18 ديسمبر، 2024 11:45 ص

3/رسائل زمن الضياع/بيديك جعلت قدري

3/رسائل زمن الضياع/بيديك جعلت قدري

بيديك جعلت قدري ,بيديك المزروعتين بالشوك والعاقول ,طفت بي في دروب ضيقة تخنقني عفونة هوائها وتلهب وجهي سياط آلامها القاتلة.
مضيت معك حيث شئت ان تمضي ,غفوت في أحضانك القاسية مثل طفل وديع ,زرعت في يدي شوكك الجارح وفي صدري زلازلك الهائلة وطبعت على عيني حلكة الاسى ,فصرت انت اللعنة وصرت انا العذاب .
مشدودة اليك ابدا ,في دولاب الالم اذ ادور وادور حتى شربت واياك كأس العلقم وتشوقت متلهفة الى لحظة السعادة الابدية ,ارددها اغنية عذبة تنشدها دماء قلبي وتصمت شفتي منطبقة على الكلمة الحلم.
………………
اراك تلومينني على امر هو اكبر من ان تطاله قدرتي وتختلقين صورا هي ابعد ما تكون عن حقيقتي ,اراك ترومين فراقا ابديا وقطيعة لا عودة بعدها.
انظر الان الى صور متعددة في اماكن زرناها معا ذات يوم مع مجموعة من الاصدقاء وكان على ما اظن يوم الاحد ,هل تذكرين…؟
كانت سفرة سياحية ودينية الى اقدم كنيسة في الشرق تلك هي (الاقيصر) التي لم تزل شامخة اثارها وسط صحراء كربلاء. واستمعنا معا الى الدليل يتحدث قائلا:
مدينة كربلاء المقدسة التي شهدت واقعة الطف واحتضن ثراها جسد الامام الحسين واخيه العباس عليهما السلام واجساد الشهداء فصارت منارا للحياة والخلود .هي ايضا قبل تلك الواقعة كانت معلما تاريخيا إذ اننا كلما توغلنا بعيدا عنها. نفاجأ بوجود موقع اثري سواء كان من جهة الغرب أو الجنوب أو الشمال. وحين نقطع الطريق فأننا سنرى رأي العين ما أنجبته هذه الأرض من حضارة وعلم فيملئنا ذلك ادراكا لمكانة هذه الارض واعجابا بتاريخها المعطاء.
واسترسل الدليل الذي كان شابا في مقتبل العمر في حديثه بينما كنا نطالع البناء الذي بدى بجدرانه واقبيته واركانه كأنه كتاب مفتوح بصفحاته التاريخية المشرقة يعانق اشعة الشمس التي تحتضنه بشوق فهو ارض مقدسة عبر الاجيال.
ويقطع علينا تأملاتنا إذ نسمع صوته متحدثا:اسم كربلاء جاء من كور بابل فان هذا يعني إن لها تاريخا طويلا عبر الزمن ولكن التقصير في معرفة هذا الشأن التاريخي ترك كل شيء مجهولا ومخبأ بين دفات الكتب أو في أدراج الباحثين والدارسين وكأن لا أحد يريد أن يعرف إن آثار كربلاء تمتد حتى بابل وربما ابعد من ذلك أيضا.
صمت للحظات ومن ثم استأنف الحديث:-
على مسافة( 70 كم ) من كربلاء وعلى مبعدة (5) كم من قصر الأخيضر التاريخي المعروف والى الغرب من بحيرة الرزازة. كان هناك موقع لا أحد يعرفه إلا بالاسم ولا أحد يعرف ما به من آثار. انه موقع يطلق عليه اسم
( الاقيصر ) وهو اشبه بالمدينة المتكاملة التي كانت تزخر بالحياة منذ قرون بعيدة وتحكي ما بقي من الآثار إنها كانت مدينة عامرة عاش فيها أهلها قبل الإسلام.
وراح يتحدث عن موقعه الجغرافي:-
يقع الاقيصر في وسط الصحراء وكأن المدنية التي تتربع على عرش الحياة العراقية في ذلك الزمن ابتعدت الآن عن جميع المواقع لكي تبقى شاخصة إلى قيام الساعة وتحكي قصة الحضارة والتقدم والعمران. ولو عاش الإنسان الحالي فوق هذه الآثار لما بقي اثر منها ,إلا إن للطبيعة غايتها وحكمة من الله تعالى إذ أراد لهذه الآثار أن تبقى خالدة في هذا الموقع الذي يحتوي على اثر كبير قد يعود بالمنفعة السياحية إضافة إلى دراسة آثار كربلاء على اعتبارها مدينة عميقة الجذور ..الأثر التاريخي الشاخص الان امامكم هو كنسية مسيحية لم يسمع بها حتى أهالي المحافظة المقدسة كربلاء التي يقع ضمن موقعها الجغرافي بل إن بعضهم اندهش حين عرف إننا نبحث عن تاريخ هذا الأثر .
