قال الدكتور احمد الجلبي عضو مجلس النواب , ان اللجنة المالية انتهت من وضع اللمسات الاخيرة على الموازنة الاتحادية لعام 2015 بعد اجراء التعديلات اللازمة عليها , وإنها ستعرض للتصويت في جلسة مجلس النواب ليوم الخميس القادم , وحسب الارقام التي عرضها فان موازنة العام الحالي ستكون الاسوأ منذ سنة 2004 بسبب انخفاض اسعار النفط والاعتماد على الايرادات النفطية في تمويل النفقات بعد ان تم اعتماد 40 دولار كسعر للصادرات النفطية , وهو رقم يقترب من الاسعار العالمية الحالية والمحتملة , اذ ليس من المتوقع ان تشهد اسعار النفط مفاجآت في مجال الارتفاع نظرا لكثرة المعروض النفطي في الاسواق العالمية , فعقود الشتاء قد ابرمت وسيكون الطلب اقل خلال الفصول القادمة من العام الحالي .
ومن الامور التي تستحق الوقفة والاهتمام لا بهدف التفرج وإنما لإحداث تغييرات ايجابية في القادم من الايام , ان البلد يحتاج الى تصدير 2,950 مليون برميل يوميا لغرض دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين باعتبار ان قيمة هذه الرواتب 51 تريليون دينار سنويا , ويعني ذلك من الناحية العملية بان الصادرات النفطية سوف لا تكون قادرة على تغطية النفقات الاخرى والتي سيتم تدبيرها من خلال الديون والقروض والتي تتضمن 14 تريليون دينار لدفع مستحقات الشركات النفطية العاملة في العراق و 31 تريليون دينار لدفع متطلبات الامن و الدفاع ومواجهة الارهاب , فضلا عن المبالغ اللازمة لتغطية نفقات الحشد الشعبي والمبالغ الكافية لإعانة النازحين الذين بلغت اعداهم 527 الف عائلة وبما لا يقل عن 2,5 مليون نازح من مختلف مناطق العراق , ناهيك عن النفقات الاخرى للصحة والتعليم والكهرباء والماء والغذاء والرعاية وغيرها من الامور .
ومما لا يبشر بالخير , ان الايرادات النفطية الفعلية قد بلغت ( 2 ) ملياري دولار من بداية السنة الحالية لغاية 23 / 1 /2015 , مما قد يشير الى ان الايرادات الفعلية من النفط سوف لا تزيد عن 30 مليار دولار خلال العام الحالي وهي لا تكفي لتغطية رواتب العاملين في الدولة وبشكل سيضطر الى الاعتماد على الاحتياطات النقدية لسد العجز الكبير في الموازنة , وان ما ذكر من ارقام وتوقعات يؤشر السياسات الخاطئة التي اتبعت خلال السنوات من 2003 ولحد الآن في مجال ادارة الاقتصاد حيث لم تعتمد سياسات محددة بهذا الخصوص , وصحيح ان جزءا منها من مخلفات النظام السابق ولكن الجزء الاكبر منها يعود الى السنوات العشرة السابقة , حيث تضاعف عدد الموظفين لأكثر من ضعف ما كان عليه رغم عدم وجود قطاعات منتجة بالفعل , كما توقف ما تبقى من الصناعة المحلية وتراجعت الزراعة رغم كل المبادرات .
وان ما يجب ادراكه في هذه المرحلة بالذات ليس الاهتمام بتشريع الموازنة الاتحادية فحسب رغم اهميتها لتسيير امور الحياة , وإنما ولوج الحلول الصحيحة لمعالجة الخلل الاقتصادي , والبداية الصحيحة تكون من خلال الاعتماد على تشغيل القطاعات الاقتصادية لإنتاج الدخل بدلا من استهلاك الدخل القومي , ورغم ان الخوض في هذه المسالة يتطلب وضع الاهداف والاستراتيجيات والكثير من التفاصيل , ولكن يمكن اختصار ملامحه من خلال العودة الى الزراعة والصناعة لتقليل الاستيراد وجلب العملات عن طريق السياحة والاستثمار الحقيقي في مختلف القطاعات , وهي امور تحتاج الى ارادة سياسية وشجاعة ومقدرة لمتخذي القرارات , فمن دون البحث عن بدائل عن ايرادات بديلة عن النفط ستتعمق وتتعقد المشكلات يوما بعد يوم حتى وان عادت اسعار النفط للارتفاع .
وان من اكثر الامور اهمية في المعالجات القادمة اذا اجتمعت الارادة لانتهاجها , هو ضرورة التمييز الواضح بين القصور والتقصير وبين الاخطاء والفساد , فأغلب الاموال الطائلة التي دخلت خزينة الدولة قد اهدرت بسبب الفساد , الذي لا يعني بالضرورة اختلاس لموظف في دائرة او وزارة مبلغا لانجاز معاملة , وإنما انفاق عشرات المليارات من الدولارات لإقامة مشاريع وهمية او غير منتجة او اتباع وسائل لغرض تحقيق المنفعة الشخصية على حساب المصالح العليا , او التعمد في عدم دخول مشاريع وتنمية قطاعات معينة لغرض تحقيق منفعة للآخرين على حساب المصلحة الوطنية , وان اصلاحات من هذا النوع وبهذا الحجم لا يمكن المباشرة بها إلا بعد ان تستقر البيئة السياسية في البلد وعندما يكون المنصب هو الوسيلة لتقديم الخدمة العامة , وهي امور قد لا تتحقق في المستقبل القريب بسبب ما يشهده البلد من صراعات .
ونقول , ان الموازنة ستبصر النور بعد ايام بعد غياب كامل لموازنة 2014 وتأخر اصدار الموازنة الحالية لشهرين , ولكن الموازنة الحالية ما هي إلا موازنة ترقيعية وقد تم اعدادها على غرار الموازنات السابقة وهي خارج امنيات المخلصين لأنها ستضع البلد في ضائقة مالية كبيرة , ومن المعيب فعلا ان يردد البعض ان تشريع الموازنة الحالية افضل من عدم وجود موازنة , فبلدنا فيه كفاءات وطنية يمكن لها صياغة افضل الموازنات ووضع الحلول الواقعية لجميع الاختناقات إن تم اعتمادها بالفعل , ونتمنى ان تكون الموازنة الحالية نهاية مرحلة من الولادات القيصرية للموازنات , من خلال اشراك خبراء حقيقيين في وضع الموازنات على وفق التقنيات المستخدمة عالميا القائمة على اساس البرامج او غيرها من الاساليب وبالتوقيتات المريحة , دون ان نبخس حق الجهود المبذولة لإخراج الموازنة من عزلتها بعد اخضاعها لإجراءات الانعاش