاعلامية، سواء من قبل السلطة او مرتزقتها واقلامها الماجورة، او من قبل اعداء العراق ومحاولات الصاق الاتهامات الباطلة بالثوار او الاساءة للثورة وتشويه سمعتها. ولا اذيع سرا، ان الثورة، وبمجرد انتهاء خطر وباء كورونا، ستعود اقوى واشد اصرارا وعزيمة، على تحقيق الانتصار النهائي واستعادة الوطن المنهوب من ايدي هؤلاء الاشرار.