واسم (الاقيصر)هو تصغير لكلمة القصر وهي لفظة محلية لان فيها ما يشبه القصر وهو الكنيسة التي تضم رسومات متعددة عبارة عن صلبان معقوفة دلالة الديانة المسيحية.
هنا رايتك تتساءلين عن الخطوط الواضحة على جدران الكنيسة فأوضح الدليل ان هذه الخطوط هي كتابات آرامية تعود إلى القرن الخامس الميلادي حسب ما ذكرته الدراسات التي قام بها عدد من الباحثين والآثاريين وان في هذه الكنيسة مجموعة من القبور قسم منها يعود إلى رهبان الكنيسة ورجال دينها الذين كانوا يقدمون تعاليمهم وخدماتهم وهي ملاصقة للكنيسة والقسم الآخر لعامة الناس من المسيحيين الذي يدفنون هنا وهي تبعد عن الكنيسة بمسافة تزيد عن 20 مترا. كما ان الكنيسة يحيطها سور بني من الطين وفيها أربعة أبراج ويوجد في السور خمسة عشر بابا للدخول وهي مقوسة من الأعلى، فيما يبلغ طول بناء الكنيسة ستة عشر مترا وعرضها أربعة أمتار بنيت من الطابوق المفخور أو الفرشي وهذه القيمة البنائية تثبت إنها أقدم كنيسة شرقية في التاريخ لأنها وحسب الدراسات بنيت في منتصف ستينيات القرن الخامس الميلادي وهذا يعني إن هذه الكنيسة الموجودة في كربلاء قد بنيت قبل الإسلام بأكثر من( 120 ) عاما حسب ما يذكره الباحثون ومتون الكتب ولكن التنقيبات التي أجريت عام 1976 وعام 1977 هي التي اكتشفت هذا الموقع والكنيسة وذلك عندما قاد السيد مظفر الشيخ قادر البعثة العراقية في هذه المنطقة..
وأشار الدليل إلى إن موقع الكنيسة كان مثبتا لدى الأخوة المسيحيين من الكلدان الذين كانوا يأتون إلى الكنيسة لزيارتها كل عام لإحياء قداسهم وإقامة الصلاة في مذبح الكنيسة.
وبين إن هذا المكان لا بد أن يكون مكانا سياحيا ودينيا للإخوة المسيحيين لأنهم يعتبرون هذه الكنيسة هي أقدم كنيسة في الشرق الأوسط بل في الشرق عموما. وإن العوامل البيئية قد عرضت الكنيسة إلى الكثير من التخريب من خلال ما تعرضت له من كوارث ونرى ذلك واضحا من خلال أبواب الكنيسة التي أغلقت من الخارج بالحجر والجص.
ولفت إلى إن الكنيسة إذا ما بقيت مهملة فان العوامل الآنية قد تعرضها إلى الكثير من المشاكل لان الترميم الصحيح هو السبيل الوحيد لكي تبقى الكنيسة صامدة على أن تعاد قبة المذبح التي سقطت ويعاد ترميم الغرف المهدمة المحيطة بالكنيسة المخصصة للكهنة إضافة إلى القيام بحملة لتشجير المكان وجعله أكثر جمالا ومن المهم ان يعبد الشارع الموصل إلى الموقع من الشارع الذي يربط محافظة كربلاء المقدسة بقضاء عين التمر. وإلا فان ما تبقى من الكنيسة والموقع سيندثر حتما وسنخسر واحدة من المعالم الأثرية المهمة في العراق مثلما نخسر موقعا سياحيا رائعا سيأتي إليه آلاف السياح من المسيحيين وغيرهم لزيارة هذا المكان.
حين انتهى الدليل من حديثه سرنا والاخرين على تلك الرمال الذهبية وشعور بالأمان والاطمئنان يملئنا فنحن في مكان مقدس شهد عبادة المؤمنين ورفعت في هذه الاطلال دعوات صادقة وعاشت ارواح طيبة وفي تلك الارض قامت حضارة.
معا توجهنا للإله العظيم ان يحقق الاماني وييسر سبل النجاح
معا كتبنا حروف الامل في ان تبقى جذوة الحياة متقدة ونور المحبة مشرقا في كل بلد وكل ارض وكل مدينة وقرية ووادي وجبل وان تظل انهار الخير وافرة تسقي الحرث والنسل.
تردد صوتنا مع الجموع يا الله يا الله يا الله بكل لغات العالم وبكل لغات الامم من المخلوقات الحية التي برأها الباري عز وجل.
ان كنت نسيت فما زلت انا احتفظ بالذكرى وما نسيت.