18 ديسمبر، 2024 11:15 م

3 عصافير بحجارة

3 عصافير بحجارة

لاشك أن معظم الناس -الأسوياء حصرا- يكرهون العيش بنمطية واحدة في يوميات حياتهم، لاسيما إذا كانت جافة او معقدة، او لايرون فيها صلاحا او فلاحا، فنراهم يتطيرون ويجزعون من الرتابة وقضاء ساعاتهم بوتيرة جامدة، فهم يهوون كل جديد في شؤون حياتهم، ويتوقون الى التغيير بين الفينة والأخرى، كما هم يمقتون التكرار والاجترار.
ولعل هذا الطبع دفع ابن آدم مذ خُلق لكشف غوامض الأحداث، وسبر أغوار المخفي منها، والغوص في فك طلاسم ما يمر به من مجريات الأمور، ساعيا بهذا الى خلق حياة مستقرة، خالية من المجهول، وهو بهذا يضرب عصفورين أو فلنقل ثلاثة بحجارة واحدة، فالعصفور الأول هو التجديد.. والعصفور الثاني هو التغيير نحو الأحسن.. والعصفور الثالث هو ضمان قادمات الأيام من شرور مايخشاه.
ومع مرارة العيش في العقود التي مرت على العراقيين إبان حكم البعث ورأسه، صار حلمهم في يقظتهم وصحوهم سنة بعد سنة، يتبلور في الخلاص منه وتغييره بأي شكل من الاشكال، وساقت لهم الأقدار تحقيق حلمهم بهيئة لم تكن في مخيلتهم يوما، فتغيرت أنماط حياتهم وتفاصيلها في ليلة التاسع من نيسان 2003 وضحاها، مع متغيرات زوال الكابوس البعثي، وهو تغير مفاجئ لم تكن الأرضية تستوعبه، فاعترتها هزات ولدت تداعيات ومستجدات ماكانت بالحسبان، حتى أن بعضهم مقت التغير والتبدل والتجدد لعظم سلبياتها وسوء استغلالها.
في عراقنا اليوم، تطير فوق رؤوسنا عشرات العصافير، يتوجب علينا صيدها، كما أن هناك آلافا مؤلفة من الغربان والـ (ططوات) يتحتم علينا ضربها وإسقاطها، قبل أن تسبقنا بالضرب وتكون سببا في إسقاطنا بضربة قاضية. ولكن أمرا حرجا يقف حائلا بيننا وبين صيد العصافير وضرب الغربان، هو أننا لانملك حجرا واحدا بأيدينا. وقد يظن البعض أن عمليات تبديل رؤساء الوزراء مؤخرا، هي تنوع بأشكال الحجر الذي نبحث عنه، وتعدد بأنواعه وأصنافه، وأن حجرا منهم سيلتقط لنا العصافير وطيور الحب جميعا، ويجلبها الينا منصاعة لتملأ حدائقنا زقزقة، ورياضنا تغريدا وشدوا، وهو ذاته الحجر الذي سنضرب به طيور الشر، وندرأ به القادم من شرور. فإن كان الأمر كذلك، فمرحى للتبديل السريع والتغيير الفوري، إذ هو عين الطلب مادام كذلك.
ولو تنبهنا -كثيرا وليس قليلا- فإننا سنعي أن الدور الأول والأخير علينا نحن العراقيين القيام به، فيما يخص حاضرنا ومستقبلنا، فصحيح أن كل رئيس وزراء تمنح له الثقة، يكون قد تمحص أخطاء من سبقه في المنصب، وقطعا سيحاول تلافيها أو تصحيحها، ويتجنب الوقوع فيها مخافة أن يكون مصيره كمصير سابقه. غير أن الذي حدث ومازال يحدث، هو أن الأخطاء وسوء انتقاء الحقيبة الوزارية، يتكرر بسيناريوهات متعددة، فترى أحدهم يأتي بوزراء لهم تأريخ سيئ في الإدارة لعدم درايتهم بحيثياتها. وآخر يُخرج من حقيبته وزيرا عليه مؤشرات فساد مالي أو إداري -أو كليهما-. وثالث ينصاع لإرادات الكتل والأحزاب من جديد، ويخنع لضغوطاتهم ويخضع لرغباتهم، ملبيا إياها لجملة أسباب، لعل أولها تمسكه بالمنصب.
أما دور المواطن الذي أشرت إليه آنفا، فإنه يتلخص بأن يكون هو الرقيب على أداء مسؤوليه، فاليأس من ضمير ذوي منصب الرقيب بات أمرا بديهيا. والمواطنة تبدأ من أبسط مواطن، وتتدرج صعودا لتجبر أرفع مسؤول في سدة الحكم على أن (يجر عدل) ولنا أسوة في شعب مصر على سبيل المثال لا الحصر، أما العراقيون فإن التأريخ أكبر شاهد على مالهم من مواقف وطنية هزت عروشا وأسقطت حكومات، وكما قال الرصافي قبل خمسة وثمانين عاما:
هبوا واملأوا صكا للعلا
فإني على موتي به لموقع
[email protected]